وزير الخارجية الأمريكي يصل إلى إسطنبول قبيل المباحثات الروسية الأوكرانية    ديربي الإسكندرية الحاسم.. سموحة يستضيف الاتحاد في صراع الهروب من الهبوط    ميسي يعود لقيادة الأرجنتين.. وسكالوني يفك أسر مهاجمه    مسار الجرى الأكثر روعة بالعالم.. «ناشيونال جيوجرافيك» تتغنى بماراثون الأهرامات    رئيس رابطة محترفات التنس يحدد موعد تقاعده    إنفوجراف|«الأرصاد» تعلن حالة الطقس غدًا السبت 17 مايو    حكم قضائي بإيداع نجل محمد رمضان في إحدى دور الرعاية    الصحة تتابع تنفيذ مبادرة القضاء على قوائم الانتظار بمستشفى قنا    أسعار الدواجن والكتاكيت والبيض اليوم الجمعة 16 مايو 2025    لاعب المغرب: نسعى لكتابة التاريخ والتتويج بأمم إفريقيا للشباب    تاجر ماشية ينهى حياة عامل طعنا بسلاح أبيض فى أبو النمرس    راشفورد يغيب عن مواجهة مانشستر يونايتد    أسعار النفط تتجه لمكاسب أسبوعية بعد انحسار التوتر التجاري بين أمريكا والصين    في ذكرى النكبة… ماذا تبقّى من حلّ الدولتَين؟    4 أبراج «لا ترحم» في موسم الامتحانات وتطالب أبناءها بالمركز الأول فقط    رئيس شعبة المواد البترولية: محطات الوقود بريئة من غش البنزين.. والعينات لم تثبت وجود مياه    بالأسماء.. جثة و21 مصابًا في انقلاب سيارة عمالة زراعية بالبحيرة    مصرع عاملة في حريق بمنزلها بمدينة سوهاج    العاهل البريطاني: أنا في الجانب الأفضل من رحلتي مع السرطان    بعد طرح "المقص"، تامر حسني يقرر تغيير جلده ويخرج عن المألوف (فيديو)    في عيد ميلادها ال56.. شام الذهبي توجه رسالة مؤثرة لوالدتها أصالة: "كل عام وانتي الدنيا وما فيها وتاج راسنا"    البلشي: 40% من نقابة الصحفيين "سيدات".. وسنقر مدونة سلوك    في دقائق.. حضري سندويتشات كبدة بالردة لغداء خفيف يوم الجمعة (الطريقة والخطوات)    طريقة عمل البامية باللحمة، أسهل وأسرع غداء    موجة جديدة من كورونا تضرب آسيا، وارتفاع عدد حالات الدخول إلى المستشفيات    وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية: تحقيق مع مدير FBI السابق كومي بتهمة التحريض على اغتيال ترامب    أسعار الأرز الشعير والأبيض «عريض ورفيع الحبة» اليوم الجمعة 16 مايو في أسواق الشرقية    الطن ارتفع 700 جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 16-5-2025    بسنت شوقي: أنا اتظلمت بسبب زواجي من محمد فراج (فيديو)    أبو شقة: لدينا قوانين سقيمة لا تناسب ما يؤسس له الرئيس السيسي من دولة حديثة    بيت لاهيا تحت القصف وحشد عسكري إسرائيلي .. ماذا يحدث في شمال غزة الآن؟    د. محروس بريك يكتب: منازل الصبر    لامين يامال عن مقارنته ب ميسي: «ليو الأفضل على الإطلاق»    جداول امتحانات الترم الثاني 2025 في بورسعيد لجميع الصفوف    ترامب يلمح إلى قرب إبرام اتفاق مع إيران    توقفوا فورا.. طلب عاجل من السعودية إلى إسرائيل (تفاصيل)    نشرة التوك شو| حجم خسائر قناة السويس خلال عام ونصف وتحذير من موجة شديدة الحرارة    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة    موانئ دبي العالمية توقع مذكرة تفاهم مع سوريا لتطوير ميناء طرطوس    اليوم.. الأوقاف تفتتح 11 مسجدًا جديداً بالمحافظات    هل الصلاة على النبي تحقق المعجزات..