تتطور العلاقات بين السعودية وإسرائيل في الأعوام الأخيرة على ثلاث محددات رئيسية تراتبية: الأول هو التلاقي ضد إيران كعدو مشترك لكل منهما، والثاني تكثيف هذا التلاقي لدرجة التحالف على أرضية اقتصادية وسياسية وعسكرية، والثالث قيادة العلاقات العربية الإسرائيلية ككل وفق المحددين السابقين وتنحية وتذليل كافة العقبات التي تعيق تجذيرها على نفس المستويات السابقة، بما فيها القضية الفلسطينية التي بات نظر كل من الرياض وتل أبيب تجاهها على أنها عقبة تقليدية تعيق ما هو أفضل لكل منهما. مؤشر هذا التطور يتسارع بشكل مطرد في الأعوام الثلاثة الماضية، وتحديداً منذ أن تولى الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، وتمهيد الطريق لنجله وولي عهده، محمد بن سلمان نحو عرش المملكة، وهو ما تقاطع حتماً مع مسعى تطوير العلاقات بين تل أبيب والرياض، على مستوى خارجي تحديداً خرج من إطار تقليدي يتعلق بطموح الرياض منذ مطلع الألفية الجديدة للعب دور إقليمي أكبر من بوابة "المبادرة العربية للسلام"، إلى حلف إقليمي ضد عدو مشترك، تتقزم بجواره أي محاولة سعودية للاضطلاع برعاية حل أو مفاوضات متعلقة بالقضية الفلسطينية، إلى القفز لمستوى التحالف بجميع مستوياته بعيداً عن محددات "عربية/إسلامية" كانت تمثل بوابة لطموح الرياض الإقليمي في عقد التسعينيات وحتى مبادرة السلام العربية. أيضاً شهدت الأعوام الأخيرة تطور في مفاعيل التلاقي السعودي-الإسرائيلي؛ حيث تخطت مرحلة الأبواب المغلقة والزيارات السرية، والمغازلة الإعلامية على لسان مسئولين، إلى التصريح العلني بوجود علاقات بين الرياض وتل أبيب بحجم وعمق على كافة المستويات يتجاوز ضرورة التصديق الرسمي عليه، فمن محاولات مشتركة لتعطيل الاتفاق النووي ثم مواجهة تداعياته، إلى التنسيق الاستراتيجي تجاه حركات المقاومة، واضطلاع السعودية بتجريم حركات المقاومة ضمن أطر إقليمية ودولية، مثلما حدث قبل عامين من تصنيف السعودية ولأول مرة المقاومة في لبنان كتنظيم إرهابي ثم تعميمه عبر مجلس التعاون الخليجي، ثم الجامعة العربية، وهو الأمر الذي اعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "هدية إستراتيجية لإسرائيل". والجدير بالذكر في هذه النقطة، أن أي تحرك عسكري للمملكة في الخارج كان متقاطعاً مع تل أبيب وبالتشاور والتعاون معها؛ بداية من حرب اليمن في ستينيات القرن الماضي، حيث كان التعاون بين السعودية وإسرائيل ضد مصر وجيشها هناك، وصولاً إلى مرحلة أن تقاطع محددات السياسة الخارجية لكل من المملكة والكيان الصهيوني في المنطقة، بما يشمل التحالف العسكري حالياً في كل من اليمن وسوريا ومؤخراً لبنان، بتدرج يبدأ من التشاور والتعاون الاستخباراتي ورسم سيناريوهات ضربات عسكرية، مروراً بدعم فصائل مسلحة وجماعات إرهابية من جانب كل من تل أبيب والرياض كما في الحالة السورية، وصولاً إلى طلب الحكومة السعودية من إسرائيل شن ضربة عسكرية على لبنان إبان التصعيد الأخير الذي شنته الرياض على بيروت، والذي بدأ باحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وإعلان استقالته من الرياض، في إطار الممارسات السعودية ضد المقاومة في لبنان، كتصعيد منطقي متسلسل بدأ من عامين بمحاولات العزل السياسي والإعلامي والاقتصادي، وصولاً لإمكانية تصعيد عسكري. في هذا السياق وتصديقاً عليه، جاءت مقابلة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، جادي إيزنكوت مع صحيفة إيلاف السعودية، كأول وسيلة إعلامية عربية منذ نشأة الكيان الصهيوني تجري لقاءاً مع قائد عسكري إسرائيلي، وتأتي من زاوية التأكيد على عمق وقوة العلاقات السعودية الإسرائيلية ومدى تطورها واتساعها في السنوات الأخيرة لتصل إلى المستوى العسكري، ليس فقط فيما كُشف وتم التصريح به على هذا