تعرض الدكتور عمار علي حسن، قبل يومين، لاعتداء عدد من الضباط. كان ساعتها بصحبة أخيه، بجوار مجلس الوزراء. وكتب يوم 13 مارس علي صفحة مجموعته بالفيس بوك، مايلي نصا: (شكرا لكل الأصدقاء الذين تضامنوا في المشكلة الطارئة التي جرت لي. وأطمئن الجميع أنني لم أفرط في حقي كمواطن مصري، عندما بدأ عقيد الشرطة الاعتداء عليَّ دافعت عن نفسي، ولمّا لكمني لكمته، ورددت عدوانه، وقاوم أخي ضباطه، كنا اثنين وكانوا عشرات الضباط والجنود، وفعلنا ما في وسعنا فعله في منتصف الليل عند مجلس الوزراء. وإلى قسم الشرطة أرسل وزير الداخليه أحد مساعديه وهو اللواء عادل المجيري، وجاء كبار ضباط “غرب القاهرة” وهدأوا خاطري، ودفعوا بطريقتهم العقيد إلى الاعتذار لي وتقبيل رأسي ورأس أخي، وقالوا، والحق لله: الأمر لك الآن، إن قبلت اعتذاره فهذه أخلاق منك، وإن لم تقبل فسيأخذ الإجراء القانوني طريقه، وكما تريد. واستمعوا إلى نقد لاذع من عدد من الرموز الوطنية والكتاب والحقوقيين الذين جاءوا للتضامن معي، وكان معنا السيد ناصر عثمان عضو مجلس الشعب عن الحرية والعدالة، ومن منطلق “ومن عفا وأصلح فأجره على الله” قبلت الاعتذار، بعد “تحرير محضر يجسد الواقعة” وبعد أن تيقنت أن الداخلية ستوقع عقوبة داخلية على العقيد المعتدي، الذي ظل واقفا على قدميه طيلة جلسة استمرت ثلاث ساعات، بينما كان الجميع من السياسيين والمثقفين وكبار الضباط جالسين.) هذا بالنص ما كتبه الدكتور عمار علي حسن. بداية، أود التأكيد علي احترامي البالغ لعمار علي حسن، الذي لا أعرفه شخصيا، ولم ألتق به أبدا، ولدوره النضالي والسياسي. وأؤكد علي اتفاقي مع أغلب مواقفه، واعتزازي بها.. للدرجة التي جعلتني أعتاد أن أقول لزوجتي مازحا، كلما كتب أو قال ما يسعدني، وما كنت أود قوله: (لما أكبر عايز أكون زي عمار علي حسن).. متجاهلا أنه يكبرني بأعوام قليلة فقط. حينما بدأت في قراءة رسالته المفتوحة، سعدت وشعرت بالرضا حينما قال أنه قام بلكم الضابط الذي لكمه. فأنا، للأسف، لست “سلميا.. سلميا”، مثلما يقول الشعار الشهير للثورة. وأؤيد هذا النوع من الردود علي عنف أعدائنا. وهذا الفعل تحديدا ينسجم مع تصوراتي التي نسجتها عن الدكتور عمار، وعن تركيبته. إلا أنه، وفي موقع متقدم من رسالته، جعلني أتذكر من جديد إننا نعيش “ثورة الدهشة”، التي تمنحنا المفاجآت كل يوم.. فقد وجدتني أقول بصوت عال، كالمجنون، أمام جهاز كمبيوتر، بعيدا عن القاهرة آلاف الكيلومترات: مش من حقك يا دكتور. وبحكم العشم الثوري، أو أي عشم آخر، أتسائل: هل من حق الدكتور عمار علي حسن، السياسي والمفكر والثوري، أن يستجيب للاعتذارات الشخصية، والطبطبة، في قضية عامة؟ ما أقصده بالقضية العامة هي اعتداء السلطة، عبر أفرادها، علي أحد المواطنين بالضرب والإهانة. ربما يكون من حقه التنازل والتسامح، إن لم يكن عمار علي حسن، وإن لم تكن قضيته قد طرحت إعلاميا، وكان متعبا ويود الذهاب للنوم. لكن، من موقعه وبكل ما يحيطه، ليس من حقه أن يستجيب لهذا النوع من التسويات، فيما أعتقد. وخصوصا أنها تتزامن مع موضة التسويات الجانبية.. ديات الشهداء.. المجالس العرفية التي تنهي دور الدولة تدريجيا.. ومع كل أحكام البراءة التي تُمنح لجميع القتلة الذين ذبحونا منذ 25 يناير 2011. وكان آخرها تبرئة هذا “الدكر” الذي انتهك سميرة إبراهيم وزميلاتها. ماذا كان سيحدث لو لم تكن واقعة الاعتداء قد حدثت مع الدكتور عمار، المعروف إعلاميا، ومع أخيه الصحفي؟ وكانت قد حدثت مع مواطن “عادي”؟ ربما نكون قد نسينا خالد سعيد، والآلاف من أمثاله ممن تم قتلهم في أقسام الشرطة وفي الشوارع!! هل كانت ستأتي كل هذه الرتب، التي يشير إليها عمار علي حسن، للتسوية؟ أم أن ثمن أي مواطن فقير، من غير “ضهر”، هو أن يُضرب علي بطنه، مثلما يقول المثل الشعبي؟ أو أن يكون ثمنه رصاصة بعشرة قروش إن قام برد اللكمة للضابط؟ لنفترض أن الرصاصة لن يتم استخدامها، هل سيكون مصيره زنزانة متسخة، يتعفن داخلها لأيام حتي يرضي عنه الباشا المعتدي؟ الآن تحديدا أخاف شخصيا، وأتساءل: ماذا سيكون مصيري – وأنا لست مشهورا، ليس لدي أخ رجل وصحفي، ومن عائلة “عادية” – إن أوقعني حظي العثر مكان الدكتور عمار؟ ما الذي سيحدث معي إن لم تأت “الرموز الوطنية وعضو مجلس الشعب” لمساندتي في قسم الشرطة، ولتوبيخ الضابط؟ أعتقد أن الدكتور عمار يعلم جيدا أنها ليست حادثة اعتداء عابرة. يعلم أنها تشكل جزءا من منهج السلطة في التعامل مع المواطنين الفقراء، ممن ليس لهم ضهر، قبل يناير. يعلم أن هذا المنهج تتم استعادته من جديد لكسرنا وإذلالنا مرة أخري. ولتصدير الشعور، أو اليقين، بأن ثورتنا قد فشلت، وأننا سنداس بالجزم مرة أخري. هو يعلم هذا جيدا.. لكن، كيف يعلم أن الداخلية ستعاقب داخليا هذا العقيد، مثلما قال؟ هل لدينا معلومات عن ضباط آخرين تم عقابهم حقيقة؟ أم أنه قد تمت ترقيتهم بعد أن قتلونا؟ هل كون الضابط قد وقف علي قدميه ثلاث ساعات، هو عقاب كاف لردع ممارسات دولة تسببت في ثورة ضدها؟ أكتفي بهذه الأسئلة السريعة.. وليسامحني الدكتور عمار، الذي لا يعرف كم احترامي وتقديري له.. أتمني أن يسامحنا المواطن والمواطنة الفقيران، ممن لا يمتلكان ضهرا، فيتم انتهاكهما يوميا.. ربما يسامحاننا في موجتهما الثورية القادمة علي كل هفواتنا وأخطائنا التي ارتكبناها في الموجة الأولي.. فالعذر الوحيد، هو يقيني بأن الدكتور عمار سيتخذ جانب الفقراء في الموجة القادمة.. وأتمني أن يكون موقعي إلي جواره، علي نفس الجانب من المتاريس.. لنقضي نهائيا علي هذه الدولة التي ترسل موظفيها لقهر الناس في الشوارع. باسل رمسيس [email protected]