دار الإفتاء توضح    بحضور وزير العمل الليبي.. تفعيل مذكرة التفاهم بين مجمع عمال مصر ووزارة العمل الليبية    وكيل أول الشيوخ: مشروع قانون الإيجار القديم لن يخرج إلا في هذه الحالة    لاعب جنوب إفريقيا السابق: صن داونز سيفوز بسهولة على بيراميدز في نهائي دوري الأبطال    مسابقة معلمين بالحصة 2025.. قرار جديد من وزير التربية والتعليم وإعلان الموعد رسميًا    القوى العاملة بالنواب: علاوة العاملين بالقطاع الخاص لن تقل عن 3% من الأجر التأميني    طريقة عمل الأرز باللبن، حلوى لذيذة قدميها في الطقس الحار    كمين شرطة مزيف.. السجن 10 سنوات ل 13 متهمًا سرقوا 790 هاتف محمول بالإكراه في الإسكندرية    دون إصابات.. سقوط سيارة في ترعة بالغربية    25 صورة من عقد قران منة عدلي القيعي ويوسف حشيش    رامي جمال يعلن عن موعد طرح ألبومه الجديد ويطلب مساعدة الجمهور في اختيار اسمه    هل يمكن للذكاء الاصطناعي إلغاء دور الأب والأم والمدرسة؟    الحوثيون يعلنون حظر الملاحة الجوية على مطار اللد-بن جوريون    إعلان أسماء الفائزين بجوائز معرض الدوحة الدولي للكتاب.. اعرفهم    بعد زيارة ترامب له.. ماذا تعرف عن جامع الشيخ زايد في الإمارات؟    دعمًا للمبادرة الرئاسية.. «حماة الوطن» بالمنيا يشارك في حملة التبرع بالدم| صور    أمين الفتوى: التجرؤ على إصدار الفتوى بغير علم كبيرة من الكبائر    "الأوقاف" تعلن موضع خطبة الجمعة غدا.. تعرف عليها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي الجزائري واسيني الأعرج: ما يحدث في مصر غير مطمئن..ولا خيار للديمقراطيين إلا قبول فكرة المعارضة
نشر في البديل يوم 28 - 08 - 2012


حوار: مدحت صفوت
يعد الكاتب الجزائري واسيني الأعرج واحدًا من أهم الروائيين العرب، له قائمة من المؤلفات الروائية وغير الروائية تجاوزت الثلاثين كتابًا، وصل صباح أمس الاثنين إلى مصر في زيارة لتوقيع إصداره الجديد "رماد مريم.. فصول من السيرة الروائية" والصادر عن سلسلة إبداع عربي بالهيئة المصرية العامة للكتاب، وحول رؤيته للأوضاع في مصر وآخر مؤلفاته رماد مريم، ورواية "أصابع لوليتا" كان للبديل هذا الحوار:
- أشياء كثيرة حصلت في الوطن العربي. ماذا يقول د.واسيني في ما يحدث في مصر الآن؟
مصر بلد عظيم وكبير بأرضه ومثقفيه وعلمائه ومفكريه. من هنا فالحالة المصرية مهمة جدًا لأنها تتعلق بأكثر البلدان العربية تجربة تاريخية من حيث الممارسة الديمقراطية. ونجاح التجربة الجديدة فيها، مهم للغاية، والانكسار مهم أيضًا من حيث كونه درسًا كبيرًا يمكن أن تستفيد منه بلدانا عربية أخرى. الذين قاموا بالحركة والانتفاضة شباب أربكوا النظام وبينوا ضعفه وهزاله، لكن سوء التنظيم وغياب القيادات الفعلية لم يمنحهم فرصة تطوير قيم الانتفاضة أو الثورة والسير بها نحو النجاح النهائي واستلام الجديد لأمور السلطة. الشيء الغريب هو كأن مهمة الشباب انتهت عند حدود التجنيد وكسر النظام وهذا غريب في الثورات الحديثة، لأنه يمكن أن يدمر كل المنجز الديمقراطي الذي شكل هاجسًا شبانيًا.
