"الدرس انتهى لِمّوا الكراريس.. بالدم اللي على ورقهم سال.. إيه رأيك في البُقع الحمرا.. يا ضمير العالم يا عزيزي.. دي لِطفلة مصرية سمرا.. كانت من أشهر تلاميذي".. هكذا كتب صلاح جاهين، وأبكى العالم على أطفال أبرياء تم قتلهم بصواريخ الفانتوم في يوم قاس لن يُمحى من ذاكرة البشرية. لم يكن يوم 8 أبريل عام 1970 يوما عاديا، إذ لم يحظ تلاميذ مدرسة بحر البقر بمركز الحسينية في محافظة الشرقية، بصباح مشرق هادئ ليتلقوا فيه دروسهم المدرسية، ولكن كان يوما داميا مروعا إثر هجوم شنته القوات الجوية الإسرائيلية، حيث قصفت طائرات من طراز فانتوم المدرسة، في جريمة وحشية أدت إلى مقتل 30 طفلا وإصابة 50 آخرين وتدمير مبنى المدرسة تماما. وقعت الجريمة بينما كانت الجبهة في سيناء مشتعلة، وحرب الاستنزاف تكبد العدو خسائر أقضت مضجعه وأثارت جنونه، وكانت الخسائر على مستوى التسليح والبشر، حيث سقطت طائرات إسرائيلية بالغة الحداثة في هذا الوقت، فضلا عن الخسائر البشرية التي قال عنها الفريق الراحل سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة خلال حرب 1973 إنها كانت الخسارة الأكبر لإسرائيل التي لا تتحمل أن تبقى في حالة طوارئ طوال الوقت، لأن الثروة البشرية لديها شحيحة جدًا. أدت نتائج هذه الغارات الأليمة إلى تغيير جذري في خطط إسرائيل لمجابهة الاستنزاف المصري، والتصعيد بالاستنزاف المضاد إلى مرحلة أكثر شمولا بإدخال الطيران الإسرائيلي، ذراع إسرائيل الطويلة في المعركة، وعمدت القوات الإسرائيلية إلى شن هجمات في العمق المصري لتخفيف الضغط وإضعاف الروح المعنوية دون مراعاة سقوط الكثير من الضحايا من صفوف المدنيين، حيث شنت هجمات كان أبشعها قصف مدرسة بحر البقر بطائرات الفانتوم . مصر تندد بالهجوم وترفض مبادرة روجرز نددت مصر بالهجوم رسميا، ووصفته بأنه هجوم متعمد غير إنساني بهدف إخضاع مصر وإجبارها علي وقف الهجمات التي تشنها خلال حرب الاستنزاف والموافقة على مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار. وقام حسن الزيات، مندوب الجمهورية العربية المتحدة في الأممالمتحدة آنذاك بإرسال مذكرة رسمية إلى رالف باتش، مساعد السكرتير العام للأمم المتحدة لإبلاغه باحتجاج مصر الرسمي ومطالبته باجتماع عاجل للدول الأعضاء. وقام أطفال مدرسة بحر البقر الذين لم يصابوا في الهجوم بإرسال رسالة إلى بات نيكسون، زوجة الرئيس الأمريكي وقتها نيكسون، وسألوها:"هل تقبلين أن تقتل طائرات الفانتوم أطفال أمريكا؟! أنتِ الأم لجولى وتريشيا والجدة لأحفاد.. فهل نستطيع أن نذكر لكِ ما فعله زوجك مستر نيكسون؟. ادعاءات إسرائيلية وكعادة الكيان الصهيوني برر جريمته الوحشية بتصريحات وهمية مثلما يحدث الآن مع أشقائنا في فلسطينالمحتلة، وبعد وقوع الحادث مباشرة وبالتحديد في الساعة الثالثة من مساء ذات اليوم، صرح المتحدث العسكري من تل أبيب، بأنهم يحققون في الأمر، ثم أعقبه بتصريح آخر بعد ساعة حين قال: "إن الطائرات الإسرائيلية لم تضرب سوى أهداف عسكرية في غارتها على الأراضي المصرية". وعقب الحادث صرح مجرم الحرب موشى ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها لراديو إسرائيل قائلا: "المدرسة التي ضربتها طائرات الفانتوم هدف عسكري"، وادعى أن المدرسة كانت قاعدة عسكرية وأن المصريين يضعون الأطفال فيها للتمويه". استمر الكيان المحتل في ادعاءاته الفاجرة ووجه يوسف تكواه، مندوب إسرائيل في الأممالمتحدة آنذاك رسالة للمنظمة الدولية، كتب فيها: "تلاميذ المدرسة الابتدائية كانوا يرتدون الزي الكاكي، وكانوا يتلقون التدريب العسكري"، وقال راديو إسرائيل عن الضحايا "إنهم كانوا أعضاء في منظمة تخريبية عسكرية". موقف باهت كان تعليق الخارجية الأمريكية بأنها "أنباء مفزعة"، مضيفة أن هذه الحادثة الأليمة تعتبر "عاقبة محزنة يؤسف لها، وذلك لعدم الالتزام بقرارات مجلس الأمن الخاصة بوقف إطلاق النار"، ولم يصدر بيان رسمي من الأممالمتحدة عن الحادث واكتفت بوصف الخارجية الأمريكية بأن "الأمر كله متعلق بانتهاك وقف إطلاق النار". وفي أوروبا، أعلنت الحكومة البريطانية عن "أسفها الشديد للحادث"، وأعرب الفاتيكان عن حزنه على الأطفال الأبرياء. 2013 أسر الضحايا تقاضي إسرائيل وبعد مرور 43 عاما على الحادث وفي أكتوبر 2013 قام العديد من ضحايا الحادث برفع دعوى قضائية مطالبين إسرائيل بتعويض أسر شهداء ومصابي المجزرة ماديا ومعنويا بما لا يقل عن التعويضات التي حصلت عليها إسرائيل عما يسمى بالهولوكست من ألمانيا. وأكدت الدعوى أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وضد السلام تخضع لقوانين ثابتة، وتم بموجبها إنشاء محكمة جرائم الحرب الدولية، وأن حق الضحايا أيضا لا يسقط بالتقادم طبقا للأصول والتعويضات التي استقر عليها المجتمع الدولي، فقد حصلت إسرائيل على مليارات الدولارات من ألمانيا مقابل ما أصابها مما تسمى بالجرائم ضد الإنسانية، والمعروفة باسم تعويضات الهولوكوست، وأن ضحايا حادث مدرسة بحر البقر لهم الحق نفسه في الحصول على تعويضات تعادل التعويضات نفسها.