المستوى، ولكن على مستوى دعائي وبروباجندا سياسية تؤكد على قوة وغزارة فرص التعاون بين تل أبيب والرياض على هذا المستوى، على لسان صاحب أعلى منصب عسكري في الكيان الصهيوني. تصريح إيزنكوت في هذه المقابلة بأن هناك مشاركات بين الدولتين وتداول معلوماتي على المستوى العسكري يعد التصريح الأبرز من الجانب الإسرائيلي حول عمق العلاقات العسكرية بين البلدين، التي تصل في تجلياتها على المستوى الإعلامي بإجراء هكذا حوار قام عماده على إبراز المشتركات بين تل أبيب والرياض وأولوياتهم المشتركة في الشق العسكري على مختلف الأصعدة والملفات، بداية من إيران مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وغزة. مؤكداً أن إسرائيل والسعودية لم يكونا يوماً أعداء في أي وقت مضى، بل على العكس أشار إلى فرص وإمكانيات تعزيز التحالف بينهم حتى فيما يخص الشأن العسكري. هذه المقابلة التي تأتي في أعقاب التصعيد السعودي ضد لبنان، والتهديد السعودي بشأن ضربة عسكرية تشن على الأراضي اللبنانية، وطلب السعودية من إسرائيل القيام بهذا الأمر الذي ناقض محددات الحرب الإسرائيلية القادمة، وعلاقة السعودية بها ومدى دفعها لاستعجالها، قد تأتي في إطار ضبط الإيقاع بين الحليفين الجديدين تجاه عدوهما المشترك في بلد مثل لبنان، أمر حساس وهام، لأن الإخلال بإيقاع التحالف والتنسيق، واعتماد أحدهما على الارتجال وعشوائية التصرف حسب مستجدات الأمور أمر يخرج عن الفهم والمنهجية الإسرائيلية في التعاطي مع لبنان، الذي يلخص جوانب أمنية وعسكرية وسياسية داخلية وخارجية، وفي حالة الحرب يمثل تهديد وجودي، حسبما يرى مقدري الموقف من عسكريين واستخباراتيين في تل أبيب. وبالتالي فإن تعريض هذا الإيقاع للخلل من قبل السعودية على النحو الذي حدث على مدار الأسبوعين الماضيين استلزم عملية ضبط ما يسميه منظري العلاقات الدولية ب"إعادة مراجعة الثقة"، والتي تستلزم أن اختبار قوة التحالف عبر بديل عن الحرب المؤجلة في حالة التحالف الإسرائيلي السعودي. الأمر السابق يتم عادة عبر تأكيدات رسمية من مسئولين على مستوى الحدث وفي نفس إطاره، وهو في هذه الحالة تم من خلال أعلى مسئول عسكري في إسرائيل يتحدث لصحيفة سعودية مقربة من البلاط الحاكم في سابقة هي الأولى من نوعها في الإعلام العربي، وبالتالي يتجاوز الأمر مجرد "مقابلة صحفية" عابرة دون مدلولات سياسية تشي بأبعاد استراتيجية على الأمدية القريبة والبعيدة فيما يخص العلاقات بين السعودية وإسرائيل؛ أي باختصار شكلت هذه المقابلة فرصة لتأكيد الثقة في التحالف بين الدولتين عبر شرح رئيس الأركان الإسرائيلي عبر صحيفة سعودية لأولويات دولته فيما يخص أساس التحالف بينهما، وضبط إيقاع هذا التحالف والتأكيد على متانته –وليس وجوده ومن ثم التشكيك به- عبر هكذا إجراء من شأنه ليس فقط استيضاح وتبيان عمق التحالف بين السعودية وإسرائيل، ولكن أيضاً والأهم أنه يرقى للتحالف العسكري. وجدير بالذكر أن المقابلة تضمنت التأكيد على الأولويات العسكرية المشتركة بين السعودية وإسرائيل في المنطقة بشكل عام ولكن من وجهة نظر ومصالح الأخيرة؛ حيث شدد إيزنكوت فيها على أولوية تل أبيب المطلقة الخاصة بحدود فلسطينالمحتلة، وتنامي الوجود المعادي للكيان الصهيوني على الحدود السورية واللبنانية. وبخصوص هذا فإن تصريحات إيزنكوت للصحيفة السعودية لا تخرج عن رأي المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في الجدل الدائر في أروقة السياسة واتخاذ القرار في تل أبيب، والتي تتركز في شقها العسكري على أن أي تحرك عسكري بخلاف أولويات التأمين الدفاعي الحدودي ضد إيران وحلفائها، لن يتم دون مشاركة وقيادة واشنطن، وليس حتى بمعية السعودية وغيرها من "الحلفاء العرب" الذين يتنافسوا على توطيد علاقاتهم بتل أبيب في السنوات الأخيرة