- وما المشكل؟ وما رؤيتك في وصول الإسلاميين للحكم؟
المشكل أنه في غياب الدولة الحامية كل ما يحدث يمكن أن يتحول إلى فوضى، لا أعتقد أن هناك الفوضى الخلاقة كما ينظر بعض المفكرين الغربيين. طبعًا الإسلاموية في حد ذاتها ليست شيئًا مخيفًا. المشكل هو هزال الدولة الوطنية الضامنة للتحولات السياسية المعقدة. فقد وصل الإسلاميون للسلطة في تونس ومصر وفق مسالك ديمقراطية أو شبيهة، وهذا يكاد يكون طبيعيًا لأنهم الاكثر تنظيمًا ولعبوا طويلا على نزعة الضحية. بالمقابل هناك ضعف كبير في رأس الثورة التي أسقطت الأنظمة وتوقفت عند هذا الحد. طبعًا لا خيار للديمقراطيين إلا قبول فكرة المعارضة وتكوين خزان جديد للخيبات القادمة. لأني لا أعتقد في الوقت الحالي أن الاسلاميين سيتغيرون جذريًا لأن قاعدتهم تتغذى من خطابهم المتطرف ولكن هذا سيسقط عندما يصبحوا في الحكم. لم تقم الحركة الإسلاموية بتعدديتها بنقد مسارها وتاريخها، لا يكفي إعلانها قبول التعددية وحرية التعبير لأن ذلك يقتضي قبول الآليات التي تنبني عليها هذه التعددية لتتأقلم مع الأوضاع الحالية. ما يحدث في مصر حالة مخبرية غير مطمئنة.
- وما توقعاتك لنتائج هذه الحالة المخبرية؟ وماذا تقول للمثقفين المصريين؟
أتوقع ظهور تيارين في رحم الحركات الإسلاماوية: تيار تقليدي مثبت في مفاهيم ميتة سيزداد راديكالية، ميال إلى معاداة قيم الحداثة والتنور، والتخريب والتعطيل وحتى الاغتيالات والنزول إلى الشوارع للضغط باتجاه الخيارات الدينية، وتيار جديد سيخرج من صلب الحركة الإسلاموية، تكون رؤاه أكثر إنسانية وأكثر موضوعبة وانسجامًا مع معطيات العصر، يمكنه أن يلعب دورًا سياسيًا إيجابيًا لأنه يمكن أن يجذب نحوه الكثير من التيارات الليبيرالية. أعرف أن الوضع جد معقد ولهذا لا نصيحة لي للمثقفين المصريين والعرب، سوى الإصرار على العمل على الحفاظ على القيم الديمقراطية والانتصار للعقل، وتعميق المجتمع المدني لأنه هو القوة الحقيقية في فرض البدائل، وتعميق كيان الدولة بمختلف قطاعاتها الضامنة لا للسلطة ولكن لاستمرارية المؤسسات، لأن ذلك هو الرهان الحقيقي في النهاية، الذي يحفظ البلد من الحروب الأهلية والانهيارات وتمزق الكيانات التي تأسست منذ قرابة القرن، التي أصبحت تلوح في الأفق أكثر من أي زمن مضى.
