يبدو أن الأزمة الروسية البريطانية تسير باتجاه المزيد من التصعيد والتدهور، على خلفية تسميم العميل المزدوج السابق في بريطانيا، سيرجي سكريبال، فلندن لا تزال تتخذ المزيد من الخطوات الاستفزازية تجاه موسكو، فيما بدأت الأخيرة تتخذ خطوات موجعة للرد على الحرب السياسية المتعمدة والمدبرة التي أشعلتها لندن، الأمر الذي يشير إلى أن الأيام القادمة ستحمل المزيد من الإجراءات التصعيدية، وبالتالي المزيد من التدهور في العلاقات بين الطرفين. تصعيد دبلوماسي جديد أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أمس السبت، أن على بريطانيا أن تسحب أكثر من 50 فردًا من موظفيها الدبلوماسيين في روسيا، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، ماريا زاخاروفا، إن "روسيا اقترحت المساواة"، موضحة: الفرق في عدد الدبلوماسيين بين البلدين يزيد على 50 موظفًا، لذلك تطالب روسيا بضرورة تقليص الزائدين من البريطانيين. على جانب آخر، أوصت السفارة الروسية لدى لندن، رعاياها الروس بعدم السفر إلى بريطانيا، تحسبًا للاعتقال أو التوقيف، وقالت السفارة الروسية، اليوم الأحد: نوصي المواطنين الروس الذين لديهم شكوك بشأن غياب أسئلة أو مطالبات تجاههم من جانب السلطات البريطانية، بالإضافة إلى دول أخرى مثل، الولاياتالمتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا ودول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، نوصيهم بتقييم مدى ضرورة السفر إلى بريطانيا لتجنب الاستفزازات المتواصلة وخطر الاحتجاز أو الاعتقال، بناء على طلب من الهيئات الأمنية البريطانية أو الغربية. وأضافت السفارة الروسية في لندن أنه "في سياق الحملة المناهضة لروسيا في المملكة المتحدة، والمؤدية لزيادة المشاعر المعادية لروسيا، نحث رعايانا على عدم زيارة المملكة المتحدة، وتوخي المزيد من الحذر، والالتزام الصارم بقوانين البلد المضيف في حال وجود ضرورة للزيارة"، مشيرة إلى أنه "بالنظر إلى فوبيا الخوف من روسيا المزروعة بشكل مصطنع في المجتمع البريطاني، فمن الضروري تجنب حالات الخلاف مع السكان المحليين". يأتي هذا التصعيد الدبلوماسي الجديد في إطار التعهد الروسي بالرد على الحرب السياسية التي أشعلتها بريطانيا في مواجهة موسكو، حيث سبق أن طردت الأخيرة 23 دبلوماسيًا بريطانيًا، وأغلقت القنصلية البريطانية في سان بطرسبورغ، وأوقفت نشاطات المجلس الثقافي البريطاني، وذلك ردًا على خطوات مماثلة بادرت بها لندن في بداية الأزمة بطرد 23 دبلوماسيًا روسيًا. بريطانيا.. مزيد من الاستفزاز آخر فصول الاستفزاز البريطاني المتعمد لروسيا تمثل في تفتيش سلطات مطار هيثرو بلندن، الجمعة الماضية، طائرة ركاب روسية تابعة لشركة "إيروفلوت"، وهو الإجراء الذي صبت به بريطانيا الزيت على نار الأزمة التي قاربت على إنهاء شهرها الأول، وبررت السلطات البريطانية هذا الإجراء بأنه "مجرد إجراء روتينى لحماية أمنها"، فيما أعلنت وزارة النقل الروسية، أن موسكو تنتظر توضيحًا رسميًا من بريطانيا حول خضوع طائرة ركاب قادمة من موسكو للتفتيش فى المطار، وقالت الوزارة فى بيان صادر عنها: إذا لم يكن هناك تفسير فسيعتبر الجانب الروسي الإجراءات حيال طائرتنا غير قانونية، وسيحتفظ بالحق في اتخاذ إجراء مماثل ضد شركات الطيران البريطانية. على جانب آخر، أظهرت المؤشرات أن القادة والمسؤولين البريطانيين بصدد تصعيد لهجتهم ضد روسيا، وهو ما ظهر في تصريحات أطلقها وزير الدفاع البريطاني، جافين ويليامسون، اليوم الأحد، إذ اعتبر أنه ينبغي على حكومة بلاده أخذ الإجراءات التي من شأنها تعزيز القدرات الدفاعية، لمواجهة ما وصفه ب"التهديد