انتقلنا من مقر صحيفة البديل في جاردن سيتي لتغطية الأحداث التي وقعت في العباسية عصر يوم الجمعة 4مايو2012، ووصلنا منطقة أحمد سعيد وأكملنا من هناك سيراً على الأقدام باتجاه ميدان العباسية من جهة ميدان عبده باشا، وعندما اقتربنا من مكان الأحداث بدا أن قوات الجيش قد قضت على أي وجود للمتظاهرين بالميدان وبدأت في ملاحقتهم في امتدادات ميدان العباسية، ليبدأ أشخاص في زي مدني بملاحقتنا. عندما اقتربت قوات الصاعقة من مدخل شارع عبده باشا، وتسلمونا من جموع المدنين الذين كانوا مسلحين بسلاح أبيض وأسلحة خرطوش محلية الصنع وحاولوا التعدي بها علينا فيما آثر بعضهم تسليمنا لقوات الصاعقة التي بدأت في الضرب عشوائيا على رؤوسنا بالهراوات والعصي المعدنية.. وعندما حاولنا إخبارهم أننا صحفيين قام قائد تشكيل الصاعقة بالهجوم علينا بهراوة يحملها بعنف أكبر مردداً".. أم الصحافة انتو اللي خربتوا البلد"، ثم قاموا بجرنا إلى أحد المقاعد الحجرية الموجودة في موقف أتوبيسات العباسية وأمرونا بالانبطاح أرضاً على وجوهنا وخلال هذا قامت عناصر من القوات بإحضار مزيد من المقبوض عليهم أحدهم كان "ملتحي" ومصاب بجرح بالغ أسفل عينه اليسرى وجرح في جانبه ينزف بشدة، وعندما رفض عدد منا الانبطاح على وجوهنا قاموا بضربنا على مفاصل أرجلنا من الخلف لإجبارنا على الانبطاح، وبدأ أحد عناصر قوة الصاعقة في ضربنا على ظهورنا بالأحزمة، ثم بدءوا في إجلاسنا على احد المقاعد في موقف العباسية وبدءوا في تقيدنا بالحبال من الخلف بلف الحبل على الذراع ثم إحاطة الجسم من الخلف للأمام ثم ربطه بالذراع الأخر ثم ربط شخص أخر في نفس الحبل بنفس الطريقة، ثم جمعونا في طابور بشري وسط صفع وركل وضرب بالهراوات إلى أن أوقفنا أحد المجندين الذي كان يحمل كاميرا Sony HD وبدأ في تصويرنا وهو يردد" عايزين تخربوا البلد وتسقطوا الجيش يا ولاد .....". وعندما أوضحنا له أننا صحفيين تحول بالكاميرا عنا إلى شاب أخر مصاب إصابة بالغة وأخذ في تصويره، ثم أمر قائد تشكيل الصاعقة عناصره بالسؤال عن مصيرنا من العميد ممدوح، والذي عندما سألوه قال"وأنا مالي متسألونيش حاجة" وعندما أوضحنا له أننا صحفيين وأن حقائبنا بها أوراقنا وأموالنا والكاميرات والهواتف وان القوات التي قبضت علينا أخذتها وان الحقيبة بها دواء خاص بي فرد علينا قائلاً"أحنا عاوزينكو تموتوا يا ولاد ال....". بعدها استلمتنا عناصر الشرطة العسكرية ليبدءوا في جرنا من الحبال التي قيدونا بها لتبدأ حفلة ضرب وسحل وتنكيل شارك فيها كل فرد يرتدي الزي العسكري باختلاف ألوانه وأسلحته بدءا من الخوذات إلى المواسير المعدنية وجذوع الأشجار والأحزمة وغيرها. كان الجنود يتعاملون معنا كأننا أعداء لهم، وتنتابهم حالة من السعار والعنف غير المبرر، أحد الجنود الذين كانوا يجرونا من حبل صمم على توقيفنا لبرهة أمام عربة من عربات الجيش منادياً على سائقها "دوس ميتين أمهم"!