- نأتي إلى الإبداع، ورماد مريم، ماذا أردت أن تقول من خلالها؟ وهل هي رؤية للمشروع من الخارج أم بحث عن المشترك في كتاباتك الروائية؟
كما تعرف أن كتاب رماد مريم ليس رواية ولكنه فصول من سيرة روائية أي السيرة الإبداعية التي تجاوزت اليوم الثلاثين سنة يضعها الكاتب بين أيدي القراء المصريين والعرب. يبدأ الكتاب من أول رواية نثار الأجساد المحروقة التي كتبتها في 1977 ونشرتها في مجلة آمال الشبابية، حتى آخر رواية لي حتى الآن وهي أصابع لوليتا التي تناولت فيها معضلات العصر الذي نعيشه ويعيشنا بالكثير من القسوة. المقصود من وراء نص مثل هذا هو وضع التجربة الروائية بكاملها من خلال سلسلة من المختارات بين أيدي القارئ العربي والمصري تحديدًا ليتعرف قليلاً على هذه التجربة وربما دفعه الكتاب نحو النصوص بدل الاكتفاء بالفصول. الهدف تربوي بالدرجة الأولى وتحريك شهية القارئ. ويمكن لهذا القارئ أن يتوقف عند حدود ما قراءه في رماد مريم فذلك يعطيه أيضًا فكرة عن لغة وموضوعات الكاتب وانشغالاته الفكرية والتاريخية والثقافية، بل حتى حركة تجربته الداخلية التي بدأت قبل أكثر من ثلاثين سنة ما هي ثوابتها ومتغيراتها المختلفة.
- قد يتشكك البعض في جدوى عمل كهذا..
بهذا المعنى، الكتاب هو مصافحة محبة وأدب وفن، مع القارئ المصري والعربي, ويبدو أن الفكرة راقت للكثير من الأصدقاء الروائيين الذين يفكرون في تقديم تجاربهم مختزلة لقرائهم المفترضين وللكثير من دور النشر أيضًا إذ بدل نشر الأعمال الكاملة المكلفة جدا يمكن لفصول مختارة أن تسد نقصًا قرائيًا في ربط العلاقات بين مختلف القراء في الوطن العربي، في ظل عقدة المقروئية التي تعاني كثيرًا في الوطن العربي. طبعًا لا شيء يعوض فكرة قراءة نص بكامله، إذا أراد القارئ أن يذهب بعيدًا في معارفه. بهذا النوع من المختارات، يمكننا أن نذهب نحن نحو القارئ بدل انتظاره وهو منشغل بعصر معقد لا يمنح وقتًا كافيًا للقراءة والجهد المعرفي والثقافي.
- الدكتور واسيني يكتب بلغتين، الفرنسية والعربية، هناك إشكالية في هذه الازدواجية، فهل ترى اللغة مجرد إطار ووعاء خارجي لمعنى سابق ومكتمل دون اللغة؟ ولماذا تكتب ذاك العمل بالفرنسية والآخر بالعربية؟ وأيهما تصل إلى القارئ الجزائري، الكتابات العربية أم الفرنسية؟
أعتقد أن العلاقة باللغة هي بالدرجة الأولى تربوية قبل أن تتحول إلى حالة خيارية لاحقًا في وعينا. نحن لا نختار في أغلب الأوقات اللغة التي نكتب بها ولكننا نجد أنفسنا ضمن منظومة لغوية تفرضها شروط المجتمع نفسه. نفس الشروط منحتني فرصة استثنائية لأكون معربًا ومفرنسًا في الآن نفسه وهو شيء إيجابي ومهم لأنه يمنحنا أفقا أقل ضيقا وهوية واسعة قابلة للإصغاء إلى العناصر الأخرى وليس الانغلاق على حالة واحدة. أنا من جيل كانت لغته الأولى للكتابة مدرسيًا، هي الفرنسية ثم جاءت بعد ذلك اللغة من خلال تعلم القرآن الكريم. كانت اللغة العربية هي اللغة الثانية بحكم الاستعمار الفرنسي. لم أكن الأوحد ولكن جيلا بكامله كان في حالتي الخاصة. وظلت العلاقة تبادلية بين اللغة العربية والفرنسية إذ كانت لغة دراستي في الاستقلال هي الفرنسية، فقد كنت علميا، ولم تكن لنا مادة بالعربية إلا اللغة العربية التي كنا نتعملها أعتقد ساعتين في الأسبوع.
