في إحدى مناطق القاهرة التي يفوح منها عطر التاريخ، ويشع منها إبداع فنون العمارة الإسلامية، ونتذكر معها روايات نجيب محفوظ وحكايات "سي السيد"، يقع "متحف النسيج المصري" بحي الجمالية، بالقرب من منطقة "بين القصرين"، ويعتبر المتحف الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وترتبيه الرابع عالميًّا. المتحف يقع في شارع المعز لدين الله الفاطمي، ويعتبر من أشهر الآثار الإسلامية. كان أصل المتحف سبيلاً لمحمد علي، أنشأه عام 1820م على روح ابنه إبراهيم باشا، الذي توفي في السودان، وكان الدور العلوي من السبيل عبارة عن مدرسة سُميت مدرسة النحاسين الأميرية. ويعد هذا السبيل أحد أجمل عناصر العمارة الإسلامية بالقاهرة التاريخية، وأحد أدق النماذج الفنية الجميلة، التي تذخر بها مصر، حيث يعبر عن حقبة تاريخية مهمة في تاريخها، كما يمثل أحد طرز المباني الإسلامية. قامت وزارة الآثار بإحياء وترميم السبيل وتحويله الى متحف النسيج المصري، الذي تم افتتاحه عام 2010 ، وبعده بشهور تم إغلاقه لبدء عمليات الترميم، بعد تسرب مياه جوفية إلى المبنى، إلى أن أعادت الوزارة افتتاحه في يوليو 2015 . ويضم المتحف حوالي 250 قطعة نسيج و15 سجادة، وتتمثل في كل ما يتعلق بصناعة النسيج، بدءًا من العصر الفرعوني، مرورًا بالعصر الروماني – اليوناني، والفن القبطي، بالإضافة إلى صناعة النسيج في العصور الإسلامية، بدءًا من العصر الأموي فالعباسي، مرورًا بالطولوني والفاطمي والأيوبي والمملوكي والعثماني، ثم عصر الدولة الحديثة، متمثلة في دولة محمد علي. يستعرض المتحف تطور صناعة النسيج في مصر عبر مختلف العصور؛ ليروي تاريخ مصر وحكاياتها على قطع المنسوجات المعروضة بين جدران المتحف. يضم المتحف في إحدى قاعاته "كسوة الكعبة"، والتي كانت تصنع في دار الكسوة بالخرنفش، ويضم المتحف جزءًا من الكسوة تم صنعه في عهد الملك فاروق الأول، هو درة تاج المتحف، عبارة عن قطعة رائعة من الكسوة "ستارة باب التوبة"، مستطيلة الشكل، عليها زخارف نباتية، وكتابات قرآنية مطرزة بخيوط فضية بأسلوب "السيرما". يحتوي المتحف على جزء خاص بالنسيج المستورد من عديد من دول العالم، مثل إيران "الطراز الإيراني الصفوي"، والعراق واليمن. كما يشمل المتحف مقتنيات خاصة بمناطق معينة، مثل الفيوم والبهنسا، وكانت تعتبر من أشهر المناطق لصناعة النسيج بمصر في العهدين الطولوني والأموي. وأضيفت للمتحف قطع جديدة من القرنة بالأقصر، منها تمثال أوشابتي يرتدي رداء بنصف كم، ويحيط بالوسط حزام ذو طيات يتدلى لأسفل، وتمثال للإله أوزير، وتمثال لامرأة ملفوفة بقطع النسيج من الكتان الخشن السادة، ترتدى رداء به خطوط سوداء، ومفرش من الحرير له كنار عريض على هيئة فستونات مشغولة بكتابات عربية غير مقروءة. يعرض المتحف عينات من النسيج المستخدم عبر العصور، مثل الكتان الذي كان يستخدم ابتداء من العصر الفرعوني، ويعتبر أكثر أنواع النسيج انتشارًا، حيث كان الفراعنة يمجدونه؛ لأنهم كانوا يعتبرونه من نباتات الجنة. اشتهرت مصر منذ أقدم عصورها بصناعة المنسوجات الكتانية في العصر الفرعوني، نظرًا لرقتها ونعومتها التي تقارب نعومة الحرير. فكانت المنسوجات والملابس ضمن الهدايا المتبادلة بين فراعنة مصر وملوك العالم القديم، وبرع القدماء في غزل ونسج وصباغة ألياف الكتان منذ عصورهم المبكرة، فعرفوا التراكيب النسيجية المختلفة من النسيج السادة والقبطي والنسيج الوبري، بالإضافة إلى تمكنهم من تطريز منسوجاتهم، وبخاصة الملكية منها، بالأساليب المختلفة من التطريز بشغل الأميرة والتطعيم بالأقمشة، واستخدام الخرز، وعجينة الزجاج الملونة، كذلك استخدام الحليات الذهبية. وضم المعرض عينات من نسيج القطن أيضًا، وكان يستخدم ابتداء من العصر الفرعوني، حيث وجد ضمن هدايا مقدمة للفرعون أحمس الثاني، والحرير، وأول من عرفه الصينيون، ثم انتقل عن طريق بلاد فارس بعد زواج أميرة صينية من أمير فارسي، والصوف، والمعروض منه في المتحف يرجع الى العصور الإسلامية. وفي المتحف يتم عرض المقتنيات بترتيب تاريخي، موزعة على 11 قاعة على طابقين، فهناك 3 قاعات خاصة بالنسيج الفرعوني (قاعة الحياة اليومية، قاعة التسبيل، والقاعة الجنائزية)، وهناك قاعة خاصة بأدوات صناعة النسيج، وقاعة للقطع القبطية والرومانية-اليونانية، وقاعة للعصر الإسلامي بمراحله المختلفة. بالإضافة الى ذلك يوجد ديوراما صناعة النسيج، وأيضًا توجد بالمتحف شاشات (touch screen)؛ لمساعدة الزائر على إضافة أي معلومة عن أي قطعة من المتحف وشرحها باللغتين العربية والإنجليزية، ويتم عرض جولة بانورامية بالمتحف عن صناعة النسيج وطرقه وصباغته والأماكن المشهورة بصناعة الغزل والنسيج.