لعب تصنيع الآثار المقلدة على مدار عقود طويلة دورًا كبيرًا في تهريب الآثار المصرية الأصلية، وفقدان الدولة عشرات الآلاف من القطع القيمة، ورغم استمرار الكارثة لفترات طويلة إلا أن الأمر لم ينكشف إلا بعد فوات الأوان، خاصة في الأعوام الثلاثة الأخيرة. وشهدت مهنة تصنيع الآثار المقلدة رواجًا في السنوات الماضية، وفي ظل عدم جرد المخازن الخاصة بوزارة الآثار بشكل دوري ولسنوات طويلة، وعدم وجود أنظمة مراقبة حقيقية لما يدور داخلها، وكذا عدم تدوين القطع الأثرية المضبوطة أولا بأول في دفاتر المخازن، تم سرقة العديد من القطع المهمة، واستبدال بعضها بقطع مزيفة ووضعها بدلًا منها في المخازن. قطع مزيفة وأخرى أصلية للتهريب الوقائع التي ظهرت مؤخرًا أكدت ما يدور حول أزمة الآثار المزيفة واختلاطها بالأصلية، تمهيدًا لعمليات البيع والتهريب أو حدوثهما بالفعل، ويتضح الأمر في الضبطيات التي يتم الإعلان عنها أسبوعيًا بمحافظة من المحافظات عن سقوط تشكيلات عصابية للإتجار بالآثار، ويتبين فيما بعد وجود كميات كبيرة من الآثار المزيفة لديهم ومن بينها قطع أخرى أصلية. ومن أشهر الوقائع، عندما ضبطت أجهزة الأمن في محافظة المنيا منذ شهرين تقريبًا 653 قطعة أثرية، بحوزة تشكيل عصابي مكوّن من 4 أشخاص، تخصص في الإتجار بالقطع الأثرية، بتونا الجبل، إحدى أكبر القرى الأثرية بالصعيد، حيث عُثر على 3 صناديق خشبية؛ عليها كتابات منسوبة إلى المجلس الأعلى للآثار، داخلها تمثال من الرخام لجسم آدمي، ورأس حيواني به نقوش فرعونية، وآخر من الرخام، ذهبي اللون على شكل آدمي يرتدي قناعا به نقوش فرعونية، وتمثال ثالث ذهبي اللون على شكل سيدة لها جناحين به نقوش فرعونية، و524 عملة معدنية، وعدة قطع أخرى. وكشف حينها مصدر ل"البديل"، عن وجود 18 : 20 قطعة أصلية فقط بين كل القطع، وباقي القطع مزيفة، وحاول المتهمون وضعهم مع بعض لتغفيل السلطات الأمنية والمتخصصين في حالة إلقاء القبض عليهم، والقول بأنها قطعا مزيفة للإتجار، إلا أن الحيلة باءت بالفشل. الآثار المقلدة تغزو مخازن الآثار الحكومية وكشفت أعمال لجان الجرد منذ عامين لأحد أكبر المخازن الأثرية بمصر (مخزن الأشمونين) بمركز ملوي وجود مخالفات جسيمة؛ أولها عدم الجرد منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث تبين أن المخزن الكبير الذي تم فحصه به نحو 28 ألف قطعة أثرية لمختلف العصور، وتبين أن هناك عددًا كبيرًا من القطع لم يتم تسجيلها في الدفاتر منذ عام 1968 وحتى الآن، غير أن نظيرتها التي سجلت دون اتباع المعايير الصحيحة من وصف وتشخيص وتصوير للقطع، الأمر الذي أثار حفيظة اللجنة المشكَّلة للجرد، التي بدأت أعمالها في 2011 وانتهت في أواخر 2016، برئاسة الدكتور يوسف خليفة، رئيس الإدارة المركزية لآثار وجه بحري سابقًا، وتم تحرير محضر انتهى إلى تشكيل اللجنة، والمطالبة بأن يتم الجرد بصورته الصحيحة. وبالفعل، بدأت الأعمال مرة أخرى بعد صدور قرار النيابة الإدارية رقم 3109 في أواخر 2012، وتضمن أن تتم أعمال الجرد بصورة صحيحة، وبدأت الأعمال بالفعل، وتم رصد العديد من المخالفات الكارثية؛ أبرزها وجود 617 قطعة مزيفة مسجلة بالدفاتر على أنها قطع أثرية، وما يزيد على 70 قطعة أخرى مفقودة، بالإضافة إلى عدم مطابقة السجلات للمعايير الصحيحة، وبناءً عليه، تم إغلاق ملف الجرد وتسليمه للنيابة الإدارية، التي أمرت بإغلاق المخازن لحين انتهاء التحقيقات، والكشف عن التلاعبات، في القضية رقم 775 لسنة 2014. وتفاقمت الأمور بعدما أعلن الدكتور أيمن عشماوي، رئيس قطاع الآثار المصرية بوزارة الآثار، في نهاية العام الماضي، فقد 32 ألفا و638 قطعة أثرية من مخازن الوزارة، وفقا لتقرير مرفوع من الإدارة المركزية للمخازن المتحفية إليه بهدف حصر القطع المفقودة للوقوف على قائمة بجميع النواقص والمفقودات على مدار عشرات السنوات السابقة، حتى يمكن تتبعها مع الإنتربول الدولي وغيرها من الجهات ذات الشأن لاستردادها. النائب نادر مصطفى، أمين سر لجنة الثقافة والآثار والإعلام بمجلس النواب، قال إن التفنن في سرقة وتهريب الآثار المصرية مستمر من قبل المهربين، وعلى الجميع الانتباه، وإن المطالبة بحماية الآثار من جانب البرلمانيين لم تنقطع خلال العامين الماضيين، من خلال الأدوات البرلمانية والرقابية، لحماية الآثار وجرد القطع الموجودة بالمخازن، مطالبا وزارة الآثار بضرورة إيضاح البيانات التي تصدر من حين لآخر، وإزالة اللبس نتيجة التصريحات المتضاربة لقطاعاتها، مع ضرورة توصيف القطع المختفية بدقة وتوضيح المسؤولية المباشرة عن البيانات الصادمة للرأي العام. وكان الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، قال عن تجارة الآثار واختلاط المزيفة منها بالحقيقية، إن الآثار المصرية كانت تباع رسمياً حتى عام 1983، وأي مواطن في ذلك الوقت يمتلك قطعا أثرية غير مسروقة كان يستطيع بيعها في الخارج، وأن رسائل الموبايل التي تروج لتجارة الآثار، وما يشاع على فيس بوك يقف ورائه مجموعة من المجهولين بهدف النصب، مضيفا أن تجارة الآثار تجارة عالمية ومن خلال الانتربول الدولي، تم استرجاع آلاف القطع المسروقة والمهربة، وهناك قطع أثرية خرجت من البلاد في فترة 2011 و2012 بكميات كبيرة، وكانت تباع في صالات العرض.