قبل أن يتم تحسين الحجم الساعاتي لاحقا. كتبت لاحقا وبراحة، باللغة الفرنسية، الكثير من أبحاثي والتجأت لها عند الحاجة الماسة، مثل بيت ثان عندما وجدتني في مواجهة قاتلة مع الإرهاب وكان علي أن أمر عبرها لأن الناشر العربي كان خائفا من المجازر التي كان يرتكبها القتلة المتطرفون. ناشري في بيروت لم ينج من هذا الخوف من الأصولية المتطرفة. كان يفترض أن ينشر روايتي: سيدة المقام التي قام بصفها ولكنه لم يستطع أن يذهب أبعد من ذلك بسبب الإرهاب وخوفه علي من القتل، كنت في القائمة السوداء، وبدأت أعيش حياة سرية. اللغة الفرنسية وقتها أنقذتني من الصمت وأدين لها بالكثير مما حصل لي لاحقا من مكاسب جميلة. لقد كتبت رواية حارسة الظلال بالفرنسية واختيرت من ضمن أجمل خمس نصوص صدرت في سنة 1996 في فرنسا، مرايا الضرير لاقت رواجًا كبيرًا في باريس والعواصم الفرانكفونية على الرغم من مصادرتها في الجزائر في المطبعة، لكن الطبعة الفرنسية الصادرة بباريس ظلت تسوق في الجزائر، والشيء نفسه عن روايتي مضيق المعطوبين التي صدرت قبل سنوات قليلة بالفرنسية. اللغة الفرنسية بالنسبة لي على الأقل، سند عظيم لمجابهة تخلف الرقابة العربية فقد منحتني فسحة أخرى للكتابة ليست أقل قيمة من ناحية المقروئية. طبعا سأظل كاتبا باللغة العربية بامتياز.
- كتب جابر عصفور في بداية الثمانينيات مقالة "نقاد نجيب محفوظ"، وبالنسبة لرواياتك كتب عنها الكثيرون، كيف ترى نقاد واسيني الأعرج؟ وما الذي أضافوه إليكم؟
لا أدري إذا ما كنت أملك جوابًا مقنعًا لأن الأمر يحتاج إلى اختبار معمق لعلاقة الكاتب بالنقد. إذا وضعنا جانبًا النقد العاجز الذي لا ينتقد ولكنه يصفي الحسابات، فهناك جهود عربية تستحق كل التقدير. الممارسة النقدية مهمة في علاقتها بالقارئ وأقصد النقد في عمومه بما في ذلك الإعلامي والصحفي وحتى التليفزيوني. مهم جدًا لأنه يجعل النص مرئيًا. في الغرب واحدة من وظائف النقد هي هذا الجانب مما يجعل مسألة اختيار النصوص المتميزة في السنة وتأهيلها للجوائز سهلة نسبيًا. هذه الظاهرة مستسهلة عندنا أو لا تعطى لها القيمة التي تستحقها. النقد الجامعي مهم أيضًا على الرغم من تسيد النظرة الآلية والمكانيكية عليه.
