يحتفل العالم بيوم المرأة العالمي، ويملئ التاريخ الإسلامي بنماذج من السيدات اللاتي حققن نجاحات لا تنسى خلدها التاريخ حتى يومنا؛ مثل نسيبة بنت كعب، وكعيبة الأسلمية، وخولة بنت الأزور، ورابعة العدوية، وفاطمة الفهرية. نسيبة بنت كعب إحدى الصحابيات اللاتي شهدن الكثير من الغزوات مع الرسول، وتعد أول محامية في الإسلام، عندما ذهبت لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسألته لماذا تختص جميع آيات القرآن بالرجال ولا تذكر النساء فنزلت آية: "إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما"؛ للتأكيد على المساواة بين الرجل والمرأة. وضعتها صحيفة هافنجتون بوست الأمريكية، على رأس قائمة أكثر عشر نسوة مسلمات وجب معرفتهن جيدا، واحتلت مكانًا عليًا في مقام الصبر؛ فقد قُتل ابنها حبيب فاحتسبته صابرة عند الله، بعدما أرسله النبي إلى مسيلمة الكذاب، الذي أدعى النبوة في قومه بني حنيفة في اليمامة، فكان يسأله مسيلمة أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال حبيب: نعم، وإذا سأله: تشهد أني رسول الله؟ قال: أنا لا أسمع، ففعل ذلك مرارًا، فقطّعه مسيلمة عضوًا عضوًا، ومات شهيدًا. وعندما قرر الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الخروج لقتال مسيلمة الكذاب، طلبت منه الخروج مع الجيش، فأذن لها بعدما أوصى بها خالد بن الوليد، وكان عمرها وقتها يتجاوز الستين، لكن لم تضعف عزيمتها، وجُرحت حينئذ أحد عشر جرحًا، وقُطعت يدها، فلم تكترث لما أصابها، وعندما قتل ابنها عبدالله مسيلمةَ الكذاب سجدت لله شكرًا أن خلّصهم من كفره وكذبه، وعلى انتهاء الفتنة العظيمة. كعيبة الأسلمية أول من مارست مهنة التمريض في الإسلام، كانت تعشق مهنة التطبيب والمداواة، وتفوقت فيها، وكانت مع الرسول الله في غزواته، وتعتبر صاحبة أول مستشفى ميداني، وعرفت بمهارتها في الطب والعقاقير والأدوية وتصنيعها، وتضميد الجروح وجبر الكسور، وتعاونت مع مجموعة من الفتيات تعلّمن التمريض على يديها. وكانت تخرج في الغزوات، وتنقل معها خيمتها بكل متطلباتها وأدواتها واحتياجاتها فوق ظهور الجِمال، ثم تُقيمها بإزاء معسكر المسلمين، تشاركها العمل الصحابيات، واشتركت في كل غزوات الرسول "أحد، والخندق، وخبير"، وفي الغزوة الأخيرة جاءت إلى الرسول على رأس فريق كبير من نساء الصحابة، قامت بتدريبهن على فنون الإسعاف والتمريض، فاستأذنّ الرسول قائلات: "يا رسول الله أردنا أن نخرج معك فنداوي الجرحى ونعين المسلمين ما استطعنا"، فأجابهنّ النبي: "على بركة الله". وفي الغزوة، قمن بجهد عظيم، ما جعل الرسول يقسم لكعيبة من الغنائم حصة رجل، شأنها في ذلك شأن الجندي المقاتل، كما أعطى المتفوقات منهن قلادات شرف، وكانت الواحدة منهن تعتز بقلادتها، وتقول: "والله لا تفارقني أبداً في نوم ولا يقظة حتى أموت". خولة بنت الأزور أخت ضرار، الفارس المغوار، وخرجت معه في حرب على الروم بالشام، وهناك أسر أخيها ووقعت أيضا في الأسر مع النساء فخاطبتهن قائلة: "يا بنات العم إن الريح مواتية وإن فرصة الخلاص لتبدو لنا، فها قد حان وقت العمل وإن الموت لأشرف لنا من فضيحة تلحق بنا في آخر الزمان، علينا أن نحمل حملة صادقة تذهل العدو، فننجو أو نستشهد في سبيل الله، خذن أعمدة الخيام والأوتاد في أيديكن ولنحمل معاً على هؤلاء الحراس، ولنتماسك ولنتكاتف ولا تكن بيننا ثغرة ينفذ إلينا منها أحد، أشددن معي، والله معنا والله أكبر". هاجمت النساء بقيادة خولة على جنود الروم فقتلوا منهم من قتلوا، ونجحن في الهروب والعودة لصفوف المسلمين الذين حققوا النصر، لكن علم الجميع أن القائد ضرار، أسر فقررت خولة ألا تعود إلا ومعها أخاها، وعلم