الروسي المتنامي"، وقال الوزير: بوتين يستخدم إمكانيات هجينة متنامية لتنفيذ أعمال تدميرية لبسط نفوذه في الدول حول العالم، مضيفًا "للدفاع عن بريطانيا العظمى، من المهم للغاية الاستمرار في تنمية دفاعاتنا لمواجهة هذه التهديدات، وضمان أمن بلادنا والدفاع عن الحريات التي وصلنا إليها بصعوبة وللمحافظه على نهج حياتنا اليومي". تدويل الأزمة في الوقت الذي بذلت فيه بريطانيا قصارى جهودها لحشد القوى الدولية الأوروبية والغربية وتوريطها في حرب سياسية باردة ضد روسيا، وهو ما نجحت فيه مؤخرًا بعد أن اتخذت ما يقرب من 21 دولة قرار طرد دبلوماسيين روس من أراضيها، جاء الدور على روسيا التي اختارت ألا تبذل أي جهود دبلوماسية لتوريط حلفائها على غرار بريطانيا، بل اكتفت بإظهار حقيقة الادعاء البريطاني للعالم، ونشرت وزارة الخارجية الروسية، الأسئلة التي وردت في المذكرة التي سلمتها السفارة الروسية في لندن، إلى الخارجية البريطانية، والمتعلقة بقضية "سكريبال"، وهي المذكرة التي أظهرت أن لندن وجهت اتهامات جزافية لموسكو لم تكن مبنية على أي حقائق. وقالت الخارجية الروسية إن "السفارة الروسية في بريطانيا، سلمت في 31 مارس الماضي، مذكرة تتعلق بقضية سكريبال المفبركة ضد روسيا، تحتوي على قائمة من 14 سؤالًا"، في المقام الأول، طلبت الخارجية الروسية، من نظيرتها البريطانية، توضيح السبب الذي تحرم روسيا لأجله، من حق وصول القنصل إلى اثنين من مواطنيه المصابين على الأراضي البريطانية، سيرجي سكريبال، وابنته، وكذلك توضيح الدواء المضاد "الترياق" الذي عولج به هذان المصابان، والطريقة التي حصل الأطباء البريطانيون بها على هذا الترياق. كما طالب الجانب الروسي من الخارجية البريطانية، بيان على أي أساس تم إثبات الأصل الروسي المزعوم للمادة المستخدمة في تسميم العميل وابنته في مدينة سالزبوري، وهل لدى لندن عينات معيارية للمواد السامة الحربية، التي يسميها الجانب البريطاني ب"نوفيتشوك"، كي يتم تحليلها والتأكد مما إذا كانت قد استخدمت بالفعل، بالإضافة إلى ذلك، طرحت روسيا سؤالًا عما إذا كانت هناك عينات للمادة الحربية السامة من نوع "نوفيتشوك" أو نظائرها في المملكة المتحدة، إذ يبدو أن البريطانيين لديهم ترياق، وتمكنوا من تحديد نوع المادة، وذلك بمقارنة عينات المادة التي يزعم أنها استخدمت مع تلك الموجودة لدى لندن بالفعل. كما شملت المذكرة الروسية أيضًا أسئلة حول مشاركة فرنسا في التحقيق، وعلى أي أساس تم إشراكها في الجانب التقني من التحقيق في الحادث الذي أصيب فيه مواطنون روس، في الوقت الذي تُمنع روسيا من المشاركة في التحقيق ذاته؟، وطلب الاتحاد الروسي من بريطانيا، الإجابة على الأسئلة المتعلقة بعلاقة فرنسا بالحادثة التي حصلت مع مواطنين روسيين على الأراضي البريطانية، وما هي قواعد التشريع الإجرائي للمملكة المتحدة التي تسمح لدولة أجنبية بالتدخل في تحقيق داخلي، وتساءلت الخارجية الروسية في مذكرتها، عما إذا كانت بريطانيا أبلغت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، عن إشراك فرنسا في التحقيق في الحادث، وما إذا كانت نتائج التحقيق الفرنسي قدمت إلى أمانة المنظمة التقنية. وطلب الجانب الروسي أيضًا خلال المذكرة، معلومات عن مواد القضية التي شاركت لندنباريس في التحقيق فيها، وكذلك معلومات عن إجراء باريس تحقيقا خاصا بها في القضية، وما إذا كان لدى المملكة المتحدة بيانات التحقيق الفرنسي، وما إذا كان الخبراء الفرنسيون حاضرين عندما أخذت العينات البيولوجية من سيرجي ويوليا سكريبال، وأخيرًا، هل أجرى الخبراء الفرنسيون أبحاثًا على هذه المواد الحيوية وفي أي مختبرات حدث ذلك؟.