- هناك العشرات من الرسائل التي أنجزت عن أعمالك.. كيف تقرأ ذلك؟
إنه أمر مهم لأنه يحول النصوص إلى مادة اختبارية للمدرسة النقدية سواء كانت حديثة أو تاريخية. ولكن مشكلة هذا النوع من النقد أنه يظل دفينا في المكتبات الجامعية يدور في حالة داخلية منغلقة بين الطلبة والباحثين الجامعيين والأساتذة. ما طبع من الأبحاث القيمة التي أنجزت حول أعمالي يكاد لا يذكر مما يقلل من قيمته التواصلية. يجب أن لا نكون عدميين. هناك جهود عربية كبيرة ومتميزة. طبعا أنا سعيد جدًا أن هناك نقادًا عربًا متميزين كتبوا عن أعمالي بجدية كبيرة ومنحوا فرصة كبيرة لأعمالي الروائية لكي تصل إلى القراء العرب بسند نقدي مهم من أمثال الدكتور جابر عصفور، الدكتورة رزان إبراهيم، الأستاذ شوقي بدر يوسف، الدكتور سعيد يقطين، والدكتور جمال بوطيب، والدكتور زميرلي، الدكتورة آمنة رميلي، الدكتور رشيد بن مالك، وغيرهم كثيرون.
- تقول "المنفى دائمًا شيء مؤقت، يبدأ بكلمة عابرة وينتهي بسؤال معقد" ما هي تساؤلات المنفى لكم؟ وهل للمنفى فضائل عليكم أو على الكتاب الجزائريين والعرب؟
المنفى من حيث التعريف هو قسوة لأنه إجبار على مغادرة فضاء معلوم نحو فضاء غير معلوم لا نعرف أي تفصيل عنه ولا نعرف ماذا يخبئ لنا من قسوة ومن هزات جميلة ومن أمراض أيضًا وشقاوة وأحزان وخيبات. قوة الإنسان أنه يصل دائمًا إلى خلق علاقات مع الأمكنة التي يعبرها. علاقتي بالأمكنة تكاد تكون افتراضية لا أمكنة ثابتة لي. باستثناء العشر سنوات الأولى التي حكمت طفولتي وقضيتها في القرية مع العائلة، الباقي كله حركة دائمة غير مستقرة. قضيت عشر سنوات بين تلمسان ووهران في نظام الداخلية للحصول على الباكالورية والليسانس، وعشر سنوات في الشام التي أحببتها بقوة وتحصلت منها على دبلوم الدراسات العليا والماجستير والدكتوراه. وعشر سنوات في الجزائر العاصمة مدرسًا بالجامعة المركزية، وأنا اليوم أكاد أنهي العشرين سنة في باريس أستاذًا في جامعة السوربون.
الأمكنة بالنسبة رجراجة لان أهم الأمكنة تلك التي نحملها في أعماقنا وننشئها أدبيًا وفنيًا. المنفى ليس في تبديل المكان فقط ولكن أيضًا في قسوة التنقل الذي يسرق منك حرية اختيار مكانك. لم يكن في نيتي أن أذهب إلى باريس ولكن عندما وصلت التهديدات الإسلاماوية إلى سقفها وشلت حركتي في وطني إذ عشت متخفيًا أكثر من سنة بين البيوتات المختلفة أصبح من غير المجدي البقاء لأن البقاء يعني اتخاذ قرار الخروج مما يعني تسهيل مهمة قاتلك بينما كان رهاني الوحيد لا أن أنجو بجلدي ولكن أعقد من مهمة قاتلي، وأن لا أمنح له نفسي على صحن من طين. فخرجت بدعوة من المعهد العالي للأساتذة في باريس. وهناك حاولت أن أعطي لحياتي معنى بالحفاظ على علاقتي بجامعتي الأصلية وفي الوقت نفسه الاستفادة من وجودي خارج الجزائر. وأعتقد أني أفلحت في جعل حياتي أمرًا ممكنًا وأن المنفى لم يكن إلا محطة لإعادة النظر في الحياة والترجمة والعمل المستمر، والمشاركة في الحياة الثقافية والاستفادة من حركيتها وفي الوقت نفسه الحفاظ على ما يربطني بثقافتي العربية.
