مع تصاعد الفشل السعودي في إدارة جميع الملفات والأزمات سواء الداخلية أو الخارجية، ومع تنصّل كثير من حلفاء الرياض من ممارساتها وتورطاتها الدولية التي قد تدفعها إلى المحاكم الدولية في المستقبل القريب، تسعى السعودية إلى التحرك سريعًا في محاولة لمغازلة الدول الكبرى مجددًا، عن طريق تقديم مليارات الدولارات لشراء ذمم تلك الدول وضمان دعمها. زيارة تفتح أبواب جهنم بين التأجيل والإلغاء تظل زيارة ولي العهد السعودي، والحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان، إلى بريطانيا، مجهولة المصير، زيارة كان من المقرر لها أن تتم في منتصف يناير الماضي، لكنها تأجلت إلى فبراير، دون تحديد موعد محدد لها، نظرًا لضغوط شعبية ومظاهرات عمت أنحاء بريطانيا اعتراضًا على أن تطأ قدم "بن سلمان" العاصمة لندن، وباعتبار أن بريطانيا هي الداعم الرئيسي والحليف الأقرب للمملكة السعودية خاصة في عدوانه على اليمن، فقد فتحت هذه الزيارة المقرر إجراؤها هذا الشهر بابًا جديدًا من أبواب الانتقادات الدولية والحقوقية تجاه دعم لندن لجرائم الرياض، وهي الانتقادات التي طالت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي، والتي دفعت البعض لوصفها بأنها تنتهج معايير مزدوجة وتبيع مبادئ دولتها مقابل مليارات المملكة. حملة مقاطعة حملة مقاطعة ومعارضة انطلقت في شوارع بريطانيا خاصة العاصمة لندن لرفض زيارة "بن سلمان"، حيث ظهرت شاحنات أُلصقت عليها صور وعبارات تندد بالزيارة، وذلك ضمن حملة انطلقت منذ أيام ومن المقرر أن تستمر لمدة أسبوع، بدأها حقوقيون ومنظمات غير حكومية مناهضة للحروب، تطالب بعدم استقباله، مشيرة إلى أن الدعم الغربي الذي تقدمه بريطانيا وحلفاؤها للسعودية أسهم في قتل المزيد من الشعب اليمني وتدمير البنى التحتية لبلاده، طيلة السنوات الثلاث الماضية، على يد التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، حيث كُتب على الشاحنات عبارات من بينها "على بريطانيا ألا ترحب بمجرم الحرب محمد بن سلمان"، فيما نظمت عدة مؤسسات بريطانية مظاهرة أمام مقر رئاسة الوزراء، قبل أيام، وسلمت خلالها رسالة لرئيسة الوزراء تدعوها فيها إلى إلغاء زيارة ولي العهد السعودي. تحركات سياسية جدية التحركات المعارضة لزيارة "بن سلمان" إلى لندن لم تقتصر على الشوارع البريطانية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بل أخذت طابعًا رسميًا بوصولها إلى مجلس العموم البريطاني، حيث وقع أكثر من ألفي بريطاني على عريضة قُدمت إلى مجلس العموم، لمناقشة إلغاء زيارة "بن سلمان"، ووقع عليها أكثر من 17 نائبًا في المجلس من مختلف الأحزاب، وذكر الموقعون أن "سجل النظام السعودي يعد واحدًا من أسوأ سجلات حقوق الإنسان على مستوى العالم"، وأن "عمليات التعذيب والاعتقال التعسفي لا تزال تجري على نطاق واسع داخل المملكة". وحمّل الموقعون على العريضة ولي العهد السعودي بصفته وزيرًا للدفاع، مسؤولية الانتهاكات التي وصفوها ب"الخطيرة خلال الحرب التي يشنها على اليمن مما أدى إلى نشوب أزمة إنسانية كبيرة"، وحسب ما جاء في العريضة، فإن أكثر من 70% من الإعدامات التي نفذت في السعودية تمت بعد