إن المتابع للإنتخابات التاريخية التي تدور حاليا في ليبيا، يجد أن النتائج تشير إلى فوز تحالف المعتدلين والعلمانيين ، ورئيس هذا المعسكر هو محمود جبريل الرجل الذي جاء من قلب نظام القذافي لينضم للمتمردين العام الماضي. بالنسبة لرجل الإقتصاد البالغ من العمر 60 عاما والحاصل على دكتوراة في العلوم السياسية من جامعة بتسبرج ، والذي سافر للدراسة في الولاياتالمتحدة عام 1975، ثم عمل بعدها مستشارا اقتصاديا لعدد من الحكومات العربية ، وكانت تراوده فكرة العودة لليبيا حتى جاء عام 2007 وتم الدفع به في الحكومة عن طريق الرجل الوحيد في هذا الوقت الذي كان يملك القوة الكافية لإجراء تغييرات جذرية – سيف الاسلام القذافي- . وكان جبريل قد أبلغ السفير الأمريكي لدى ليبيا أن بلاده تنفتح على نطاق واسع وبسرعة، وطبقا لبرقية دبلوماسية كتبها السفير بعد ذلك وكانت ضمن ما نشر من وثائق على ويكليكس أن جبريل أقنعه أن هناك فرصا مربحة تجارية في لبيبا ، وقال عنه أنه الرجل الذي يتفهم رؤية الولاياتالمتحدة. وقد اعتقد جبريل لسنوات في أن التغيير ممكن من خلال نظام القذافي ، خاصة وهو ينتمي لقبيلة وارفالا والتي كانت خاضعة لسنوات لحكم القذافي ودانت له بالولاء. لكن في وقت مبكر من عام 2011 بدأ يتشكك في قناعاته، وأن أفكار سيف الإسلام القذافي محكوم عليها بالفشل في ظل وجود والده والحاشية المحيطة به من حوله في السلطة ، فترك طرابلس وانضم للثوار في بني غازي في فبراير 2001، وسرعان ما بدأ في محاولاته لدفع رؤساء العالم لدعم الثوار ، وكان قد انتزع اعترافا رسميا بالثورة من ساركوزي الرئيس الفرنسي عقب لقاء حاسم في قصر الإليزيه مارس 2011 ، والتي ساعدت على حصول ليبا على مساعدة الناتو (حلف شمال الأطلسي) بعدها بأسابيع قليلة ، وكان سيف القذافي قد صرح للتايم في وقتها أنه يشعر بخيانة كبرى نتيجة انضمام جبريل القريب جدا منه للثوار ، لكن محاولات واتصالات جبريل الدبلوماسية مع قادة العالم كانت قد بدأت تعرف طريقها للنجاح ، وكان الأمر بالنسبة لجبريل هو نظام القذافي وليس اصلاحات سيف الإسلام التي لن تعرف الطريق للنور . انتقل جبريل بعد ذلك لقيادة الثوار "المجلس الوطني الإنتقالي" لكن أخذ عليه في وقتها عدم تفويض السلطات بشكل سليم، ثم استقال من هذا المنصب بعد مقتل القذافي في أكتوبر الماضي ، وبدأ يخطط لمستقبله السياسي ، معتمدا على دوره في دعم هذا الاحتجاجات وتحويلها إلى ثورة كاملة . وكان سامي زابيتا مدير تحرير هيرالد ليبيا – وهي جريدة ليبية جديدة تصدر باللغة الإنجليزية على الانترنت – قد صرح أن الجميع يعترفون بفضل جبريل في الحصول على اعتراف دولي بالثورة الليبية ، لكنه حذر من أن خلفيته القبلية ربما تعيد رسم نظام القذافي الجديد مرة أخرى إلا أنه عاد وأكد على أنه لا خلاف حول مهاراته كمخطط و ورجل استراتيجي وكذلك بصيرته. ومع كل مهارات جبريل وخبراته وكذلك الصلاحيات التي يمتلكها ستكون مهمته كقائد لليبيا أشبه بنزهة بالنظر إلى الكميات الهائلة من البترول التي تمتلكها ليبيا البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 6.3 مليون نسمة فقط ، وسيكون من السهل البدء في إصلاحات إقتصادية مقارنة بأي وضع آخر في المنطقة – مصر على سبيل المثال التي تعتمد على المعونات الأمريكية بشكل كبير – لكن المشكلة الرئيسية في ليبيا ستكون بسبب الأسلحة المنتشرة في أيدي المليشيات والتي من المحتمل أن تكون عدائية ، بالإضافة للبطالة المتفشية بينهم حسب تقرير مصرف التنمية الافريقي. ويبدأ جبريل بميزة إضافية مهمة وهي وجود خطة جاهزة كان قد أعدها وهو على رأس المجلس الإستشاري الليبي ، ويستعين بمجموعة من الخبراء الاستراتيجين من كامبريدج ، ماساشوستس ، وكان جبريل في ليلة مقتل القذافي في اكتوبر الماضي قد صرح للتايم أنه الآن فقط يمكننا البدء في النهضة بهذه البلاد فقد كان النظام يسد أمامنا كل الطرق وكانوا يأخذون منا كل ما نقدمه لهممن خطط للتطوير لكنهم كانوا يلقون بها كلها إلى سلة المهملات ، وأشار إلى أن الخطط تهدف إلى التطوير السياحي واستغلال الطاقة الشمسية وتشغيل النساء العاطلات ، بالإضافة لإصلاح جذري في برامج التعليم التي عفا عليها الزمن ، وختم قائلا هذه خريطة طريق حقيقية لدينا خطة جاهزة لقد حان الوقت لنفض الغبار . Comment *