- بلغة شعرية أعرف أنكم ستجيبون، في تجربة رماد مريم، "مريم" امرأة أم كتابة؟ كتابة أم منفى دائم؟
كل ذلك مع بعض. ولكن مريم هي في النهاية الاستحالة، المثل الأعلى الذي نظل معلقين به. الفقدان الذي لا تخفف من شططه إلا الكتابة. فقدت في وقت مبكر أجمل بنات القرية التي أحببتها كما أحبها الكثير من أصدقاء القرية: مريم. وكنا نتنافس في تأويل حركاته العفوية كل واحد يقول إنها أشرت له، ابتسمت له همست له. وكنا ننشئ قصصًا جميلة حولها. أعتقد أننا كنا نحبها جميعًا، كل بطريقته، ولكني أدركت في وقت متأخر من الحياة أني فقدت طفولتي وعفويتي الأولى يوم تركتها ورحلت نحو المدينة لأدرس وأتميز عن أصدقائي وأفوز بها. طبعًا هي اليوم امرأة معروفة وست بأولاد ولا تعرف شيئًا عن أثرها البالغ فيّ.
المرحومة أمي اقترحت علي في مرة من المرات أن نزورها بعد أن أعطتني توصيفًا عنها، وكيف أصبحت هشة ومريضة وضعيفة ومنكسرة مثل شجرة يابسة. قلت لها يا أمي مريم التي أعرفها ولا تعرف أنها أثرت في بقوة، طفلة صغيرة ممتلئة وذات شعر طويل وعينين سوداوين ضاحكتين، كانت تغسل القمح برجليها في جابية السقاية وكأنها ترقص. مريم يا أمي التي كانت كلما رفعت شعرها المنسدل على وجهها رأت حفنة أطفال أصدقاء يتنافسون على خزرتها، فتبتسم بملعنة ثم تواصل غسل قمحها ورقصها في الماء. مريم التي أعرف هي تلك التي استشهد والدها بقسوة، ولحقت به أمها، فرباها جدها قبل أن تجد نفسها بين أنياب عمها الذي زوجها لابنه وهي لا تحبه، فحرمنا نهائيًا من رؤيتها. يومها لم تمت مريم وتستيقظ في من جديد كفكرة ولكن مات المكان الذي كانت تأتي نحوه بحب فقط لتثبت لعشاقها من الأطفال أنها امرأة القرية المشتهاة. كما ترى، مريم ليست مجرد امرأة، أو حتى طفلة معشوقة، ولكنها إيقونة للكتابة تتلون في كل نص متخذة شكلا ووجها محتلفين، ولا وجود لها في ذاكرة أصدقائي إلا كتجربة طفولية طارئة، بينما تحتل جزءًا مهمًا من حميميتي، ربما لأني لم أعد أشبه اصدقائي كما اشتهيت، وأكتب داخل الهشاشة ومريم كانت هي الهشاشة عينها. من هنا ليست مريم منفى ولكنها دفء المنافي الذي يعيدنا دائما إلى طفولتنا الأولى التي مهما سرقت منا تظل علاماتها حية دوما في دواخلنا وتدفع بنا بقوة نحو الحياة.
- عملكم الجديد بعد "أصابع لوليتا" أثار جدلًا كبيرًا.. فما تعليقكم؟
نعم، أصابع لوليتا أثارت جدلاً مما وفر لها سندًا نقديًا عربيًا واسعًا وضعتُه تقريبًا كليًا على حائطي في الفيسبوك ويشكل كتابًا بكامله، ليصبح في متناول القراء. ربما كان سبب ذلك هو الثيما الجديدة نسبيا التي تبنتها الرواية: حياة عارضات الأزياء. طبعًا كل ذلك تم في أفق سياسي مرتبط بمعضلات العصر الذي نعيشه من عنصرية وكراهية للآخر وحروب وتجريم العربي والمسلم، وهويات قلقة. وربما كانت فكرة المانيكية أي الازواجية الحادة التي أرفضها حول فكرة الخير المطلق والشر المطلق التي لا وجود لها في النهاية، هي سبب الاهتمام المتزايد بالرواية.
