لم تكد الخلافات بين المغرب والجزائر بشأن البوليساريو تهدأ نسبيًا حتى تبادل كلا الطرفين الاتهامات ليعيدا إشعال فتيل التوتر بينهما من جديد، الأمر الذي يحبط كافة مساعي مبعوث الأممالمتحدة للصحراء الغربية، هورست كولر، لحل نزاع الصحراء الغربية وأزمة البوليساريو وتحريك المياه الراكدة بين الجارتين. تجارة المخدرات جدد رئيس الوزراء الجزائري، رئيس حزب التجمع الوطني الديموقراطي الحاكم أحمد أويحيى، أمس الجمعة، الهجوم على جيران الجزائر "الذين يحاولون إغراق الجزائر بالحشيش والكوكايين" دون أن يسميهم، وقال خلال افتتاحه اجتماع المجلس الوطني لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، بالعاصمة الجزائر: "التدفق الكبير للمخدرات على الجزائر هو إهانة للمستقبل المشترك للشعوب المغاربية"، وأضاف أن حزبه يدين "كل أولئك الذين يحاولون من الخارج إغراق بلادنا تحت تدفق هائل للمخدرات والكوكايين"، وتابع أويحيى: الأمر يتعلق باعتداء حقيقي على شعبنا من خلال محاولة تسميم شبيبتنا وكبح مسار تنميتنا، كما يعد ذلك إهانة خطيرة للمستقبل المشترك للشعوب المغاربية. وبالرغم من أن رئيس الوزراء الجزائري امتنع عن إلصاق هذه التهم بدولة بعينها، فإن وسائل الإعلام الجزائرية والعديد من المراقبين السياسيين لم يترددوا في الإشارة إلى المغرب، على اعتبار أن هذه ليست المرة الأولى التي يتهم فيها مسؤولون جزائريون جارتهم المغربية بإغراق البلاد بالمخدرات، فقد سبق أن اتهم وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، في أكتوبر الماضي، المغرب أيضًا، بتبييض الأموال الناجمة عن الاتجار بالمخدرات في بنوك موجودة في عدد من الدول الإفريقية، وقال مساهل حينها: "هذا الكلام موثق والعديد من القادة والزعماء الأفارقة يعرفون هذا الأمر ويقرون به"، أضف إلى تلك الاتهامات، إشارة مدير الديوان الجزائري لمكافحة المخدرات حمد عبدو بن حلة، الشهر الماضي، إلى أن "الجزائر أضحت منطقة عبور للقنب الهندي نحو أوروبا والشرق الأوسط". سياج جديد على خلفية الاتهامات التي وجهها أويحيى، إلى جارته المغربية بشأن استخدام الحدود لإغراق بلاده بالمخدرات، قالت تقارير إعلامية جزائرية إن السلطات الجزائرية شرعت في إقامة سياج جديد على الحدود مع المغرب، لتأمين المناطق التي تشهد نشاطًا متزايدًا للمهربين ولمنع الاختراق من قبل المهاجرين غير الشرعيين، وأكدت التقارير أن السلطات الجزائرية أقامت سياجًا على الشريط الحدودي مع المغرب، في منطقة "بين لجراف" ببلدة "مرسى بن مهيدي" بولاية "تلمسان" غربي البلاد، لمنع نزوح الرعايا المغاربة وتهريب المخدرات، وشددت السلطات على وجود إجراءات أمنية مشددة هناك اتخذها حراس الحدود، وذلك بإقامة مراكز مراقبة جديدة وتكثيف دوريات المراقبة ليل نهار. وتعتبر المنطقة التي شرعت السلطات الجزائرية في تسييجها بالسياج الشائك نقطة عبور لمختلف أنواع المخدرات المغربية، كما تشهد نزوح عدد متزايد من الرعايا المغاربة الهاربين من شبح البطالة في بلدهم، والذين غالبًا ما يعملون في ورش البناء بالجزائر، كما أن العديد من التنظيمات والجمعيات المغربية تعودت على تنظيم وقفات احتجاجية بالقرب من تلك النقطة الحدودية للمطالبة بفتح الحدود البرية بين البلدين والمغلقة منذ عام 1994. تخفيض التمثيل الدبلوماسي "ما أشبه الليلة بالبارحة" هذا ما يمكن به توصيف الوضع بين الجارتين حاليًا، فمثلما أثارت اتهامات "مساهل" أزمة دبلوماسية بين الجزائر وجارتها اللدودة الرباط في أكتوبر الماضي، ودفعت المغرب إلى استدعاء القائم بالأعمال بسفارة الجزائربالرباط إلى مقر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ووصفت حينها تصريحات وزير الخارجية الجزائري بأنها "غير مسؤولة وصبيانية"، فإن تصريحات أويحيى هذه المرة في طريقها أيضًا لإشعال فتيل أزمة جديدة بين الجارتين، وستصب مزيدًا من التوتر على القطيعة التي تعتبر الأطول في تاريخ الدول العربية. ظهرت بوادر هذه الأزمة الجديدة في قرار اتخذته المغرب، اليوم السبت، بخفض مستوى تمثيلها البدلوماسي في اجتماع "5+5" لوزراء خارجية دول غرب البحر الأبيض المتوسط الذي تأسس عام 1990، والذي من المقرر أن تنطلق الجولة ال14 له غدًا الأحد، وتستضيفه العاصمة الجزائرية، ويشارك فيه دول غرب البحر الأبيض المتوسط، وهي الدول الخمسة المشكلة لاتحاد المغرب العربي "الجزائر، والمغرب، وتونس، وليبيا، وموريتانيا" عن الضفة الجنوبية، و"إيطاليا، وفرنسا، وإسبانيا، والبرتغال، ومالطا"، عن الضفة الشمالية، ومن المقرر أن تناقش هذه الجولة مسائل التنمية الاقتصادية-الاجتماعية، وتعزيز التعاون في مجال الأمن في مواجهة الأزمات الإقليمية خاصة في ليبيا والساحل. ذكرت مصادر إعلامية أن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، لن يشارك في الاجتماع الذي سيترأسه مناصفة كل من وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، ونظيره الفرنسي جون ايف لودريان، موضحة أن مديرًا بوزارة الخارجية هو من سيمثل المغرب في هذا الاجتماع رفيع المستوى، وأن الرباط طلبت تأجيل الاجتماع بدعوى "كثافة جدول الأعمال"، وهو ما لم تحصل عليه، فيما أكدت المصادر أن السبب الحقيقي لمقاطعة المغرب للاجتماع هو التوتر الدائم الذي يسيطر على علاقته مع الجزائر بسبب موقفها من النزاع في إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو. على الرغم من تأكيد بعض التقارير الصحفية المغربية أن هذا القرار ليس له علاقة بتصريحات رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيي، وأن القرار تم اتخاذه قبل أسبوعين، أي قبل إطلاق أويحيى اتهاماته التي تمس المغرب، فإن الأجواء المتوترة بين الطرفين بشكل عام توحي بأن قرار خفض التمثيل هو قرار مغربي محمّل بالغضب من الجزائر.