، ولولا أن أمره ضابط بالإسراع في سحب القطيع البائس كانت العربة اصطدمت بنا، وتكرر هذا مرة أخرى عندما كانت عربة من عربات الجيب الخاصة بالجيش تمر من جوارنا صاح سائقها وهو يشير إلى أحمد رمضان" أربط لي الواد ابن..... دا في العربية وانا أسحلك أمه"!، وذلك لأن الجمع البائس المتكون مني ومن رفيقي احمد رمضان وعدد من الأشخاص ضمنهم كهل في سنوات عمره الستين كان يتحرك ببطء بسبب تقيدينا في حبل واحد وسقوط بعضنا على الأرض من أثر الضرب المبرح على الأقدام من الخلف بقصد إسقاطنا، وعندما سقطت على الأرض أثر قفزة"خرافية" من جندي يحمل عصا معدنية نزل بها على رأسي تبادل الجنود ركلي على الجرح النازف في رأسي في حالة من الهياج والسعار لدرجة ان بعضهم اصاب بعض بسبب الضربات العشوائية بالأسلحة التي كانوا يتعاملون بها مع المقيدين بالحبال. تم إدخالنا من باب مستشفى جامعة عين شمس، والتي كان يتم تمشيطها وإخراج المرضى والمصابين منها والذين كانوا يرتدون ملابس المستشفى، وينضمون للجمع البائس المنكل به، ليتم إخراجنا من الباب الجانبي للمستشفى لنعبر الطريق وندخل الوحدة العسكرية التي سبقنا إليها الكثير من المقبوض عليهم والمنكل بهم، ومع استمرار الضرب والصفع والركل سقط أحد الأشخاص وتم سحله على الأرض إلى أن وصلنا إلى غرفة بجوار البوابة الرئيسية للمعسكر والتي كانت مساحتها حوالي مترين في ثلاثة أمتار وكان بها ما لا يقل عن 40 او 50 مصاب، تناوب العسكر ضربهم وكان يأتون من مختلف اماكن الوحدة العسكرية لينالوا حظهم من ضرب المقبوض عليهم، في حالة من العشوائية والعنف يؤكدها سبابهم وتعبيراتهم اللفظية مثل"هنموتكوا يا ولاد ال... ومالكوش دية عندنا" لدرجة أن جنديا أصاب قدم زميله بالخطأ عندما قصد ضرب زميلي أحمد رمضان، وكان الضباط الموجودين يصرخون في العساكر"ابعد عن الراس مش عاوزينهم يموتوا"، وأحد الضباط الذين وجهوا سبابا للجنود عندما أخذ أحدهم بالقفز على ظهر احد المصابين المنبطحين أرضاً مضيفاً" لو هتموتوهم موتوهم برا الوحدة". بدأ الجنود في فك الحبال التي كانت قد انحلت في معظمها من أثر الجر والسحل، وبدأوا في تقيدينا بأربطة بلاستيكية، وهناك أخذ بعض الجنود تفتيش ملابسنا بحثاً عن أي متعلقات معنا مثل الهواتف المحمولة وحافظات النقود، وعندما قلت لأحدهم عندما أخذ هاتفي الأخر الذي كان في جيبي "أتصل بأي حد عشان يجيب العلاج بتاعي" ركلني في رأسي وأتى ضابط قال عن نفسه انه طبيب وأعطاني دواء للضغط المرتفع، وأخذ في تقريعي لذهابي إلى العباسية، وعندما عرفته أنني صحفي قال"شكلك هتستنى معانا شوية". وعندها وصلت عربة من عربات الجيش وأخذوا في إخراج المقبوض عليهم من الغرفة الضيقة وهم مقيدون وكان ضمنهم الزميل احمد رمضان، وقبلها تم تصويرهم بواسطة أفراد يرتدون زي مدني، وظللت مع باقي المقبوض عليهم داخل الوحدة العسكرية، لنفترق لأول مرة أنا والزميل أحمد رمضان بعد رحلة من الضرب المشترك ولم نتقابل بعدها مرة أخرى إلا في سجن طره عندما أفقت على صوته أثناء دخولي للزنزانة وبعد أن ظل كل منا يبحث عن الآخر بينما انتابت كل منا هواجس ان يكون أحدنا قد لقي ربه. خرج أحمد بينما