لوليتا التي تكشف الرواية في النهاية أنها إرهابية ليست إلا ضحية لنظام أكبر تدركه متأخرة مما يدفع بها إلى عدم تفجير نفسها في الكاتب مارينا المكلفة بقتله ولكنها تبتعد وتفجر نفسها من دون أن تحدث في طريقها أية ضحية. العالم ليس الخير من جهة والشر من جهة ثانية ولكنه الالتباس الثنائي لذلك كله.
- وماذا عن الجديد في الكتابة؟
لقد أنتهيت من نص جديد ويفترض أن يصدر في 2013 إن شاء الله ويكون حاضرًا في معرض بيروت هو: رماد الشرق Les cendres de l'Orient الذي سيصدر بخمس لغات أيضًا العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية، وهو نص طويل، في جزأين، صيغ في شكل ملحمة حول العرب في القرن العشرين من اتفاقيات سايكس بيكو إلى انفجار البرجين التوأمين الذي كان إعلانا عن نهاية زمن وبداية زمن آخر سيتحول فيه العرب إلى يهود القرن العشرين، مطاردة وتشريدًا.
- قلت في نهاية عملك "رماد مريم" (خمس وثلاثون سنة.. وما تزال المغامرة مستمرة.. في الرأس ما لا يقل عن مائة حكاية وحكاية.. نلتقي في 8 أوت 2054.. يكون عمري وقتها مائة سنة فقط... غيمة العمر...) ترى ماذا ستقول للعالم العربي ساعتها؟ وماذا ستكتب حينها؟
إنها مجرد مداعبة للقارئ لإخراجه من رائحة الرماد وظلامه. ومع ذلك سأقول للعالم العربي الذي يكون قد تغير في جغرافيته وهمومه ومآلاته: أرأيتَ يا وطني الواسع، كم كنتُ محقًا ولكنك لم تسمع نداءاتي الداخلية وصرخاتي وشعريتي. أو أقول في حالة الخيبة من رؤاي: عذرًا يا وطني الكبير الذي ضاق فجأة على ذويه، لقد أخطأتُ فيك إذ ظننتك كأني أنا ورأيتُني فيك وأثثت بك لغتي. ولكني أعرف أيضا أني وقتها، بل متأكد من أني سأكون حزينا لأني سأكون تحت التراب، ومر على موتي زمن ليس بالقليل، وأسمع لغيري وهم يرددون جملتي الأولى: أرأيت يا وطني الواسع... وربما الثانية: عذرا يا وطني... لكن في الحالتين سيقول زوار قبري مع بعض الحظ إذا استقريت في جزء صغير من ذاكرتهم: واسيني ليس هنا اليوم، ولكنه حاول أن يعيش عصره وزمنه بسرعة مجنونة، ولكن دائما كمواطن عربي بسيط، صمم أن لا يظل صامتا يموت بهدوء وسكينة على الحواف، له من هذه الناحية على الأقل أجر الذي حاول وإن لم يصب. يكفيني ذلك. كل الحب والشكر لك على هذه الحميمية التي أدخلتني في صلبها.
سيخرج من الحركة الإسلاموية تياران الأول تقليدي راديكالي يعادي التنوير والحداثة، والآخر أكثر موضوعية وسيجذب التيارات الليبرالية نحوه
"رماد مريم" مصافحة محبة وأدب وفن مع القارئ المصري والعربي.. وقريبًا سيصدر "رماد الشرق" بخمس لغات
مريم فقدان لا تخفف من شططه إلا الكتابة وعلاقتي بالأمكنة تكاد تكون افتراضية فلا أمكنة ثابتة لي
علاقتي باللغة العربية تربوية تحولت إلى حالة خيارية لاحقًا في وعيي، والفرنسية أنقذتني من الصمت وأدين لها بالكثير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.