المسلمون أنهم وضعوا حراسة مشددة على ضرار تتكون من مئة فارس واقتادوه إلى حمص. وهنا، قرر رافع بن عميرة وجنوده بتكليف من خالد بن الوليد ملاحقة جنود الروم، وتحرير ضرار من الأسر، وطلبت خولة من خالد أن تمضي، وبالفعل انطلقوا حتى وصلوا إلى قرية "سليمة"، وهناك دارت رحى معركة بين الروم والمسلمين، شاركت فيها خولة ملثمة وأبلت فيها بلاء حسن حتى حققوا النصر وحرروا ضرار بن الأزور. رابعة العدوية ولدت في مدينة البصرة مطلع القرن الثاني الهجري "حوالي سنة 100 هجرية"، وروى أبوها أنه رأى في المنام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول له: "لا تحزن فهذه الوليدة سيدة جليلة"، ثم جاء من بعدها الرزق الوافر. تربص بها لص فخطفها، وادعى أنها جارية له، وبيعت لأحد التجار الذي كان شديد القسوة في تعامله معها، فكان يذيقها كل ألوان العذاب، وذات ليلة استيقظ وسمعها تناجي ربها قائلة: "إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنَّى طاعتك، ونور عيني في خدمتك، ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن مناجاتك.. لكنك تركتني تحت رحمة مخلوق قاسٍ من عبادك"، فما كان منه إلا أن قرر أن يعتقها وترك لها حرية الاختيار في أن تبقى معهم أو ترحل. سلكت رابعة العدوية طريق العابدات الزاهدات؛ فشغلت ليلها بالتهجد والمناجاة، ونهارها بالذكر، وروت عنها خادمتها عبدة بنت أبي شوّال، أن السيدة رابعة كانت تصلِّي مئات الركعات في اليوم والليلة، وإذا سُئلت: ما تطلبين من هذا؟ قالت: "لا أريد ثواباً بقدر ما أريد إسعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقول لإخوته من الأنبياء: انظروا هذه امرأة من أمتي هذا عملها". ومن مناجاتها لله سبحانه وتعالى حين يأتي الليل: "إلهي هدأت الأصوات وسكنت الحركات، وخلا كل حبيب بحبيبه، وقد خلوت بك أيها المحبوب، فاجعل خلوتي منك في هذه الليلة عتقي من النار"، ومن وصاياها "اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم". فاطمة الفهرية امرأة مسلمة عربية من ذرية عقبة بن نافع الفهري القرشي فاتح تونس ومؤسس مدينة القيروان، ورثت عن والدها بعد فاته أموالا كثيرة، وقررت استغلال هذه الثروة في التقرب إلى الله، فقررت بناء مسجد القيروان الذي تحول فيما بعد إلى أقدم جامعة في العالم طبقا للتصنيف الذي أقرته منظمة اليونسكو. عقب بناء المسجد أصبح جامع القرويين الشهير أول معهد ديني وأكبر كلية عربية في بلاد المغرب الأقصى، فبعد بناء الجامع أنشأ العلماء حلقات لهم فيه، وكان يجتمع حولها العديد من طلاب العلم، وبفضل الاهتمام الفائق بالجامع من قِبل حكام المدينة المختلفين؛ تحولت فاس إلى مركز علمي وثقافي ينافس المراكز العلمية ذائعة الصيت في مدينة قرطبة وفي مدينة بغداد. تحول جامع القرويين مع مرور الزمن إلى جامعة تدرس فيها العلوم تخرج منها علماء مسلمون وغربيون ومنهم سيلفستر الثاني "جربيرت دورياك" الذي شغل منصب البابا من عام 999 إلى 1003م، ويقال إنه من أدخل بعد رجوعه إلى أوروبا الأعداد العربية، وقضى فيها الطبيب والفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون عدة سنوات زوال خلالها مهنة التدريس في الجامعة. ودرّس فيها أيضا الفقيه المالكي أبو عمران الفاسي، ابن البنا المراكشي، ابن العربي، ابن رشيد السبتي، ابن الحاج الفاسي، وابن ميمون الغماري، وزارها الشريف الإدريسي ومكث فيها مدة كما زارها ابن زهر مرات عديدة، وكتب فيها ابن آجروم كتابه "الآجرومية"، الذي يعتبر من أهم كتب النحو العربية، كما اشتهر في الجامعة بعد هجرته من الأندلس إلى فاس؛ ابن باجة وكان ممن نبغوا في الطب والفلسفة، وبقي هناك إلى أن توفي سنة 1138.