لا تزال السعودية، بالتحالف مع العدو الصهيوأمريكي، تقرع طبول الحرب هنا وهناك، فعلى الرغم من غرقها في الوحل اليمني، وخسارتها لأحد حلفائها التاريخيين في الخليج "قطر"، وفتح نافذة حرب جديدة في لبنان، فإن المملكة تسعى إلى نقل المعركة إلى قلب فلسطين، لإسقاط القضية المركزية الأهم في الشرق الأوسط وتصفيتها تمامًا، وتحويل المنطقة بأكملها إلى دمية في يد حلفائها الصهاينة، ليكون ذلك تمهيدًا لإعلان التحالف العربي الإسرائيلي، الذي ستقوده السعودية، ليقف الطرفان في نفس خندق المصالح والأهداف والتطلعات. ابتزاز أمريكي سلمت الإدارة الأمريكية، أمس الأحد، مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، رسالة بعدم تجديد ترخيص المكتب في واشنطن، وذلك بالتزامن مع انتهاء الترخيص الذي يجدد كل 6 أشهر، لتكون هذه الخطوة الأمريكية هي الأولى المعادية علانية للسلطة الفلسطينية منذ الثمانينات أو بالأدق منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وعلى الرغم من أن هذا المكتب لم يكن يومًا مفيدًا للشعب الفلسطيني ولم يحقق مصالحه أو يطالب بحقوقه طوال سنوات عمله، ناهيك عن أنه كان عبئًا ماليًا وسياسيًا على الشعب، وأعطى انطباعًا خاطئًا بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية تقيم علاقات صداقة مع الشعب الفلسطيني وذلك عكس الواقع تمامًا، فإن هذه الخطوة المفاجئة طرحت العديد من التساؤلات حول المخطط الصهيوأمريكي الذي يتم طبخه لفلسطين وتشترك فيه السعودية بشكل علني، وهو ما ظهر في الضغوط التي مارسها ولي العهد محمد بن سلمان، على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال زيارته الأخيرة للمملكة قبل أسابيع، والتي طالبه خلالها بالموافقة على أي شروط أمريكية أو إسرائيلية تخص اتفاق السلام المزمع عقده بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وإلا فإن عليه تقديم استقالته. بإنهائها ترخيص مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، يبدو أن أمريكا أخذت على عاتقها مواجهة الانتصارات الدبلوماسية الفلسطينية في المحافل الدولية، حيث تزامنت خطوتها الأخيرة مع تحركات فلسطين نحو انتزاع اعتراف دولي بكونها مستقلة، وخاصة بعد الانضمام إلى منظمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" رغم معارضة إسرائيل الشديدة، وما سبقها من الانضمام إلى أكثر من 50 منظمة واتفاقية دولية منذ تمتعها بوضعية مراقب في الأممالمتحدة عام 2012، ومن أهم هذه المنظمات اليونيسكو، والمحكمة الجنائية الدولية، التي تقدمت فلسطين إليها بطلب للتحقيق في جرائم حرب ارتكبها قادة إسرائيليون ضد الفلسطينيين، خاصة خلال 3 حروب شنتها إسرائيل على قطاع غزة بين عام 2008 و2014، كما رفعت لها الخارجية الفلسطينية مؤخرًا طلبا لتحديد موعد لتقديم ملفي الاستيطان وجرائم الحرب. هذا السيناريو أكده مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، قائلًا إن "قرار إنهاء ترخيص مكتب منظمة التحرير في واشنطن مرتبط بسعي الفلسطينيين إلى محاكمة قادة إسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية"، مبينًا أن مصير مكتب المنظمة سيحسم خلال 90 يومًا، وعلى الفلسطينيين خلالها إقناع الرئيس دونالد ترامب، بأنهم ملتزمون ب"مفاوضات مباشرة وجدية مع إسرائيل"، كذلك، برر وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، قرار بلاده بأن "الفلسطينيين يخالفون قانونًا أمريكيًا ينص على ضرورة غلق بعثة منظمة التحرير إذا ما دفع الفلسطينيون المحكمة الجنائية الدولية إلى محاكمة إسرائيل"، في إشارة إلى البند الذي أدخله الكونجرس الأمريكي عام 2015، وينص على أنه لا يجب على الفلسطينيين محاولة التأثير في المحكمة الدولية بشأن تحقيقات تتعلق بمواطنين إسرائيليين. في ذات الإطار، فإن القرار الأمريكي الأخير يتناسق مع ما كشفته قناة "كان" الإسرائيلية في نهاية سبتمبر الماضي، حول أن تل أبيب تعمل بالتعاون مع أعضاء من الكونجرس على صياغة خطة لوقف نشاط الفلسطينيين في المحكمة الدولية، كما سيعملون على إغلاق مكتب "منظمة التحرير" في واشنطن، وأشارت القناة حينها إلى أن هذه الخطة استعرضت خلال اجتماع ضم نتنياهو وكلًا من