تسلم ولي العهد مسؤولياته، كما أنه "فرض حصارًا على دولة قطر وانتهك حقوق المدنيين الأساسية فيها وفي دول الخليج"، وأن "السلطات السعودية دعمت القمع في البحرين وتدخل جيشها لإنهاء الاحتجاجات السلمية في عام 2011″، ودعت العريضة إلى الوقوف بجانب حقوق الإنسان وإلغاء الزيارة، معلقة: "حياة الناس في البحرين واليمن والسعودية أكثر أهمية من مبيعات الأسلحة". انتقادات إعلامية الانتقادات الموجهة للسعودية امتدت أيضًا إلى وسائل الإعلام البريطانية الأشهر، فنشرت صحيفة "الجارديان" في افتتاحيتها مقالًا موجهًا لرئيسة الوزراء تيريزا ماي، يحمل انتقادات لاذعه للسعودية، ومطالبات جدية للحكومة البريطانية ب"فتح موضوع حرية التعبير مع ولي العهد السعودي حتى لو كانت المحاضرة تزعجه"، وقالت الصحيفة إنه "من المتوقع أن ترحب تيريزا ماي بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي لبلاده، في داونينغ ستريت في الأسابيع المقبلة، ويتحكم الأمير البالغ من العمر 32 عامًا في بلد تُعد فيه ممارسات الجلد والتعذيب وغياب الانتخابات أساس بناء المجتمع، وليس غريبًا أن تكون هناك حملة لمنعه من القدوم إلى هنا". وأشارت الصحيفة إلى أن "مبيعات السلاح البريطانية للسعودية تصل إلى 200 مليون جنيه في الشهر، وهو أمر يهم ماي، أكثر من وفيات الأطفال في مناطق بعيدة"، مؤكدة أن "ما يثير القلق أنه جرى التلاعب في قوانين السوق المالية في لندن؛ من أجل تأمين مشروع تعويم حصة 100 مليار دولار من شركة النفط السعودية أرامكو والإعلان عنه في لندن"، وترى الصحيفة أن "حرب اليمن، التي هي من بنات أفكار الأمير، تعد اليوم أسوأ كارثة صنعها الإنسان في العالم، وهي الحرب التي تدعمها بريطانيا دون حياء بالسلاح والجنود، وتزيد من معاناة المدنيين"، وأضافت: يجب على بريطانيا ألا تتخلى عن مبادئها وقيمها. حملة ولي العهد لمكافحة الفساد لا تهدف لمحاربة الرشوة بقدر ما هي لإبعاد منافسيه الأمراء، فالطريقة الشرسة لتعزيز السلطة تكشف عن عدم تسامح النظام السعودي مع المعارضة. ونوهت الصحيفة إلى أن "تقرير المدير السابق للإدعاء العام كين ماكدونالد، ومحام آخر في مجال حقوق الإنسان، حول موجات الاختفاء القسري العشوائية لناشطي حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين وعلماء الدين، يجب أن تتم دراسته في داونينغ ستريت"، وتختم "الجارديان" بالقول: السعودية وبريطانيا دولتان عضوان في مجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، حيث تتم مراجعة سجل السعودية هذا العام، وبناء على هذا السياق فإنه يجب على ماي أن تفتح موضوع حرية التعبير مع ولي العهد، حتى لو كانت المحاضرة تزعجه. توقيت الزيارة بعيدًا عن كون الزيارة ستتم أو لن تتم في ظل الظروف المحيطة بها والغضب الشعبي والرفض السياسي لوجود "بن سلمان" على أرض المملكة المتحدة، فإن الزيارة تأتي في وقت مليء بالأحداث والرسائل السياسية المهمة التي أصدرتها بعض الدول موخرًا تجاه سياسة المملكة التي لم تعد تحتمل الدفاع أو التبرير، حيث اتجهت أمريكا التي تعتبر أقرب الحلفاء إلى الرياض والشريك الرئيسي في كافة جرائمها، إلى تعزيز علاقاتها الأمنية