أصبحت التغيرات المناخية أحد التحديات التي تواجه تنمية الثروة السمكية؛ مما دفع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى دق ناقوس الخطر من تأثيراته على تربية الأحياء المائية ومصايد أسماك المياه العذبة والمالحة؛ لما تسببه من ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض والظواهر السمية، بجانب ارتفاع مستوى مياه البحر التي ستعمل على تآكل الشواطئ ، والتأثير السلبي على توافر الغذاء الطبيعي للأسماك في بيئة التربية، وارتفاع حموضة المياه وزيادة النيتروجين الذائب في المياه، وهو ما يزيد من عوامل الإجهاد التي تؤثر بالسلب على عملية التحول الغذائي؛ مما يعمل على انخفاض كميات الأسماك المنتجة. ومن جانبه قال الدكتور صلاح الدين فكري الساعي، مدرس الإرشاد السمكي بكلية تكنولوجيا المصايد والأسماك بجامعة أسوان، إنه لكي تتمكن الدولة المصرية من التكيف مع التغيرات المناخية؛ لا بد من وجود إدارة متخصصة للأزمات، حيث تشكل نقطة البداية في وضع الخطط والسياسات والاستراتيجيات المختلفة للتكيف مع التغيرات المناخية الحالية وفي المستقبل أيضًا. وأوضح "الساعي" أن التغيرات المناخية لها آثار سلبية على كافة أنواع المزارع السمكية، سواء العذبة أو المالحة، بشكل غير مباشر؛ بسبب ارتفاع درجة الحرارة والملوحة والحموضة، مما يستحيل معه التوسع الأفقى في المزارع السمكية؛ نظرًا لنقص المياه في المستقبل، الأمر الذي يصل إلى عدم القدرة على توفير المياه للمزارع القائمة، لافتًا إلى أن مقومات نجاح الاستزراع السمكي "المياه – الأرض – الزريعة" ستتأثر بشكل مباشر؛ نتيجة التنافس بين الاستزراع النباتى ونظيره السمكي، أو بشكل غير مباشر، من خلال مسحوق السمك، وهو الخام الرئيسي، والذي سيؤثر بدوره في تركيب علائق الأسماك؛ نظرًا لانخفاض عملية الصيد، ونقص مخلفات الحبوب كمصدر للطاقة في العلائق السمكية. وعن المزارع الشاطئية أكد مدرس الإرشاد السمكي أن ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب ذوبان الجليد في القطب الشمالى سيغرق المساحات الشاطئية وما عليها، لافتًا إلى أن التغيرات المناخية ستؤثر على عمليات نقل وتسويق الأسماك، إما بسبب ارتفاع الحرارة أو هبوب رياح وأتربة شديدة وعواصف رعدية تعوق عملية النقل، وستؤدي بالتالي لزيادة البطالة في قطاع الاستزراع السمكي؛ لأنه مقام على الشواطئ، حيث ستحدث هجرة للعمالة المدربة لمناطق أخرى؛ بحثًا عن الرزق، ومن ثم ارتفاع أسعار الغذاء؛ نظرًا لانخفاض المعروض منه. وأشار الدكتور صلاح إلى عدة خطوات يجب الإسراع في تنفيذها للحد من تأثير التغيرات المناخية على الثروة السمكية، كالتوجه إلى أقلمة أسماك المياه المالحة على الملوحة المنخفضة أو المتوسطة، وإيجاد بدائل مسحوق السمك في العليقة كمصدر للبروتين، وضرورة الابتعاد عن حرم الشواطئ البحرية بمسافة 200 متر كما نصت المادة 73 من القانون 4 لسنة 1994م، وتنظيم اللائحة التنفيذية لهذا القانون من حيث الإجراءات والشروط الواجب اتباعها. ومن جانبه قال الدكتور محمد شوقي القطان، أستاذ تكنولوجيا الأسماك بالأكاديمية البحرية بأسوان، إن زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ستعمل على ارتفاع درجات الحرارة، وستؤدي بدورها إلى زيادة درجات حرارة المحيطات والبحار "الاحترار"، وزيادة درجة الحموضة، الأمر الذي سيعمل على حدوث خلل في دورة التجديد للأسماك وإهدار للمخزون السمكي والإنتاج. وأوضح "القطان" أن زيادة ملوحة مياه البحيرات الشمالية المصرية نتيجة لزيادة درجة الحرارة ستؤدى إلى زيادة نسبة التبخر، وبالتالي زيادة الملوحة، فضلاً عن زيادة التلوث عامًا بعد عام؛ نتيجة الصرف الصناعي والزراعي وقلة المياه العذبة الواردة للبحيرات؛ مما يؤدى إلى زيادة درجة الملوحة أكثر، والتي تؤثر على هجرة زريعة العائلة البورية من البحر إلى مناطق التقاء المياه العذبة، ومن ثم يقل المخزون السمكي بالبحيرات. مضيفًا أن التغيرات المناخية ستعمل على تعديل خريطة توزيع الأنواع السمكية، سواء أسماك المياه العذبة أو المالحة، نتيجة هجرتها من المياه التي ترتفع فيها درجة الحرارة نحو القطبين، فضلاً عن التأثير على موسمية العمليات البيولوجية الحيوية، في شكل تغيرات في سلسلة غذاء الأسماك بالمياه العذبة والمالحة؛ مما يعود بنتائج لا يمكن التكهن بها على صعيد تذبذبات إنتاج الأسماك.