جلست أنتظر مصيري فيما بدأ طبيب مجند بفحص المصابين، الذين كانوا يتوافدون مقيدين وحولهم عدد من الجنود يتناوبون ضرب الضحية، عندها قال الطبيب المجند" كفاية ضرب أنتوا بتفتحوا وإحنا بنخيط ومعندناش خيوط ولا دوا كافي ليهم" وبالفعل استعان الطبيب المجند بالتجهيزات الطبية التي صادروها من المستشفيات الميدانية، والتي أتت "كحرز" مع طالب كلية الصيدلة عبد الرحمن الشرقاوي، والذي كان بصحبة فرد تحريات عسكرية وينادونه ب"مسجون اللواء حمدي" . وبدأ عبد الرحمن هو والطبيب المجند بمعالجة المصابين إصابات بالغة بالإمكانات شبه المنعدمة، والتي كان منها شاب مصاب بكسور في الأضلاع حسبما قال الطبيب المجند لعميد كان يقف بالقرب منا وطلب منه عربة إسعاف تنقلهم إلى المستشفى هو وآخرين كانوا متروكين على الأرض ينزفون ويصرخون من إصاباتهم، وبحلول الليل لم يتبق إلا حوالي 12 من المقبوض عليهم بعد ترحيل الباقيين في سيارات أتت سيارة إسعاف بعد مرور حوالي 8 ساعات لم تنقل أي من المصابين اللذان بقيا معنا ، كان أحدهما كهل يتجاوز الستين من عمره يحمل أوراق وصور اشعة طبية، والأخر شخص يسير بعكازين وإحدى قدميه مقطوعة. ومع تجاوز الساعة العاشرة أتى بعض الجنود بعدد من الأشخاص وهو يحيطون بهم ويضربونهم، أحدهم طفل قال أنه عمره 15 عاما ، وأخرين قالوا أنهم قبض عليهم من محطات المترو القريبة ومنطقة غمرة، وعندما سئل شاب من المقبوض عليهم حديثاً "ليه بتضربونا احنا مكناش في المظاهرات؟"، رد فرد من التحريات العسكرية كان يقف بجواري" الجروح اللي هتتعمل في وشك وجسمك هتعرفك يا روح امك...عشان تبقوا تعرفوا تحدفوا طوب علينا واهه الاصابات فينا وفيكوا"! عندما طلبنا من أحد العساكر دخول الحمام وبالذات في وجود الشيخ العجوز الذي ظل يصرخ من الألم ويردد أنه مريض بالسكر وبريد دخول الحمام بشدة وعندما توجه العسكري لسؤال أحد الرتب الواقفة بالقرب منا قال له"ممنوع التجول في الوحدة العسكرية للغرباء، ودول(وهو يشاور في إتجاهنا) يتعاملوا معاملة الأعداء.. دول أعداءك وقتلوا زمايلك.!"، وبعد مرور حوالي نصف ساعة جعلونا نقضي حاجتنا في منطقة خاليه من الوحدة بقرب السور، وكان أحد المقبوض عليهم لدية جهاز تبول طبي فأخذ وقت أطول فقام أحد الجنود بسحبه بالقوة من ملابسه من الخلف بعد صيحة من أحد الضباط "كفاية عليهم كده"، ثم أتت سيارة كبيرة مغلقة وقام العساكر برصنا وعدنا وكنا حوالي 20 شخص ودفعونا إلى السيارة تحت وابل من الصفع والركل لم يرحم منها حتى الشاب المصاب بكسور في ضلوعه والذي كان لا يقدر على الحركة، فرفعه العساكر إلى السيارة وقام أحدهم بدفعه بقوة بقدمه في ظهر الشاب المصاب ليسقط على وجهه، ثم تحركت السيارة بطول شارع الخليفة المأمون لتتوقف حوالي ربع ساعة ثم تتحرك مجدداً باتجاه مدينة نصر، فعلمت أننا باتجاه النيابة العسكرية "س28،". وعندما نزلنا من السيارة داخل س28 كان التعامل لا يخلو من دفعة أو صفعة وأن كان أخف بكثير مما تعرضنا له في العباسية أو الوحدة العسكرية التي أحتجزنا