والسياسية والاقتصادية مع قطر، العدو اللدود للسعودية والإمارات حاليًا، وظهر في زيارة أكبر وفد قطري رسمي إلى واشنطن، الثلاثاء الماضي، للمشاركة في مؤتمر "الحوار الاستراتيجي الأمريكي- القطري"، حيث حملت الزيارة رسالة دعم وتحصين من أمريكا إلى قطر بشكل غير مسبوق، كما وقع الطرفان على مجموعة من الاتفاقيات شملت وثيقة للتعاون الأمني، تتضمن "حماية قطر من أي تهديد خارجي يتهدد أراضيها"، وأخرى ل"ترسيخ الحوار الاستراتيجي بين البلدين"، وثالثة ل"مكافحة الاتجار بالبشر". وخلال الزيارة شاعت أجواء من الإيجابية والتودد في المحادثات بين الطرفين، الأمر الذي جعل الزيارة تخرج بمظهر "محاولات أمريكية لتحصين قطر من المقاطعة التي تقودها السعودية وتهدد اقتصاد الدوحة وأمنها منذ ما يقرب من 8 أشهر"، وعقب المحادثات أظهر وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، دعمًا وتوددًا غير مسبوقين لحليفته القطرية، حيث قال إن واشنطن ملتزمة بسيادة قطر وأمنها، مشددًا على أن "أي تهديد لسيادة قطر فإن الدوحة تعلم أنه يمكنها الاعتماد على الولاياتالمتحدة لحمايتها". ميل أمريكا بهذه الطريقة نحو قطر وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي والأمني لها، على الرغم من أنه دعم وهمي سرعان ما قد يتغير حسب أهواء الرئيس الأمريكي ترامب، فإنه بلا شك أثار غضب وانزعاج السعودية، الأمر الذي دفع بعض الخبراء إلى القول بأن زيارة "بن سلمان" إلى بريطانيا والمقررة خلال الأسابيع القادمة هي رسالة غضب من الرياض إلى واشنطن على دعم الأخيرة للدوحة. على جانب آخر، رأى العديد من المراقبين في الزيارة مجهولة المصير، وأنها محاولات سعودية للتخفيف من حدة الضغط الدولي المفروض على بريطانيا على خلفية تعاونها مع السعودية التي اصبحت منبوذه دوليًا باعتبارها مجرمة حرب، حيث تُصر المملكة المتحدة على تقديم الدعم السياسية وتسليح الرياض في عدوانها على اليمن مع الانتقادات اللاذعة الموجهة لبريطانيا من جانب الاتحاد الأوروبي ودول عربية وغربية أخرى، اتجهت دول أوروبية على رأسها ألمانياوالنرويج إلى اتخاذ قرارات بشأن وقف تصدير الأسلحة للدول المشاركة في العدوان على اليمن، فأوقفت الحكومة الألمانية تصدير الأسلحة للدول المشاركة في حرب اليمن وعلى رأسها السعودية والإمارات. المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت، قال قبل أسابيع قليلة، إن حكومته لن تمنح من الآن فصاعدًا تصاريح بتصدير أسلحة لهذه الدول مادامت تشارك في الحرب في اليمن، مضيفًا: "مجلس الأمن الاتحادي لا يمنح حاليًا تراخيص بتصدير أسلحة لا تتوافق مع نتائج المباحثات الاستطلاعية، التي جرت بين التحالف المسيحي المنتمية إليه المستشارة أنجيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي لتشكيل ائتلاف حاكم"، فيما اتخذت النرويج قرارًا مماثلًا قضى بوقف جميع صادرات الأسلحة والذخائر إلى دولة الإمارات؛ بسبب الانتهاكات التي ترتكبها قواتها في اليمن، الأمر الذي جعل الضغوط تتزايد على الحكومة البريطانية، واعتبرت منظمات حقوقية بريطانية استمرار تصدير السلاح للسعودية مشاركة في جرائم الحرب التي ترتكب في اليمن.