سفير الولاياتالمتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان، والمبعوث الأمريكي جيسون غرينبلات، والسفير الإسرائيلي لدى واشنطن رون درمر. على جانب آخر، ربط بعض المراقبين الابتزاز الأمريكي للسلطة الفلسطينية بخطاب الرئيس محمود عباس، الأخير أمام الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، حينما تحدث عن إمكانية رفع مسألة الاستيطان الإسرائيلي إلى الجنائية الدولية، فيما رأى البعض أن القرار هو محاولة أمريكية لثني السلطة الفلسطينية عن التوجه إلى مجلس الأمن للمطالبة بالمصادقة على الخطة الفلسطينية التي تنص على "استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية شريطة أن تقوم الأولى بتجميد أعمال البناء في المستوطنات وتطلق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، وبعد مرور 9 أشهر تقرر إسرائيل الانسحاب من الضفة الغربية خلال 3 سنوات، وأن الحل سيرتكز على حدود العام 67 مع قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدسالشرقية"، وهي الخطة التي تثير المخاوف الإسرائيلية ويقف "الفيتو" الأمريكي حائلًا دون المصادقة عليها. ردود فعل فلسطينية الرد الفلسطيني جاء سريعًا على القرار الأمريكي المفاجئ، فقد أعلن أمين منظمة التحرير، أن السلطة ستعلق اتصالاتها بالإدارة الأمريكية إن لم تعِد بفتح مكتب تمثيل المنظمة في واشنطن، فيما علق وزير الخارجية رياض المالكي، على القرار الأمريكي قائلًا إن "هذا وضع لم يحدث سابقًا، وطلبنا من الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض توضيحات"، مؤكدًا أن الخارجية الأمريكية أبلغته باجتماع ستعقده، اليوم الإثنين، على مستوى خبراء قانونيين لتقييم الموقف. الرئاسة الفلسطينية أعربت، من جانبها، عن "استغرابها الشديد" إزاء الخطوة الأمريكية، قائلة إن "هذا الإجراء الذي يهدف إلى إغلاق مكتب منظمة التحرير خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الأمريكيةالفلسطينية، الأمر الذي يترتب عليه عواقب خطيرة على عملية السلام". الفصائل الفلسطينية أيضا استنكرت القرار الأمريكي، واعتبرت حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" اشتراطات واشنطن لتجديد مكتب منظمة التحرير في واشنطن محاولة لتحصين كيان الاحتلال الإسرائيلي من الملاحقة على جرائمه، ودعت قيادة السلطة إلى رفض هذه الضغوط، والانحياز إلى شعبها، وقالت "حماس" في بيان لها، أمس الأحد: إن عدم تجديد الخارجية الأمريكية الإذن الدوري لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بالعمل، وربط ذلك بانضمام فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية وإحالتها بعض الملفات إلى المحكمة لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة تأكيد للمؤكد من أن الولاياتالمتحدة طرف منحاز بالكامل للاحتلال. وأضافت الحركة أن "واشنطن ليس وسيطًا نزيهًا، بل وأكثر من ذلك فإنه يكفل لمجرمي الحرب الصهاينة الحصانة من الملاحقة على ما يرتكبونه من جرائم بحق شعبنا، ما يشكل لهم ضوءًا أخضر بالاستمرار في ذلك دون أي رادع"، كما استنكرت "حماس" ربط فتح المكتب بانخراط الفلسطينيين في مفاوضات غير مشروطة مع الاحتلال، ودعت القيادة الفلسطينية إلى "رفض كل هذه الضغوط والانحياز إلى شعبها، وتعزيز قدراته على الصمود، وفي مقدمتها تحقيق المصالحة والوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام". ماذا عن المصالحة؟ يأتي القرار الأمريكي ليربك المشهد السياسي الفلسطيني، خاصة أنه يتزامن مع بدء الفصائل الفلسطينية جولة حوار جديدة وشاملة في القاهرة، والمقرر أن يتم خلالها بحث عدد من الملفات أهمها الانتخابات العامة، والوضع الأمني، والمصالحة المجتمعية، والحريات العامة، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، كما يأتي ملف "منظمة التحرير" ليكون من أولويات البحث على الطاولة التي تنوي الفصائل مناقشتها، ووفق مصادر في حركة حماس، فإنها ستركز على هذا الملف بعدما تبين لها أن السلطة تنوي المماطلة في الملفات الأساسية للمصالحة "لذلك لا بد من القفز نحو ملفات أعم"، وأضافت المصادر أن الحركة ستطالب، بل ستصر على فصل رئاسة السلطة عن رئاسة المنظمة.