ارتفعت وتيرة الاحتجاجات ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وخططه الداعية لإصلاحات اقتصادية، واتسع نطاق التظاهرات والإضرابات ليشمل سائقي قطارات السكك الحديد والموظفين في القطاع العام والعاملين في مراكز التقاعد والطلاب، وباتت تشكل أكبر تهديد وتحدٍّ للرئيس الشاب منذ توليه الرئاسة في العام الماضي. وأطلق الموظفون في القطاع العام والعاملون في مراكز التقاعد والطلاب دعوة إلى التظاهر أمس، بعد المظاهرة الضخمة التي قاموا بها في مارس الماضي، عندما نزل نحو 300 ألف شخص إلى الشوارع، كما أعلنت نقابة العمال في مترو باريس عزمها على الإضراب عن العمل. كما استقبل المتظاهرن الرئيس ماكرون، خلال زيارته لمدينة سان دي ديه فوج، في شرق فرنسا الأربعاء، بوقفة احتجاجية، نظمها نقابيون من قطاع التجارة الكونفدرالية العامة للعمل "سي جي تي"، التي تقود جهودًا كبيرة من أجل التصدي للمشاريع الإصلاحية التي يدعو إليها. فيما اعتصم طلاب في كلية العلوم السياسية في باريس بعد سلسلة من الاحتجاجات في جامعات أخرى على إصلاحات ماكرون، ويقول معارضو هذا الإصلاحات إنها ستؤدي إلى تراجع في الخدمات العامة المقدمة للطلاب، ورفع المعتصمون لافتات، وصفوا فيها ماكرون بالديكتاتور. وبدأ العمال في قطاع السكك الحديدية والنقابات منذ شهر مارس الماضي إضراباتهم وتظاهراتهم المناهضة لمشاريع ماكرون الإصلاحية، وانضم إليهم طلاب الجامعات؛ لاحتجاجهم على قانون يتعلق بالقبول الجامعي، بالإضافة إلى موظفي المستشفيات والمعلميين والمراقبين الجويين؛ لاحتجاجهم على إلغاء 120 ألف وظيفة وتجميد المكافآت، إلى جانب اعتراض الموظفين في القطاع العام على تغيير أنظمة التقاعد التي تبلغ أكثر من 40 نظامًا، ويريد ماكرون جمعها في قانون واحد يشمل جميع العاملين في فرنسا. خطط ماكرون الإصلاحية يسعى الرئيس ماكرون، منذ توليه السلطة، لتطبيق إصلاحات تتعلق بقوانين العمل والتقاعد، وأول الإصلاحات التي قام بها قانون العمل، الذي كان أحد الوعود الانتخابية للرئيس الفرنسي، والذي أكد أنه يهدف من تعديله إلى خفض نسبة البطالة في فرنسا من 10% إلى 7 % في نهاية ولايته عام 2022، وإضفاء مرونة أكبر على عمل الشركات؛ لتحقيق فرص عمل أكثر. وأهم ما يتضمنه هذا الإصلاح هو وضع سقف لقيمة بدل العطالة عن العمل وقيمة التعويضات جراء الفصل التعسفي، والسماح لمجموعات الشركات التي لا يعتبر نشاطها مربحًا في فرنسا بتسريح الموظفين، بالإضافة إلى ابتكار عقود عمل جديدة، تتيح الفصل في نهاية مهمة محددة، بمعنى أن تكون عقود عمل مؤقتة. وتعتبر الحكومة أن هذا الإصلاح يهدف إلى تحرير سوق العمل وجعله أكثر مرونة، لكن النقابات العمالية قالت إنه يهدف إلى إرضاء أرباب العمل؛ لأنه يترك لهم هامشًا أكبر من الحرية في التعامل مع موظفيهم وضياع حقوقهم. كما أن قطاع السكك الحديدية كانت له خطط إصلاحية خاصة به، حيث تريد الحكومة تحويله إلى شركة مساهمة، عبر مشروع قانون جديد خاص بالسكك الحديدية، وصوت مجلس النواب الثلاثاء الماضي بالإجماع لصالح مشروع قانون من أجل اصلاح السكك الحديد بتأييد 454 نائبًا ومعارضة 80 آخرين، حيث سيتم إلغاء التوظيف مدى الحياة وضمانات التقاعد المبكر؛ من أجل توظيف عاملين جدد اعتبارًا من يناير 2020. ماكرون يتمسك بموقفه الإصلاحي أعرب الرئيس ماكرون عن مضيه قدمًا في الإصلاحات التي يعتزم تنفيذها خلال ولايته، مشددًا على عدم التراجع أمام المظاهرات الشعبية المتواصلة والإضرابات المتكررة مهما بلغت حدتها وقوتها، وقال: إنهم في الشارع لأنهم لا يريدون أي تغيير. ووضح أنه إذا رضخ أمام التظاهرات الحالية ورجع عن التعديلات والإصلاحات، لن تتمكن الحكومة وقتها من القيام بأي شيء، كما دافع عن بعض التعديلات الأخرى التي لا تلقى تأييدًا، مثل زيادة الضرائب على المتقاعدين وتخفيض السرعة القصوى على الطرق الرئيسية؛ للحد من حوادث الطرق، وقال: إذا تنازلت حول السرعة القصوى أو أمام عمال السكك الحديد، فستكون هذه النهاية، ولن يعود عندها بوسعنا الثبات أو القيام بأي شيء. وقال ماكرون: يمكن أن نكون على خلاف، لكن علينا احترام بعضنا بعضًا. وطلب مجددًا من العمال المضربين وقف تحركهم، الذي بدأ في مطلع الشهر الحالي، وسيستمر حتى أواخر يونيو القادم. ويرى محللون أن مواجهة ماكرون مع موظفي القطاع العام ستؤدي إلى خفض شعبيته، وأن تمسكه بتنفيذ إصلاحاته سيدفع نحو مزيد من المواجهات بين الحكومة والعمال، الذين سيعملون على تنظيم أنفسهم وشل الدولة في أهم القطاعات الحيوية؛ لإجبار ماكرون على التراجع أو تعديل عدد من هذه الإصلاحات.