يقال إن بُعدنا عن شريعة الله من صميم خراب أحوال المصريين.. فإن عاد المواطن تقياً كعهده القديم، تائباً عن معصية الحاكم، داعياً له بالثناء علي انتشالنا من مصير التشرد والمخيمات، لإنكشف عنه الحجاب، وانهمرت فوق رؤوس الجميع إنجازات نظام "أد الدنيا"، وعشنا في رحابة ورخاء بدلاً من أنينا الدائم لتعثر وتعسر الرزق. اجتهد النظام الحاكم خلال 3 سنوات ونصف هي كل عمره في السلطة، والمتوقع لها أن تمتد لأجل غير مسمي، في الوفاء بوعوده التي قطعها علي نفسه بتبديل الواقع المُر إلى أجمل، فيملك الفقير كرامته، وترتقي معيشته، وتسود كلمة القانون، ويعلو صوت المعارضين، ويحق لمن يشاء الخروج علي إرادة الحاكم إن نكص وعوده، ويصبح أثناءها تنحي الرئيس عن منصبه "قرآنا" ملزماً في استجابة لأوامر الشعب صاحب السيادة والسطات. كان النظام المصري وفياً لتعهداته تجاه "نور عينيه" بدرجة أذهلت العالم من حولنا، فتحرك المتآمرون بدافع الغيرة من تجربة "أد الدنيا" ونسجوا خططهم السوداء لعرقلة القطار المصري المندفع بقوة إلي الأمام، خشية أن يُسرع أكثر فيفُسد عليهم مآربهم الشيطانية وينازعهم الهيمنة والسيادة علي الكوكب. إن نحيت جانباً التدهور المستمر للتعليم والصحة والعدالة والمساواة والحريات وغيرها من الترهات، لوجدت علي الجانب المقابل في "أد الدنيا" نهضة وانتعاشاً ملحوظين، حيث زادت معدلات الإعجاب بالغلاء، وارتفع سقف حرية التعبير عن "حب الرئيس" لأفق مُذهل، وانخفضت أعداد المصابين بفيروس "أهل الشر"، وضربنا أفضل الأمثلة في الأمانة بإعادة جزيرتين لأصحابهما بعد آلاف السنوات من "الطناش"، إضافة إلي تحقيق نجاحات مبهرة لخطط "تطويق الإعلام"، والقضاء تماماً على خرافة كادت أن تُسمم حياة المصريين البسطاء اسمها "الرأي.. والرأي الآخر". في أسوأ الافتراضات وأكثرها سوداوية، لم يتوقع أحد أن يسقط حلم "أد الدنيا" من سماء الأمنيات بسرعة جنونية ليستقر وحده في القاع.. فالعهود تلاشت في حينها، وتبدلت النبرة الدافئة إلي أخري غليظة وباردة، وزال الفخر من الخطاب لتحل لغة المعايرة والتهديد، وتوزع المعارضون بين السجن والمنفي والصمت القسري، ودخل القانون غصباً إلي القفص الحديدي، وتوحدت سيمفونية النفاق فعلا دويها عن صوت الحق والعدل، كما أصبح لأحمد موسي برنامجاً ومريدين ويسبق اسمه لقب "إعلامي"، وهو ما تحسبونه هين لكنه لو تعلمون أمر عظيم. لن يُمحي من الذاكرة يوم صدقنا لفرط السذاجة أننا سنصبح "أد الدنيا"، فسمحنا للبعض بنية حسنة علي تقدم الصفوف، ومنحناه فيضاً هائلاً من الثقة والاحترام.. وفي ليلة وضحاها أفقنا من تلك الرومانسية الحمقاء علي كابوس مزعج، فوجدنا من كان بيننا وقد أصبح سيداً علينا، مالكاً لأمورنا لا شريكاً لنا، معاقباً "نور عينيه" بأشد العقاب لرفضهم التفريط في الأرض والمقدسات، محذراً بسوء الخاتمة إن تململ أحدنا لضيق الحال، وكأن عليه أن يكتفي ب"مصمصة الشفاة" بدلاً من الانجراف وراء مثاليات الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاسبة المُخطئ. بالغ بعضنا في حلم "أد الدنيا" إلي حد استدعاء نموذج المدينة الفاضلة من الكتب، لكن لم يلبث الحلم حتي تضاءل تدريجياً إلي أن وصلنا ل"شبه دولة".. فلا صوت يعلو علي أصوات السادة أصحاب الفخامة والمعالي، وصار المواطن ضيفاً ثقيلاً علي من يتولون مأكله وملبسه وتعليمه ونظافته، وبالقطع لا يليق أن يطمع الضيف في كرم المضيف فيسأله من أين أتي بالطعام؟ وبكم؟ أو يشكو من رداءته، أو يطلب المزيد منه.. وسيبدو هزلاً حينها لو قرر الضيف الإمساك بمصروف البيت ليتدبر الإنفاق بنفسه أو يعين من يراه صالحاً للمهمة التي أخفق فيها صاحب الدار، فبات استمراره في منصبه مستحيلاً. من هذه اللحظة، أُبشركم بأن حلمكم بالإنسانية لم يعد له مكان علي أرض "شبه الدولة".. فالوطن يتعرض لمؤامرة تهدد بقاءه وتماسكه ووحدته، ولم يعد أمامنا اختيار بديل لإنقاذه سوي الاصطفاف أكثر فأكثر خلف قيادته، والمسارعة بجمع ملايين الأوراق من "عشان يبنيها"، وإن نفذ الحبر منا فبدمائنا سنضع عليها أسماءنا محبة وفداء ل"تحيا مصر.. 3 مرات".