«العدالة الاجتماعية مش أن واحد يكسب نص مليون جنيه في السنة وكاتب لأولاده أسهم كل واحد بنص مليون جنيه, طيب والباقيين الناس اللي ليهم حق في هذه البلد إيه نصيبهم يورثوا إيه؟, لا يمكن بكل حال من الأحوال أن يكون الغني إرث والفقر إرث والنفوذ إرث والذل إرث, ولكن نريد العدالة الاجتماعية نريد الكفاية والعدل, ولا سبيل لنا بهذا إلا بإذابة الفوارق بين الطبقات ولكل فرد حسب عمله, لكل واحد الفرصة, ولكل واحد ناتج عمله».. هكذا عرف الزعيم الراحل جمال عبد الناصر العدالة الاجتماعية التي سعى إلى تحقيقها في فترة حكمه, التي أعقبت ثورة 23 يوليو 1952 حتى عام 1970. لقد بدأ عبد الناصر أولى خطواته بإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وإلغاء الإقطاع لشعوره بمعاناة الفقراء، والقضاء على السيطرة الرأسمالية بمجالات الإنتاج الزراعي والصناعي، وإقرار مجانية التعليم العام والعالي، وتأميم التجارة والصناعة التي استأثر بها الأجانب, ويعد «ناصر» أول من فعل مجانية التعليم بمصر، على مراحل مختلفة انتهت بتعميم تلك المجانية على التعليم بمختلف مراحله, وفطن من أول لحظة إلى أن الإنجاز الحقيقي يكون للناس المستضعفين, فأصبح حتى الآن خالدا في الذاكرة. طارق نجيدة، القيادي بالتيار الديمقراطي، قال إن عبد الناصر كان ينتمي بحق إلى هذا الشعب بكل فئاته المغلوبة على أمرها والتي كان الإقطاع والرأسمالية يستغلونها استغلالا فاحشًا بغطاء تام من الاحتلال وقوى الاستعمار والهيمنة، وهذا الانتماء الصادق تمت ترجمته في قرارات فورية عند قيام الثورة عام 1952 بصورة تعبر عن الانحياز إلى الشعب وتضع أهدافا واضحة بآليات قوية وحازمة مثل القضاء على الإقطاع، وكانت آليته تحديد الملكية الزراعية، وتزامن ذلك مع إعادة توزيع الثروة الزراعية على الفلاحين لتغيير البنية الاجتماعية للمجتمع، ثم القضاء على الرأسمالية المستغلة بكل صورها وكانت الآلية الفورية تمصير الشركات الأجنبية ثم تأميم المشروعات والمصانع مع تقرير حقوق العمال في الإدارة وتوسيع رقعة الملكية بين فئات الشعب بهدف تحقيق أسس ومقومات المجتمع الاشتراكي عبر تحقيق ملكية الشعب لوسائل الإنتاج. وأضاف نجيدة ل«البديل», أن نجاح عبد الناصر في تحقيق العدالة الاجتماعية يمكن رصده بكل سهولة ولكن لا يمكن القول بأن الإجراءات التي تم اتخاذها حققت أهدافه بالصورة التى كان يتمناها وذلك بسبب التحديات التي تم فرضها على مصر في حروب مع الاستعمار والكيان الصهيوني، وهي الحرب التي تسببت بدرجة كبيرة في إعاقة النمو الاقتصادي، وإن كانت معدلات التنمية قد تضاعفت منذ بداية الستينيات ووصلت إلى معدلات غير مسبوقة، لكن ذلك الأمر تباطأ بسبب تحديات الحرب مع إسرائيل، وقد كان دور عبد الناصر في وضع الأهداف ورسم السياسات بارزًا وبصماته واضحة نظرًا لما تفرضه مرحلة التحول الثوري التي كانت تحتاج إلى طاقة ثورية لا تلين في مواجهة الضغوط الاستعمارية ومحاولات فرض التبعية والهيمنة، وقد كان ذلك من أهم أسباب انطلاقات عبد الناصر ونجاحاته وهي الاستقلال الحقيقي ورفض كل صور الهيمنة والتبعية بل ومواجهتها في المحافل الدولية وخلق تيار عالمي قوي يمثل دول وشعوب التحرر المتمثلة في منظمة دول عدم الانحياز. وأوضح القيادي بالتيار الديمقراطي أنه يمكن القول إن الاستقلال الوطني ورفض التبعية كانا بلا شك سببًا في انكسارات ونكسات لا يمكن إغفالها، ولكنهما كانا الثمن المقبول لفرض الشخصية الوطنية وإعلاء قيمة الحرية والحق والتشهير الدائم بالاستعمار والاحتلال مما ساهم بصورة كبيرة في تزايد وتسارع حركات التحرر بالعالم، وكان لذلك مردوده الاقتصادي على مصر، فإذا كانت التبعية والخنوع لسياسات مفروضة من قوى الهيمنة والتبعية ستؤدي إلى خلق اقتصاد شبه مستقر وهو في الحقيقة وهم زائف يقوم على إفقار الشعوب، فإن التحرر ومساندة دول وشعوب مغلوبة على أمرها يحقق عائدًا اقتصاديًا بخلق الأسواق المتبادلة وفرص العمل عابرة الحدود. وأكد إلهامي الميرغني، الخبير الاقتصادي والقيادي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي, أن العدالة الاجتماعية هي المبدأ الخامس للضباط الأحرار في يوليو 1952، ولذلك صدر في سبتمبر 1952 أول قانون للإصلاح الزراعي وبدأت عملية إعادة توزيع الثروة كخطوة أولى على طريق العدالة الاجتماعية, ثم تبع ذلك تأميم المصالح والشركات الأجنبية وإخضاعها لإدارة الدولة من خلال المؤسسة الاقتصادية عام 1955, ثم كانت حركة التأميمات الكبرى للرأسمالية الكبيرة وتحويلها إلى الملكية العامة بما سمح بعمل أول خطة اقتصادية 1960- 1965 وتعبئة الفائض الاقتصادي ثم دخول مرحلة أعلى ببدء الخطة الثانية للتنمية (1965 -1970) والتي تم إيقاف العمل بها بسبب عدوان 1967. وأضاف الميرغني، أن الدولة الناصرية استطاعت تقديم مكتسبات اجتماعية للعمال والفلاحين وفقراء المدن والريف تمثلت في التعليم المجاني والصحة المجانية والمساكن الشعبية وتوصيل المياه النقية والصرف الصحي وتوفير فرص عمل للجميع والمواصلات العامة, وبذلك استطاعت ترجمة العدالة الاجتماعية إلى واقع عاشه كل المصريين, مشيرًا إلى أن المبدأ السادس من مبادئ الثورة لم يتحقق وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة.