يبدو أن تراكم الخبرات لدى الجيش السوري على مدى السنوات السبع الماضية، عمر الأزمة السورية، وممارسته اليومية للقتال على جميع أنواع الحروب والمعارك سواء كانت في الأودية أو الجبال أو المناطق المنبسطة، مكنته من التقدم السريع في الغوطة الشرقية؛ ففي أقل من شهر تمكن من التوغل في الغوطة التي تعد إحدى بوابات دمشق وتشكل منذ 2012 أكبر معقل للفصائل المسلحة. قبل بدء الحملة العسكرية على الغوطة، التي انطلقت في 18 فبراير الماضي، بلغت مساحة القطاع الواقع تحت سيطرة الميليشيات المسلحة 106 كيلو مترات، واليوم يسيطر الجيش السوري على مساحة 62 كيلو مترا، وتشكل قرابة 60% من مساحتها. وقالت وسائل إعلام سورية، بأن الجيش تمكن من تقسيم الجيب الذي تسيطر عليه القوات المعارضة في منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق، بعد عزله مدينتي دوما وحرستا، التي تسيطر عليهما جبهة النصرة المصنفة إرهابية، عن باقي أنحاء الغوطة، وأضافت أن الجيش السوري يحكم سيطرته وطوّق بالكامل مدينة دوما، الرئيسية في منطقة الغوطة الشرقية بعد تقدمه من بلدة مسرابا إلى بلدة مديرا، تقدم يقابله آخر من المنطقة المحيطة بمدينة حرستا وهو ما يشطر منطقة الغوطة الشرقية إلى قسمين، ليتحقق الهدف الرئيسي الذي أعلن عنه الجيش السوري منذ بدء عملياته العسكرية في الغوطة الشرقية. توسع الجيش السوري في جنوب الغوطة كان له تداعياته على الشطر الشمالي منها أيضًا، خاصة بعد سيطرته على بلدة افتريس، الأمر الذي سيضيق الخناق على المسلحين، وذكر مصدر ميداني من الغوطة، أن وحدات الجيش العاملة فى القطاع الأوسط من الغوطة سيطرت بشكل كامل على بلدة مديرا بعد معارك عنيفة مع التنظيمات الإرهابية، وواصلت تقدمها حيث التقت وحدات الجيش العاملة في محيط إدارة المركبات، لافتًا إلى أنه باجتثاث الإرهابيين من بلدة مديرا تكون وحدات الجيش قطعت بشكل كامل خطوط إمداد وتحرك التنظيمات الإرهابية بين الجزأين الشمالي والجنوبي من الغوطة، الأمر الذي من شأنه تسريع سقوط أوكار الإرهابيين واندحارهم. مصادر عسكرية للجيش السوري قالت، إنه تم العثور على مقرات للإرهابيين تحتوي على وثائق وأوراق تثبت علاقتهم مع دول أجنبية زودتهم بأحدث أجهزة الاتصال وخرائط للتحصين الهندسي، إضافة إلى أوراق عبارة عن أوامر إدارية تطلب من أهالي الغوطة وكل من يحمل السلاح الالتحاق بصفوف الإرهابيين ومنها أوامر لتجنيد الأطفال دون سن ال14 سنة وزجهم في الصفوف الأمامية، كما أكدت وكالات روسية، أن الجيش السوري عثر على ورشة عمل لمسلحين في الغوطة الشرقية تُستخدم في إنتاج أسلحة كيميائية. ومع كل تقدم للجيش السوري في الغوطة، تحاول جماعة جيش الإسلام، أحد أكبر فصيلين مسلحين في الغوطة الشرقية، نفي هذا التقدم، ويرى خبراء أن محاولات نفي جيش الإسلام المدعوم من السعودية، وفيلق الرحمن المدعوم من قطر لتقدمات الجيش السوري لن تصمد طويلًا، خاصة أن الجيش السوري استطاع بالفعل قضم مساحات كبيرة من الغوطة وبشكل يومي، الأمر الذي بدأ ينعكس على تحركات المسلحين في الغوطة والذين كانوا يرفضون الانسحاب بالمطلق في بداية العملية العسكرية للجيش السوري، وحتى الآن لا يزال فيلق الرحمن يرفض الانسحاب، لكن الأمر مازال مرهونًا لشروط روسية، حيث اشترط المركز الروسي للمصالحة في سوريا، على مسلحي "فيلق الرحمن" الانفصال عن تنظيم "فتح الشام"، المعروف كذلك ب"جبهة النصرة"، للسماح لهم بالانسحاب من الغوطة الشرقية لريف دمشق. وكان المركز الروسي أعلن إحرازه تقدما في المفاوضات الجارية مع عدة فصائل معارضة في الغوطة بخصوص إخراج المدنيين من المنطقة، مقابل السماح للمسلحين بالانسحاب مع عوائلهم، وقبل أيام، أعلن جيش الإسلام موافقته على بدء عملية انسحاب عناصر "جبهة النصرة" من منطقة الغوطة الشرقيةلدمشق إلى محافظة إدلب شمال سوريا، وفي وقت أعلن فيه المركز الروسي للمصالحة التابع لوزارة الدفاع الروسية، أن مسلحي الغوطة الشرقية بدأوا "مواجهة مفتوحة" فيما بينهم بعد مطالب انفصال "فيلق الرحمن" عن "جبهة النصرة" بهدف مناقشة إخراجهم من المنطقة، وفي غضون ذلك، أفاد التليفزيون السوري بوصول عدد من المسلحين مع عائلاتهم إلى معبر مخيم الوافدين في الغوطة الشرقية في طريقهم إلى ريف إدلب. وكانت لجان أهلية من الغوطة أجرت مفاوضات مع الجانب السوري انتهت بسلسلة من الشروط طرحتها الحكومة السورية على الأهالي؛ من بينها تسوية أوضاع الراغبين بالبقاء وعدم خروج المدنيين، وإلقاء السلاح للمكلفين بالتجنيد الإجباري مع ضمان عدم الملاحقة القانونية، وخروج الأهالي والشباب غير الراغبين في تسوية أوضاعهم إلى مناطق لم تحدد بعد. ويحاول مسلحو الغوطة تعويض خسائرهم؛ من خلال استهداف مدنيي دمشق البالغ عددهم 5 ملايين نسمة بالقذائف العشوائية، حيث لقى أربعة أشخاص مصرعهم وجرح آخرون إثر سقوط قذائف صاروخية أطلقها المسلحون على مدينة جرمانا الواقعة جنوب شرقي العاصمة، ويواصل المسلحون قصف الأحياء السكنية في دمشق، حيث استهدفت القذائف، وفقًا لمصادر سورية، أحياء القصاع والشاغور والقيمرية والعباسيين والدويلعة ودوار البيطرة وبرج الروس وبرزة ومنطقة الميسات، ما أسفر عن إصابة واستشهاد عدد من المواطنين، وأشار النشطاء إلى أن أربعة مواطنين على الأقل أصيبوا جراء سقوط ست قذائف على مخيم الوافدين ومحيطه، وهو ممر إنساني خاص بإخراج المدنيين من الغوطة الشرقية.