فيها، وتم إجلاسنا على الأرض وأتى أحد الضباط وقال" نزلوهم تحت" وتم إنزالنا إلى الحجز العسكري، ووقفنا بجوار بعضنا البعض بتعبير الضابط"نزلهم ورصهم جنب الحيطة" واتى جندي يحمل كاميرا وقام بتصويرنا وأخر أخذ بياناتنا، ثم جلسنا على الأرض وبعضنا مازالت جراحه تنزف، في غياب للأطباء، الذين أتوا صبيحة اليوم التالي وقاموا بعمل إسعافات سريعة قبل عرضنا على المحقق العسكري في مبنى النيابات، والذي حقق معي لأسباب وجودي هناك وغيرها من الأسئلة وليوجه لي تهم الانضمام لعصبة هدفها الهجوم على منشأة للجيش المصري، واستخدام القوة ضد أفراد الجيش وتعطيل حركة المرور والتجمهر والشغب، وهي تهم كان مجمل عقوبتها 15 عام.! بعد انتهاء التحقيق أنزلنا من مبنى النيابات ليتم تقيدينا ومجموعة أخرى بقيد أخر غير الذي كنا مقيدين به وعندما سألت أحد العساكر عن الفارق قال:"دي عهدة ، والكلابشات التانية بتاعة الداخلية"، وبالفعل استلمتنا قوة من الشرطة من ضمنها قوة كانت ترتدي تجهيزات مكافحة الإرهاب.!، وتم تعبئتنا في سيارات ترحيل الداخلية، والتي امتلأت على أخرها وانتاب البعض حالات اختناق، منهم أحد الأندونيسين الاثنين اللذين قابلتهم في س28 واللذين أخبراني أنهما يدرسان اللغة العربية في جامعة الأزهر وأنهما يحفظان القرآن بعد كل صلاة جمعة في مقرئة مسجد النور حيث تم القبض عليهم، وبعد حوالي ساعتين تحركت سيارتين للترحيلات ووصلنا إلى سجن الاستئناف أمام مديرية القاهرة، حيث كان مفترضا أن نقضي فترة الحبس الاحتياطي.. ووقفنا عندها حوالي ساعتين وعندما فقد شخصين الوعي نتيجة الاختناق وقلة الهواء طرقنا على جدران السيارة ونادينا الحرس الذي أجاب أن الشخص المسئول والذي يحمل المفتاح "طلع فوق"، ثم قاموا بتشغيل شفاطات الهواء في السيارة وتحركوا ليقوموا بجولة حول منطقة السيدة عائشة والقلعة ثم بعد ذلك يتجهون في الطريق إلى سجن طره، وأوقفوا السيارة حوالي ساعة اخرى أمام باب سجن طره زراعي، ثم فتحوا الباب لينزل المقبوض عليهم ويبدأ مشهد أشبه بمشهد فيلم البرئ عندما يستقبل السجن"الوارد" وهم المساجين الجدد بلغة السجون، ولتبدأ حفلة استقبال بالضرب بالاسلاك الكهربية والأحزمة، وسب الدين والسباب، والتركيز على أن"الداخلية زي ما هي يا ولاد ...." قائد تشكيل الصاعقة هجم علينا بهراوة بعنف مردداً" .. أم الصحافة انتو اللي خربتوا البلد" أوضحنا للعميد ممدوح أبو الخير أننا صحفيين وحقائبنا بها أوراقنا وأموالنا ودواء يخصني فرد "إحنا عاوزينكو تموتوا يا ولاد ال...." سيارة جيب تابعة للجيش مرت جوارنا وصاح سائقها مشيرا ل أحمد رمضان" أربط الواد ابن... في العربية وانا أسحلك أمه" طبيب مجند صاح في زملائه الجنود " كفاية ضرب أنتوا بتفتحوا وإحنا بنخيط ومعندناش خيوط ولا دوا كافي ليهم" قصة الرجل السبعيني وصاحب القدم المقطوعة الذين لم يرحمهم الجنود من الضرب والاعتداءات معاملة الجنائيين كانت أفضل دون تمييز على أساس مهنة أو شكل أو خلفية اجتماعية ف "الكل داخل الزنزانة.. واحد والبورش ياما بيشيل"