اللي بيعلموه الألتراس ده فوضي وعنف وعدم احترام للدولة.. وعيب.. وقلة أدب كمان!! هذه العبارة السهلة.. تستطيع أن ترددها إن تابعت أيام الألتراس الأخيرة.. تظاهرات في أماكن كانت محظورة من قبل، مثل مديريات الأمن.. اقتحام لاتحاد الكرة.. ودعوة لاقتحام إستاد برج العرب.سترددها إن قررت أن تغلق عينيك كي تتجنب الجوانب الأخري من المشهد.. فقد قبلت أن يعاملك حكامك كواحد من القطيع، لا يفهم – ولا يريد أن يفهم – أنه لم يعد هناك ما هو محرم علينا.. ولم يعد هناك خطوط حمراء سوي حريتنا. أما في حالة تمردك علي هذا التصور "البقري".. فسوف تفتح عينيك، لتكتشف أن من يرددون هذه العبارة الأولي يمارسون نوعا من أنواع الدعارة السياسية. وستجد علي الجانب الآخر، الجانب المضاد للدعارة السياسية.. شباب "الكعب الداير". الآلاف من الألتراس الذين تركوا متعتهم الوحيدة، وتمردوا عليها، لأنهم لا يستطيعون ممارستها إلا وهم أحرار. فقرروا أن يعيشوا حالة من الكعب الداير – مثلما أسموه هم - حتي انتصارهم.. كعب داير ثوري!! لم أفهم أبدا في الكرة، ولم أشاهد خلال حياتي كلها سوي ماتشات قليلة. لذلك فإن هذا المقال هو مجرد ملاحظات سريعة عن أيام الألتراس المنورة.. وتحديهم لدولة الصراصير المرعوبة.. من شخص ليس كرويا.. لكنه "ألتراسي" منذ 25 يناير 2011، وتوثقت "ألتراسيته" يوم موقعة الجمل، ومعارك محمد محمود، ومجلس الوزراء، وشارع منصور.. وبعض المظاهرات التي انطلقت من أمام النادي الأهلي بعد مذبحة بورسعيد. الإخوان والألتراس: تقول أحد أغاني الألتراس: "دي الثورة اتولدت فكرة ولا يمكن تموت". وهنا تكمن المشكلة.. لا يستطيع الإخوان قبول هذه الفكرة، وهذا المنطق الذي يعبر عن أسلوب حياة. انتهت الثورة بالنسبة للإخوان يوم أن جلسوا علي المائدة مع عمر سليمان.. وكل ما هو تالٍ فهو تقسيم غنائم. واليوم هم يملكون السلطة، والسلطة تتناقض مع الثورة. من متابعة الساعات الأخيرة.. أعتقد أن هناك اتفاقا إخوانيا، وخلافا، فيما يخص الألتراس. الاتفاق هو حول فهم الإخوان للألتراس وموقفهم منهم. أما الخلاف فيتعلق بكيفية التعامل معهم. الإخوان مؤسسون علي فكرة القطيع والسمع والطاعة، ورفض التفكير الحر المستقل. أما الألتراس فهم بطبيعتهم علي عكس ذلك تماما. الإخوان لا يريدون هدم الدولة الفاسدة، يريدون إدارتها والتحكم فيها. أما الألتراس، فقط اكتشفوا مع الثورة أن هدم دولة الفساد ضروري كي يتمكنوا هم من الحياة.الألتراس بفوضاهم وتطلعهم لكسر القيود يريدون فتح جميع الملفات، وخصوصا المتعلقة بمذبحة بورسعيد، التي دبرت لعقابهم علي المشاركة في الثورة. لكن مرسي وإخوانه لا يستطيعون فتح ملفات هذه المذبحة جديا وبشكل كامل. فإن فتحت ملفاتها، سيتساقط الكثيرون من المتورطين في القتل..رجال أعمال.. رجال دولة.. عسكر.. شرطة.. إلخ.. أي عماد الدولة نفسها. ولأن الإخوان يعلمون هذا جيدا، فهم متحدون علي اعتبار الألتراس خصوما، ينبغي القضاء عليهم.