بالتزامن مع ترتيب الأوضاع في المنطقة بعد تصفية جماعة داعش الإرهابية، وتسابق قوى مختلفة للبحث عن دور في تسوية الأزمة السورية، وترقب طرح الولاياتالمتحدة ما تسمى بصفقة القرن لتسوية القضية الفلسطينية، أجرى العاهل الأردني الملك عبد الثاني، محادثات في واشنطن مع شخصيات بارزة في الإدارة الأمريكية والكونجرس، ضمن زيارة عمل رسمية بدأها الخميس الماضي، تناولت التطورات الإقليمية والدعم الاقتصادي الأمريكي للمملكة، وترك الملك الأردني وراءه تساؤلات في أوساط مختلفة عن مستقبل دور بلاده الإقليمي في ظل بروز فاعلين إقليميين أكثر تأثيرًا، بل وصل الأمر إلى حديث عن محاولات من أصدقاء وحلفاء لتهميش دور الأردن. عقد ملك الأردن، الثلاثاء الماضي، سلسلة لقاءات مع مسؤولين أمريكيين، تناولت مجمل التطورات في الشرق الأوسط، والأزمات التي تمر بها المنطقة، ومساعي التوصل إلى حلول سياسية لها، وحسب نشرة رسمية صادرة عن الديوان الملكي الأردني، "عقد الملك عبد الله الثاني في واشنطن، لقاءات مع قيادات مجلس الشيوخ، ورئيسي وأعضاء لجنة المخصصات في المجلس، ولجنة الخدمات العسكرية في مجلس النواب، إضافة إلى اجتماع مع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون"، وتناولت اللقاءات في الكونجرس "آفاق تعزيز التعاون بين الأردنوالولاياتالمتحدة في مختلف المجالات، خصوصا الاقتصادية والعسكرية منها"، إضافة إلى "تجديد مذكرة التفاهم المتعلقة بالدعم الاقتصادي للمملكة للأعوام المقبلة". ويرى مراقبون أن أجندة الملك عبد الله في واشنطن لم تكن تتصدرها العناوين السياسية أو الإقليمية، فالعنوان الأهم بالدرجة الأولى يتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين، حيث استبق الملك الأردني المناقشات المقبلة في الكونجرس وفي أوساط الإدارة الأمريكية لتجديد اتفاقية المساعدات الأمريكية للأردن، لخمس سنوات، ولذلك توجه خلال الزيارة بالدرجة الأولى إلى الكونجرس ولجانه الأساسية المعنية بمثل هذه الاتفاقيات، وهناك اتجاه قوي لإبرام الاتفاق، لكن الملك الأردني حرص أن تكون الأجواء في واشنطن والكونجرس ملائمة وتدعم التوجه لتجديد الاتفاق. وكانت الولاياتالمتحدة التزمت مع الأردن لمدة 5 سنوات، تعهدت خلالها بتقديم 660 مليون دولار سنويا من السنة المالية 2009 وحتى السنة المالية 2014، ووفقا لمصادر مطلعة، فإنّ هناك مفاوضات ما بين الدولتين حول تجديد مذكرة التفاهم للحصول على مساعدات ثابتة على مدى السنوات الخمس المقبلة (2018-2022)، وأن حجم المساعدات سيكون بنفس المعدلات لمذكرة السابقة. وكانت مجلة ال"فورن بوليسي" قد نشرت قبل شهرين تقريرا يؤكد "تقليص المساعدات الخارجية الأمريكية بدءا من العام 2018 لمعظم دول إفريقيا وآسيا، بما فيها الدول الحليفة لواشنطن، كمصر والأردن"، غير أن المجلة أكدت أن "تقليص المساعدات الخارجية للولايات المتحدة، حتى الآن، اقتراح ميزانية فقط وتحويله لسياسات عملية يتطلب تصديق الكونجرس، الذي يتوقع أن يعارض بشدة للأمر، من قبل الجمهوريين أو الديمقراطيين على حد سواء. الزيارة تتزامن أيضًا مع حديث يدور في كواليس السياسة، بأن الأردن تم تهميشه في الآونة الأخيرة، حيث بات فيها أقرب للمراقب منه الطرف الفاعل حتى في الملفات التي تمس بشكل مباشر مصالحه الحيوية بعدما كان ولسنوات طويلة لاعبا بارزا فيها، فرغم إشادة واشنطن المتكررة بالعلاقات الاستراتيجية التي تربطها بعمان، إلا أن أوساطا أردنية لم تعد تخفي قلقها مما تعتبره تبدلا في رؤية الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب، لمكانة الأردن ودوره في ملفات المنطقة الساخنة لصالح عواصم أخرى. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أشار ملك الأردن في زيارته، إلى أن "التوصل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية سيؤدي إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها"، وحذر العاهل الأردني، أمس الأربعاء، من تداعيات نقل السفارة الأمريكية للقدس خلال المرحلة الحالية؛ "لما يُشكله من مخاطر على حل الدولتين وذريعة يستغلها الإرهابيون". إشارات الملك عبدالله الفلسطينية لا تمنع من وجود محاولات لتهميش دور الأردن في الملف، فالأردن خارج التغطية في ملف المصالحة والانقسام الفلسطيني، وفي كل حال تعدى الأمر الهمس في الأردن الذي يشعر كبار موظفيه المعنيين تحديدًا بالملف الفلسطيني بنمو ملاحظ وبطيء وزاحف في السعي مجدداً لتهميش المملكة، أو على الأقل عدم اطلاعهم على المستجدات في القضية الفلسطينية، الأمر الذي يلاحظه ساسة أردنيون ومعلقون كبار يتحدثون عن نقص مريب في هوامش المناورة والمبادرة أمام اللاعب الأردني في مساحة الملف الفلسطيني، خاصة ما تعلق منها بالقدس ومستقبل ملايين اللاجئين الفلسطينيين على أرضه. انحصار الدور الأردني في الملف الفلسطيني، يوازيه بالتساوي المأزق الذي انتهت إليه العلاقات مع المؤسسات العميقة في الكيان الصهيوني إثر جريمة السفارة الإسرائيلية الشهيرة في عمّان، ويبدو أن وجود الملك الأردني في واشنطن قد يكون في إطار تخفيض التوتر مع تل أبيب، فالأخبار التي تتزامن مع الزيارة تقول إن تل أبيب تعتزم تعيين سفير جديد في الأردن سعيا لتهدئة غضب عمان بسبب تعامل السفيرة الحالية مع إطلاق نار ومقتل أردنيين داخل السفارة في عمان. ويبدو أن الأردن يبحث عن عودة طبيعية للعلاقات المتوترة مع الكيان الصهيوني، خاصة أن العلاقات المتنامية بين إسرائيل والسعودية، وهرولة العديد من الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، أفقد الأردن وصفه بأنه أهم صديق عربي للإسرائيليين، بل حتى قدرته على تأدية أي دور حاسم في ملف العلاقات العربية مع تل أبيب. وكان موقع ميدل إيست، نقل قبل أيام عن مسؤول مقرب من الديوان الملكي الأردني، قلق عمان من سعي السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل من أجل إقامة تحالف لمواجهة إيران ومن استعداد الرياض للتنازل عن حق الفلسطينيين في العودة كجزء من صفقة سلام مع إسرائيل، ما يعني تمهيد الطريق أمام السيناريو الوطن البديل رغم تداعياته الخطيرة على الأردن واستقراره.