أنشطة المهرجان انطلقت 2007.. وأول فاعلية بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية 2009 هدف «الموسيقى المعاصرة» التنمية الثقافية وتمثيل مصر في الفاعليات العالمية لا نعتمد على رعاة.. وتعاونا مع 65 مؤسسة في العالم برنامج ثري لمؤلفات الآلات الشرقية المصرية الأوروبية في الدورة الجديدة يمكن للدورة السادسة الاستفادة من تجربة برلين العالمية نحتاج إلى رؤية ثقافية للفن والموسيقى المصرية ثورة يناير ألقت الضوء على المشهد الموسيقى الضعيف تقصير الدولة دفعالفرق الشبابية إلى المؤسسات الأجنبية "مهرجان القاهرة للموسيقى المعاصرة".. إحدى الفاعليات الثقافية المهمة التي تضع مصر على الخريطة العالمية، ورغم الجهود الفردية للقائمين عليه، إلا أنهم نجحوا خلال 6 دورات، في تحريك المياه الراكدة، والإسهام بقدر جيد في وضع اسم مصر بالمحافل الدولية، لكن قطاعا كبيرا لا يعرف أن المهرجان يقام في الفترة من 14 حتى 29 أبريل. وعن المهرجان وهدفه وأزمات المشهد الموسيقى المصري وغياب الرؤية الثقافية، التقت "البديل" بالعازف ومؤسس المهرجان شريف الرزاز، وإلى نص الحوار.. قبل الحديث عن تفاصيل الدورة السادسة لمهرجان القاهرة للموسيقى المعاصرة.. كيف جاءت فكرته؟ يعد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يتعامل مع الموسيقى المعاصرة، ويعتبر تطورا للموسيقى الكلاسيكية الأوروبية المعروفة للجميع؛ مثل بيتهوفن وباخ وموتسارت وآخرين، والفكرة انطلقت في ذهني كعازف محترف في ألمانيا وتعلمت على أيدي موسيقيين كبار، واتجهت لمجال الموسيقى المعاصرة من خلال العمل في مجاميع أوروبية محترفة، وسافرنا دولا كثيرة، وكان طموحي أن يكون هناك محطة مماثلة في مصر، وبالفعل انطلقت الأنشطة المتفرقة منذ 2007، من خلال التعاون آنذاك مع الدكتور عبد المنعم كامل، رئيس دار الأوبرا، ثم نظمنا أول فاعلية كبيرة بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية عام 2009 وكانت بمثابة أول "بينالي للموسيقى المعاصرة "بالشرق الأوسط. ما الذي حفزك لتأسيس مهرجان لنوع موسيقى غير معروف بمصر؟ لم يكن لدي الخبرة آنذاك في السياسات الموسيقية، كنت عازفا ولدي قناعة فقط بأن الموسيقى المعاصرة ستؤدي إلى فكر فني جديد بمصر، خاصة أن آخر عهد مبارك شهد حالة ركود ثقافي، وبعد نجاح البينالي، جاءت الخطوة الثانية تأسيس الجمعية الأوروبية المصرية للموسيقى المعاصرة، ثم أسسنا مع الجامعة الأمريكية "المجموعة المصرية للموسيقى المعاصرة عام 2010″، وكان التخطيط بأن عام 2011 انطلاق البينالي الثاني وأول نسخة لمهرجان أيام القاهرة للموسيقى المعاصرة، ورغم الثورة نجحت الدورة الأولى، فكان العزف الموسيقى داخل قاعة إيورات بالجامعة الامريكية وبالخارج 25 ألف متظاهر. وما رسالة المهرجان؟ هدفنا التنمية الثقافية وليس إقامة المهرجان في حد ذاته، الذي يعد فاعلية ضمن فاعليات كثيرة، لكن هدفنا وجود اسم مصر في الفاعليات العالمية، حيث نجحنا في الاشتراك بالمهرجان العالمي للموسيقى المعاصرة، كما أن الاهتمام بتطوير برنامج تأليف للموسيقيين المصريين ترتب عنه دعم 35 مؤلفة موسيقية معاصرة مكتوبة منذ 2011، كما أصبحنا أعضاء فيISCM international society of contemporary musicالمسؤولة عن أيام الموسيقى المعاصرة العالمية، وتقام سنويا في بلد مختلف، وأتيحت لنا فرصة التعاون مع كثير من المهرجانات الدولية والاستعانة بخبرتنا في الكتابة عن وضع الموسيقى المعاصرة بالشرق الأوسط. ما الجهات التي تدعم مهرجان القاهرة للموسيقى المعاصرة؟ لا نعتمد على رعاة، كل تعاملنا مع المؤسسات الثقافية المتخصصة في الموسيقى الدولية؛ مثل المركز الثقافي الفرنسي، ومعهد جوته، والمركز الثقافي البريطاني، ونجحنا في التعاون مع 65 مؤسسة في العالم من شرق آسيا إلى أوروبا. ما الجديد الذي تقدمه الدورة السادسة للمهرجان؟ تعتبر من أنضج الدورات، ورغم أن برلين ضيف الشرف، إلا أن المهرجان يضم برنامجا ثريا لمؤلفات الآلات الشرقية المصرية الأوروبية، التي تطورت من خلال مؤتمر نظمناه عام 2016 تحت عنوان "التراث والحداثة"، بالتعاون مع وزارة الثقافة؛ تم فيه محاكاة مؤتمر مهرجان الموسيقى العربية عام 1932، حيث اكتشفنا أثناء البحث أنه أهم حدث مصري على الساحة الموسيقية العالمية، ومازال الموسيقيون حتى الآن يعملون على نتائجه. كما يضم برنامج الدورة مشروع "صوتي . صوتك . صوتنا"؛ لنعكس التنوع في المجال الموسيقى المصري حاليا، والتفاعل بين مؤلفين مصريين وألمان، وستكون ضيفة الشرف الفنانة الفلسطينية العالمية كاميليا جبران، ويمكن للمهرجان الاستفادة من تجربة برلين التي نجحت أن تصبح عاصمة جاذبة للمؤلفين الموسيقيين من كل العالم، وكيفية تدعيمها للموسيقى، واستفادة القاهرة من التجربة لتنظيم ما يسمى بينالي الشباب القاهري يحتذى به في كل محافظات الجمهورية، بدلا من الاعتماد المستمر على وزارة الثقافة، وخلق توأمة ثقافية فنية بين مصر وبرلين. حدثنا عن مشروع "صوتي . صوتك . صوتنا" وما الذي يصبو إليه؟ المشروع ينطلق من التأثر بحالة الحروب والدمار التي يشهدها العالم من إرهاب، والفكرة تدور حول كيفية اختزال كل الصخب، الذي لا يرحم الإنسانية، في إيماءات صوتية معبرة، مدعمة بفنون الفيديو آرت والموسيقى الإلكترونيك، وكان اختيار كاميليا جبران ليست كمغنية فلسطينية، لكنها على دراية كبيرة بالموسيقى في الشرق الأوسط، ويساهم هذا التعاون في تبادل الأفكار ويطور الخطط المستقبلية. ماذا يقدم برنامج "كلام في الموسيقى" من فعاليات وورش عمل؟ امتدادا لاهتمامنا بتقديم كل ما يخص السوق والحقل الموسيقى الإبداعي المعاصر للمستمع المصري، فالمهرجان يستضيف كبار المؤلفين الموسيقيين منذ 2011 مثل شتوك هاوزن، وجون كيدج، مؤسسي الحركة الموسيقية العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، وعندما ألقوا محاضرات على هامش المهرجان مدتها نصف ساعة، حققت نجاحا كبيرا وشاهدها الآلاف، لذا قررنا نستثمرها في الدورة الحالية، وسوف تقدم هذه المحاضرات تحت عنوان "كلام في الموسيقى" في أماكن مختلفة مثل قصر عائشة فهمي، وجاليري المشربية للفنون المعاصرة، وآرت توك بالزمالك، ومعهد الكونسرفاتوار، والجامعة الألمانية، والأمريكية، ونحاول تشجيع معهد الكونسرفاتوار بأن يضع الموسيقى المعاصرة في مناهجه الدراسية. هل نجحت الموسيقى المعاصرة بمصر في إيجاد مكانة لها بين الدول الأوروبية؟ لم تنجح، لاسيما أن مصر لا تمتلك برامج تنموية وتكنيكية لهذا النوع من الموسيقى؛ فلا يوجد استديو واحد للموسيقى الإلكترونية بالعالم العربي، وحلقة الوصل الوحيدة بين مصر والعالم الخارجي مهرجان القاهرة للموسيقى المعاصرة، والمجموعة المصرية للموسيقى المعاصرة التي تشارك بمهرجانات عالمية كبيرة في أوروبا، بل نلمس اهتماما حقيقيا بأعمال مؤتمر التراث والحداثة، ومشروع صوتي صوتك، وهو شيء إيجابي لسمعة مصر الموسيقية، لكن للأسف، المسؤولين لا يفعلون شيئا للوصول إلى النجاح؛ فالأوبرا ومكتبة الإسكندرية أصبحتا تبحثان عن الربح في تأجير المسارح، وهو حق مشروع لها، لكن من يدعم الأجيال القادمة. يبدو أن مصر متأخرة للغاية.. كيف ترى المشهد؟ أشعر بالحزن أن الدولة لا تعرف شيئا عن عضوية الجمعية الدولية للموسيقى المعاصرة، ونحن من دفع اشتراكها السنوي، لماذا لا تغتنم الدولة فرصة مخاطبة المجتمع الدولي وأن تلعب مؤسسات كالجامعة العربية والاتحاد الإفريقي في تحقيق تعاون ثقافي عربي دولي؟ نأمل مع وزيرة الثقافة الجديدة الدكتورة إيناس عبد الدايم، أن تؤدي الدولة دورها؛ بإرثاء قواعد جديدة في التقدم وإنعاش المشهد الموسيقى ليس فقط مؤتمرات وفاعليات تحت رعاية أو افتتاح أشخاص فقط، لكن نحتاج إلى رؤية ثقافية للفن والموسيقى المصرية. هل تعتقد أن ثورة يناير لعبت دورا إيجابيا في الترويج وإنعاش المشهد الموسيقى المستقل والفني بصفة عامة؟ الثورة لم تلعب دورا بقدر ما ألقت الضوء على المشهد الموسيقى المستقل الذي كان ضعيفا جدا، فبدون التقدم التكنولوجي الذي شهده عالم الموسيقى في آخر 10 سنوات، لم يكن يتقدم المشهد الموسيقى المستقل، ومن ثم ساهم التطور مع الثورة في دفع المشهد، وظهرت فنون كثيرة مستقلة على مستوى المسرح، الأدب، السينما، ورأيي أن ربط الثورة بنجاح الفرق الموسيقية المستقلة سببه المؤسسات الثقافية الأوربية مثل (المركز الثقافي الفرنسي، البريطاني وجوته) التي دعمت الفرق، ورغبة هذه المؤسسات في تصدير مشهد الموسيقى بمصر على نحو الفرق المستقلة، وكانت دائما تروج أنهم "الموسيقيون المصريون اللي جايين يعبروا عن الثورة"، وتم تقديمهم في أوروبا كهذا. هل يعتمد مهرجان القاهرة للموسيقى المعاصرة على الترويج نفسه؟ نرفضه تماما، لا نضع فرقا موسيقية في إطار اجتماعي أو سياسي، حتى عندما نعزف بالخارج في كبرى المهرجانات الدولية، نذهب كفنانين نقدم فنا مختلفا فقط، تظهر من خلالها مصر بصورة البلد المؤمنة بالتعاون الموسيقى والثقافي الدولي، نعزف مؤلفات موسيقية مثلا تم تطويرها في مصر بالتعاون مع موسيقيين عالميين هولنديين. ألا ترى أن غياب الدولة دفع الفرق الشبابية للمؤسسات الأجنبية؟ بلا شك، الدولة مقصرة، وكان يجب أن تتبنى القطاع الفني والموسيقى المستقل، وانشغلت بأمور كثيرة بعيدا عن دعم الشباب، لكن هناك فرصا لا تعود، والدولة مازالت متقوقعة داخل نفسها، وتدفع مرتبات زهيدة للإنفاق على الفن الرسمي فقط، مثل أوبرا عايدة والأوركسترا وغيرها، هذا لا يمثل رؤية ثقافية، هناك ألوان موسيقية حديثة الدولة لا تعرف عنها شيئا، لكن حتى الأوركسترا القاهرة السيمفوني، تعاني غياب التطوير، ويسافر العازفون المصريون إلى الدول العربية لتحسين معيشتهم، بل يلجأ طلبة المعهد العالي للكونسرفاتوار للعمل في الموسيقات العسكرية بدولة كالبحرين. هل نفهم أن مهرجان القاهرة للموسيقى المعاصرة لا يلقى أي دعم من وزارة الثقافة؟ بالعكس لنا شراكة نعتز بها مع قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة منذ 2011، ورغم تأخر الإجراءات والروتين إلا أن القطاع مهتم جدا بما نقدمه، وأثناء سفرنا إلى فرنسا وهولندا، اتصل القطاع بسفاراتنا المصرية هناك لتقديم كل الدعم لنا، وفى رأيي أن نجاح التعاون بين المهرجان والقطاع ومسرح الجامعة الأمريكية يعود لأن ثلاثتنا أصحاب رسالة ثقافية واحدة، لا نبيع تذاكر مثلا، لكن نحتاج من الدولة اهتمام بالفن المعاصر، فليس هناك ما يُمثل مصر المعاصرة في الخارج، كل ما نفعله جهود شخصية بدأت منذ 12 سنة، ونجحنا كمجموعة عمل خلق مشروع عالمي للموسيقى المعاصرة المصرية، ويجب أن تكون الدولة حاضرة وبشكل مؤسسي.