رحم الله المخرج السينمائي المعروف ، حسام الدين مصطفى ، الذي حين زار الكيان الصهيوني ، قبل نحو عشر سنوات ، أكد بأنه لم يقترف “التطبيع” ، بدليل أنه لم يذكر كلمة “التطبيع” مرة واحدة ، طوال استضافة أعدائنا له على مدى أسبوعين ! اليوم ، يزعم مفتي الديار المصرية ، الشيخ علي جمعة ، بأنه لم يحز على تأشيرة من الصهاينة للدخول إلى القدس ، وأن ترتيبات الزيارة تمت من القصر الملكي الأردني ، وأن وفدا أردنيا رفيع المستوى قد رافقه في رحلته إلى القدس، وأنه اعتلى منبر الأقصى ، وأمّ المسلمين في الصلاة ، وأن فضيلته بعيد عن السياسة ، وأن رحلته علمية بحته ; افتتاح “كرسي الإمام الغزالي للدراسات الإسلامية” بدعوة من (مؤسسة آل البيت الملكية الأردنية) ، حيث تزعم العائلة المالكة الأردنية انتسابها إلى الرسول الكريم (ص) . الرد بسيط ، فأولاً غير مسموح لأحد بالدخول إلى الضفة الغربية – بما فيها القدس – بدون خاتم سلطات الاحتلال الصهيوني ، إلا إذا كان الزائر يبغي تحرير فلسطين ، أو أن الكيان الصهيوني يتنازل عن الخاتم ، مقابل الخدمة الكبيرة التي تؤديها الزيارة . هنا يصبح الخاتم أمراً شكلياً !! وحتى لو صدق جمعة بأن الصهاينة استثنوه من الخاتم ، فإن جريمة “التطبيع” قد وقعت ، تماما لو ان احدهم سطا على بيت ، وسرق ما سرق ، ثم تباهى بأنه لم يترك وراءه أثراً أو بصمة !! هنا أكدت صحيفة “يديعوت أحرونوت” هذا الأمر ، حين أشارت إلى أن زيارة جمعة هذه تمت بالتنسيق مع تل أبيب . وثانياً ، فإن القصر الملكي الأردني غارق تاريخياً حتى أذنيه في “التطبيع” مع عدو الأمة ، حتى قبل السادات بثلاثين سنة ، حين كان جد الملك الأردني الحالي يعقد اللقاءات والاتفاقات مع أعدائنا الصهاينة . بالمناسبة ، لم يكون أي من الطرفين – الصهيوني أو الأردني – يحصل على تأشيرة دخول من الطرف الآخر ، أو يضع طرف خاتمه على جوازات سفر الطرف الآخر ! أي أن استثناء أي شخص من التأشيرة أو الخاتم ، أو من كليهما ، أمر في غير صالحه ، ويضاعف الارتياب فيما فعل ! وثالثاً، فإن اعتلاء أي منبر ، والإمساك بالحلقة التي ربط النبي ، صلى الله عليه وسلم ، براقه عندها ، وإمامة المصلين ، كلها تأتي في سياق إساءة تسخير الدين الإسلامي لستر جرائم بعينها . وما الذي فعله السادات ، حين نفذ مبادرته سيئة الصيت بالصلح مع الصهاينة (1977) ، سوى أنه بدأ بأداء الصلاة في المسجد الأقصى واستقبله هناك الموظفون من المشايخ ، على النحو الذي جرى مع جمعة ؟! ورابعاً ، فإن ما اقترفه جمعة هو سياسي بامتياز، أما كرسي الغزالي ، فكان يمكن افتتاحه دون أن يلوث جمعة اسمه وسمعته على هذا النحو . نأتي إلى عضوية جمعة في “مؤسسة آل البيت الملكية الأردنية” ، التي لا تتعدى شهادة زور بأن العائلة المالكة الأردنية هي من سلالة النبي (ص) طيب ، بأمارة إيه يا مفتي الديار ؟! لهذا كله ، كان طبيعياً أن ترحب الصحافة الصهيونية بزيارة جمعة ، التي جاءت بعد أيام من زيارة الداعية الإسلامي اليمني ، الحبيب الجفري . واعتبرت تلك الصحافة الزيارتين بداية للتطبيع الديني ! لقد سهّل الكيان الصهيوني زيارته في الوقت الذي منع الكيان الفلسطينيين من الدخول إلى القدس ، للصلاة في الأقصى ، كما دأب هذا الكيان على الحئول دون دخول وفود المتضامنين الأوروبيين مع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية . لقد كان علي جمعة بغير حاجة إلى العتاب القوي الذي وجهه إليه الرمز الوطني الإسلامي الفلسطيني ، الشيخ رائد صلاح ، مسجلاً ضده أنه يدخل القدس ، بينما يٌحرم رائد صلاح من الصلاة في مساجدها . الخلاصة ، إن جريمة الشيخ علي جمعة لا يجب أن تمر بدون عقاب !