ويبدو من متابعة بعض التفاصيل، من ضمنها ما قاله الشاطر، أن الخلاف بين الإخوان هو علي كيفية إنهاء ظاهرة الألتراس، أو علي الأقل كيفية إضعافهم وتحجيمهم، وتجريدهم من الإعجاب الشعبي بهم. هل يتم باليد الحديدية، بالمواجهة، بلعبة السياسة، أم باللعب مع الألتراس أنفسهم. ياسر عبد اللطيف والألتراس: كان الهتاف التقليدي لألتراس أهلاوي هو: (فريق كبير.. فريق عظيم.. أديلوا عمرى وبرضوه قليل)..وجاء مساء يوم 9 سبتمبر ليشهد تحولا تاريخيا، حين هتف الألتراس، أو بعضهم: (فريق حقير..فريق خسيس.. اديتوا دمي وباعوا رخيص)!! وهو تحول هام في علاقة الألتراس بالثورة والنضال من أجل الحرية، وليس فقط في علاقتهم بناديهم وبلعبة الكرة. كتب الصديق ياسر عبد اللطيف أمس، علي صفحته في الفيس بووك تعليقا يعبر عن قلقه، وقلق الكثيرين، قال: (المشكلة إن ألتراس الأهلي، فقدوا النادي اللي بيشجعوه.. طيب فيم سيكون التئامهم بعد ذلك.. هل على فكرة القصاص فقط؟).. لدي الكثيرين نفس القلق الذي عبر عنه ياسر.. هل ينفرطون؟ هل يتحدون علي أهداف أخري؟ ولا يملك أحد أي إجابة. لكنني، ورغم مشاركتي لياسر في قلقه، أعتقد أن الألتراس يعلمون أن المسألة لم تعد فقط القصاص لمن سقطوا في بورسعيد.. يعلمون إنها قصة انتصار ثورة.. وضرورة القضاء علي العفن السائد.يعلمون أنهم ليسوا بمفردهم.. فقد احتكوا بالقوي الثورية الأخري في معارك الشوارع خلال الشهور الماضية. قدم الألتراس الثمن الأكبر في هذه المعارك.. والدم يغير المسار والتركيبة إلي الأبد. الدولة المهزأة والألتراس: هذه هي الدولة وهؤلاء هم الألتراس: دولة كاملة مرتبكة.. مش واخدة بالها إنها مهلهلة ومهزأة، واتمرمطت كرامتها ميت مرة.. فلا تتراجع.. وتجعل أراجوزاتها يرددون "الاسطوانة المشروخة"حول سيادة القانون، والهيبة. بينما تتحرك هذه الدولة المهيبة كالصراصير المذعورة. صراصير تخرج اللاعبين من الأبواب الخلفية – وربما من فتحة صنعوها في جدار الفندق - تغير طرقهم..تسير بهم في الظلام.. في حماية رجل الأمن المرعوب أصلا من خياله.. تلعب بهم في استاد فارغ وكئيب كالقبر.. وتهديهم كأسا لا يساوي نكلة.. بينما الأراجوزات لا يجدون ما يقولونه في استوديوهات الفضائيات.. سوي التهليل لدولة هم بعض رموزها. إن كانت هذه هي الدولة.. دولة العفن.. فمن هم الألتراس؟ هم هذا الشئ المضئ الذي يولد رغم العفن ويقاوم الموت.. هم هؤلاء الذين يخرجون في عز النهار والحر، ليستكملوا مسيرتهم من أجل حريتهم ومن أجل دم زملائهم.. يسيرون في الطريق الملتهب الطويل مرفوعي الرأس.. يعلمون أن بلدا كاملا يتابعهم ويشاركهم.. فيقومون بتعليم هذا البلد معان جديدة للكرامة والشرف.. عبر الصمود والمقاومة والكعب الداير. إن كان من بين قراء هذا المقال أحد شباب الألتراس.. أقول له: مبروك.. لقد حققت أول انتصاراتك يوم 9 سبتمبر. لم تستطع منع المبارة أو إجبارهم علي إلغائها.. لكن معركتك طويلة، وإلغاء هذه المباراة العار ليس هو المعركة الأخيرة أو الحاسمة.. لقد انتصرت بإجبار خصومك علي الظهور بالملابس الرسمية الكاملة.. ملابس الصراصير المرعوبة علي الهواء مباشرة.. وحولت مئات الألاف- ممن ليسوا كرويين ولا أهلاويين – إلي ألتراس لك. نعم.. ألتراس لشباب الألتراس. تسقط الدولة الفاسدة.. وعاش شباب الألتراس الأحرار.. ومعهم أبو تريكة الذي لم أره أبدا وهو يلعب. Comment *