ما يحدث في سوريا وليبيا له علاقة بما حدث في العراق، أكثر مما له علاقة بما حدث من ثورات في مصر وتونس واليمن!. فهذه الثورات، في مصر وتونس واليمن، هي ثورات شعبية حقيقية حان أوانها، فانفجرت، وتمر، وسوف تمر، بما يحدث بعد الثورات عادة، من تفاعلات وفوران، حتى تستقر، وتجني خيرات وثمار ما بعد الثورات الحقيقية في كل التاريخ الإنساني، ولو بعد حين من الوقت والجهد والمكابدات. لكن ما معنى تعبير (حان أوانها)؟. معناه في علم وأدبيات التاريخ والثورات الإنسانية، أنها وصلت إلى ما يعرف اصطلاحاً ب (نضج الحالة الثورية). إنها وفق قوانين الجدل العلمية (الديالكتيك) التي لم يكتشفها "ماركس"، إنما أخذها عن "هيجل"، وإن طبقها على طريقته وفي إطار منهجه: عبارة تعني أن التراكمات الكمية، التي استمرت على مدى معين، من المحتم أن تؤدي في لحظة معينة، إلى تغير "كيفي" معين. وهذا التغير في حالتنا هذه هو (الثورة). ذلك بالتمام: عند "لحظة نضج الحالة الثورية". هكذا فقد وصل الحال إلى هذه اللحظة، في تونس ومصر واليمن تباعاً، في ربيع عام 2011، وهو ما أطلق عليه (ربيع الثورات العربية)، ولذا ففي رأينا أنه لا بأس من التسمية رغم تحفظات البعض عليها. أما الوضع في سوريا وليبيا، فإنه مختلف تماماً.. ببساطة لأنه لم يصل الشعب هناك إلى (لحظة نضج حالة ثورية، تحتم انفجار ثورة شعبية حقيقية)!. وما أشبه ما حدث في هذين البلدين، بما حدث في العراق، وليس بما حدث في بلدان "ربيع الثورات العربية 2011". إن ما حدث ومازال في بلدان (سوريا ليبيا ومن قبل العراق)، هو دور خبيث وخطير، لتحالف قوى أجنبية استعمارية، ومحلية عربية رجعية، تعادي أنظمة الحكم في هذه البلدان الثلاثة، ومن ثم تريد تغيير الأوضاع فيها، تحت ستار وتسميات الثورة والثوار، والإرادة الشعبية والديمقراطية وحقوق الإنسان..!. ومن المؤكد أن تحالف تلك القوى لا يريد خيراً، ولا حرية أو أية حقوق، للإنسان في هذه البلدان، إنما يريد السيطرة عليها، ونهب الثروة فيها، باسم الثورة، واخضاعها ضمن مناطق نفوذ (الاستعمار الغربي الأمريكي الصهيوني)، باسم الديمقراطية والحرية.. وكم من جرائم ترتكب عادة باسم هذه الأهداف والقيم النبيلة. هل الأوضاع بداخل هذه البلدان رائعة (عراق البعث وصدام سوريا البعث والأسد ليبيا الفاتح والقذافي)؟. أبداً، ليس صحيحاً.. وهناك أخطاء هائلة، سواء على صعيد قضية حريات المواطن، أو صعيد قضية ضرورة تطهير البلاد من الفساد.. وغيرهما من قضايا. لكن منذ متى كانت قوى الاستعمار أو الرجعية العربية.. تؤرقها معاناة هذه البلاد من تلك الأخطاء أو الخطايا؟!. إنما ما يهمها حقاً هو مدى الهيمنة على هذه البلاد ونهبها!. إنها لا يهمها أبداً.. أن "صدام ديكتاتور"، أو "الأسد الأب أو الابن ديكتاتور"، أو "القذافي ديكتاتور".. الحديث في ذلك كله، كذب صراح، وخداع، وتضليل ما بعده تضليل!. بدليل، أن في كل البلاد العربية الأخرى، التي تتحالف وتتآلف أو بالحرى تتبع أنظمة الحكم فيها، الإدارات الغربية خاصة الأمريكية، كلها أنظمة حكم عربية ديكتاتورية مستبدة باطشة فاسدة: من السعودية والكويت وعمان والبحرين إلى الأردن إلى المغرب.. وحتى الأمس القريب تونس زين العابدين، ومصر مبارك "كنزهم الاستراتيجي" بحق كما وصفوه.. والذي ضاع منهم في لحظة وخسروه، لأن "الشعب أراد"، ولأنه حانت لحظة التغيير الثوري وانفجار الثورة الشعبية الحقيقية، ولأن التراكم الكمي أدى في لحظة "نضج الحالة الثورية" إلى تغير كيفي بفعل "الثورة". لقد (افتعل) هؤلاء الأعداء للأمة، أن هذه اللحظة حانت بدورها في "سوريا" و"ليبيا"، كما فعلوا وافتعلوا، وكذبوا ثم افتضحوا، بالأمس في العراق!. ودفعت هذه البلدان ومازالت، ثمن هذه الجريمة، في العراق وسوريا وليبيا!. لقد عاونوا عملاءهم في هذه البلدان، وعديدين ضللوا، وأمدوهم بسلاح وعناصر مرتزقة، وأحالوا الأرض إلى بحار دماء، لا تزال تجري!. إن الثورات الثلاث في مصر وتونس واليمن "سلمية".. بالضرورة وبالطبيعة. بينما الجرائم الثلاث في العراق وسوريا وليبيا "دموية".. بالضرورة وبالطبيعة. Comment *