أثارت واقعة طبيب عظام «الزقازيق الجامعي» الذي تم إلقاء القبض عليه مطلع الأسبوع الجاري من داخل المستشفى، استياء جموع الأطباء والعاملين بالفريق الطبي؛ بسبب رفضهم حبس الأطباء احتياطيًا جراء الأخطاء الطبية الواقعة داخل المستشفيات العامة والجامعية، وأعادوا من جديد طرح قانون المسؤولية الطبية الذي تأخر إقراره أكثر من 4 سنوات، ولا يزال قيد المناقشة داخل مجلس النواب. نسختان متضادتان مشروع القانون الجديد يهدف إلى تحديد طريقة ونطاق المساءلة الطبية من خلال تحديد واجبات وحقوق أطراف الممارسة الطبية الأربعة (المريض، الطبيب، المستشفى، البيئة المحيطة)، والإشكالية هنا في وجود نسختين للقانون داخل مجلس النواب؛ الأولى قدمتها النقابة العامة للأطباء، وتم إعدادها قبل أكثر من 4 سنوات بعد دراسة عدد من النسخ المعمول بها عالميًا وتم عرضها على البرلمان بعد رحلة طويلة. واللجنة التي تحدد الخطأ الطبي في مشروع قانون الأطباء، تقع تحت إشراف مجلس الوزراء، وتكون لجنة علمية مستقلة غير تابعة لنقابة الأطباء أو وزارة الصحة، بل مكونة من ممثلين عن النقابة العامة والوزارة والمجتمع المدني وكليات الطب ونقابة المحامين والمجلس الأعلى للقضاء؛ لضمان تحقيق الاطمئنان للمواطنين بأن الأطباء لن يشهدوا لأنفسهم. أما النسخة الأخرى، التي قدمها الدكتور أيمن أبو العلا، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، يجعل لجنة تقرير المسؤولية الطبية، حكومية تحت رئاسة وزير الصحة أو من ينوب عنه، ويحدد أعضاءها الوزير ولا يوجد بها إلا تمثيل واحد للنقابة، وسط غياب أي تمثيل للمجتمع المدني، ما يهدد فكرة الحيادية، رغم أن عددا كبيرا من الأطباء لا يعملون بالمستشفيات التابعة لوزارة الصحة. وتنص المادة 24 من مشروع أبو العلا على أنه لا يجوز القبض على الأطباء أو حبسهم احتياطيا أثناء التحقيق معهم في الوقائع المتعلقة بالخطأ الطبي، ومع ذلك يجوز القبض عليهم أو حبسهم احتياطيا إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك بناءً على أمر النائب العام ما يفرغ القانون من محتواه، لأن الحبس الاحتياطي للأطباء لا يتم حاليًا إلا بإذن من المحامي العام بالمحافظة الذي يأخذ موافقة النائب العام ويفتح المجال أمام بروز ظاهرة محامي التعويضات. فض اشتباك نسخة الأطباء تهدف إلى تحديد طريقة المساءلة الطبية وفض الاشتباك الجاري بين المرضى والأطباء عن طريق تحديد حقوق وواجبات أطراف الممارسة الطبية والظروف التي تقع فيها مسؤولية على كل طرف وحدود المسؤولية والحقوق والواجبات المترتبة عليها. الدكتور خالد سمير، عضو مجلس نقابة الأطباء سابقا، قال إن الغالبية العظمى من الدول المرجعية ليس لديها قوانين للمساءلة الطبية لوجود تحديد دقيق في واجبات وحقوق لكل أطراف الممارسة الطبية في قوانين تنظيم هذه الممارسة، كما توجد لديها مواد في القوانين المدنية تفرق بين الجرائم ومخاطر ممارسة مهنة الطب. وأكد سمير ل"البديل"، أن المجال بحاجة إلى تطبيق القانون نظرا للفوضى الكبيرة التى وصلت إليها الممارسة الطبية ولقصور القوانين المنظمة للممارسة الطبية والتدهور الكبير في المنظومة وعدم تفريق القانون المدني بين الجرائم ومخاطر مزاولة مهنة الطب، والذي يدفع ثمنه المرضى والأطباء، على حد سواء. حبس الأطباء وحول واقعة طبيب الزقازيق، أوضح الدكتور سمير بانوب، أستاذ الإدارة الصحية بمنظمة الصحة العالمية، أنه لا يجوز لأي مستشفي حكومي أو جامعي أن يفتح أبوابه بالطوارئ أو أن يجري عمليات أو فحوصات طبية إلا عند توفر الأجهزة والمعدات والأدوية اللازمة لهذه الأعمال، ويجب أن تعتمد وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية والحكومية هذه التجهيزات كأهم أولوياتها قبل أي إنفاق آخر على بناء مستشفيات أو علاج على نفقة الدولة أو تنظيم القوافل الطبية أو الإنفاق من الهبات والتبرعات والمنح أو غير ذلك من الأنشطة غير الأساسية. ودوّن بانوب على صفحته الشخصية عبر «فيس بوك»، أنه لا يجوز أن يطلب الطبيب من أي مريض متردد أو مقيم بمستشفى حكومي أو جامعي شراء أدوية أو معدات أو مستلزمات طبية لتقديم العلاج له في جميع الأحوال؛ لتنافيه مع أبسط قواعد الرعاية الصحية السليمة، ولا يحدث في أي بلد تهتم برعاية مواطنيها، مطالبًا أطباء القطاعين العام والخاص بعدم إجراء أي عملية أو علاج لا تدخل في اختصاصهم حتي ولو صدرت له تعليمات شفوية أو كتابية بذلك، وأن يُحاسب إن أخل بهذا الشرط مهنيًا وإداريًا، علاوة على تحمله التبعات الجنائية لهذا العمل. «بهذه المعايير نحمي أطباؤنا من التورط في أعمال يحاسبون عليها».. هكذا اختتم بانوب، مؤكدا أنه من الأهمية أيضًا حماية المرضى من الأخطاء المهنية والممارسات غير المقبولة من خلال تنفيذ معايير الممارسة الطبية السليمة في المستشفيات المصرية. هيئة المسؤولية الطبية ومن جانبه، قال الدكتور إيهاب الطاهر، الأمين العام لنقابة الأطباء، إن الغرض من مشروع قانون المسؤولية الطبية، تحديد مرتكب الخطأ الطبي وحجم الخطأ، والموازاة بين حق الطبيب وحق المريض، والتفرقة بين الخطأ الطبي الذي تقع عقوبته على الغرامة وبين الإهمال الجسيم والذي يختص به قانون العقوبات. وحذر الطاهر من حبس الأطباء بما يؤدي إلى وقف الخدمة الصحية، مشددا على أن نقابة الأطباء لا تتهاون مع أعضائها في حالة وقوع أي أخطاء طبية، وسبق أن وقعت النقابة خلال عام 2014 نحو 12 حكم إيقاف عن مزاولة المهنة و7 أحكام في عام 2015 و5 أحكام إيقاف آخرين عام 2016 وحكم شطب من قيد الأطباء. ولضمان الحيادية، أوضح الطاهر ل"البديل"، أنه تم تشكيل الهيئة من أطباء وغيرهم وبلغ عدد الأطباء بها 4 فقط في مقابل 7 آخرين ليسوا أطباء، وتحدد هيئة المسؤولية الطبية حجم الخطأ وأسبابه وتقدم تقريرا مفصلًا عن الحالة للنيابة العامة خلال مدة أقصاها 30 يومًا، ومن حق المواطن أو الطبيب الطعن على التقرير، ويتم تشكيل لجنة خماسية للفصل في الطعن. في سياق متصل، أكد الدكتور مجدي مرشد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أن النظام المتبع في جميع دول العالم، التفرقة بين الخطأ الطبي والإهمال الجسيم وبين المضاعفات المنصوص عليها في المراجع العلمية، قائلًا: "لا يمكن أن يكون الطبيب مذنبًا دائمًا"، مطالبا بضرورة بحث أسباب مضاعفات الحالة المرضية بعرضها على لجنة متخصصة، ولا يتم الاكتفاء بتقارير الطب الشرعي التي تكون استشارية.