تستمر حكومة غزة في تجريف ما تبقى من منطقة تل السكن الأثرية الواقعة جنوب القطاع، في إطار مشروع تعويض الموظفين الحكوميين عن مستحقاتهم بقطع من هذه الأراضي، حيث شرعت السلطة في غزة منذ مطلع العام الجاري في تنفيذ مشروعها، دون مراعاة المعالم الأثرية المهمة في القطاع. كما أن جامعتي فلسطينوغزة تعملان على تجريف جزء من التل لصالحهما، ما أدى لظهور معارضة واسعة من قبل وزارة السياحة والآثار، وحراك نخبوي وشعبي ضد عملية التجريف خلال الشهر الماضي، حتى توقفت عمليات التجريف، ثم تم استئنافها خلال الأيام الماضية. تنديد وإدانة قالت وزيرة السياحة والآثار في حكومة الوفاق الفلسطيني، رولا معايعة، إن كل أعمال التجريف والتخريب التي تحدث في منطقة تل السكن غير شرعية، وسيتم ملاحقة المتسببين بها، حسب القانون الفلسطيني. وكانت وزارة السياحة والآثار، أدانت في وقت سابق من شهر أغسطس الماضي، الأعمال التدميرية الجارية في منطقة تل السكن الأثرية، وقالت في بيان لها، إن آليات تابعة لجامعة فلسطين الدولية، قامت بتجريف الجزء الغربي من التل، بما تسبب في تدمير مبانٍ أثرية، منوهة إلى أن الجامعة كانت قد التزمت في فترة سابقة بعدم المس بالموقع. ولفتت الوزارة إلى تجريف جامعة غزة للبنات، أجزاء واسعة من الموقع الأثري في الجهة الشمالية، امتدت إلى الأعماق، وأكدت وجود اعتداءات مكثفة على الموقع من قبل بعض المواطنين الذين يضعون أيدهم على أجزاء من الموقع الأثري وإقامة بيوت مؤقتة دون ترخيص، إلى جانب نقل الرمال أيضا. وأوضحت الوزارة أن الاعتداءات طالت أجزاء واسعة من الموقع الأثري، لتشمل تدمير طبقات حضارية تعود إلى فترات مختلفة من تاريخ الموقع، تتراوح ما بين التدمير الكامل والجزئي؛ وأعربت الوزارة عن أسفها للتدمير الذي جاء على يد مؤسسات يفترض بها أن تحافظ على التراث الثقافي، لكنها استغلت الظروف السياسية التي تمر بها البلاد، ولم تمتثل للتعليمات الصادرة بوقف أعمال التدمير في الموقع. نبذة تاريخية يعتبر تل السكن من أقدم معالم قطاع غزة الأثرية، حيث يعود تاريخه إلى العصر البرونزي المبكر (3300-2300 ق.م)، وكان أقدم مركز إداري مصري محصّن في فلسطين، وبمثابة المكان الرئيسي للأعمال التجارية بين مصر والمناطق المجاورة لها، وشهد مرحلتين مختلفتين من الاستيطان البشري؛ وهما الحضارة المصرية، والحضارة الكنعانية اللتان تعودان إلى أوائل العصر البرونزي المبكر. ويقع التل شمال وادي غزة الذي يبعد 5 كم، جنوبالمدينة، على تربة رملية بارتفاع 30 مترا عن سطح البحر، وتميز بالمناعة والحصانة بسبب التحصينات المعمارية التي أنشئت فيه على مدار التاريخ، وتم اكتشاف التل عام 1998م أثناء بناء مجمع سكني فيه، حيث ظهرت بقايا كبيرة من الطوب اللبن، إضافة إلى معالم معمارية أخرى، والعديد من القطع الأثرية المتنوعة. وساعد اكتشاف التل في توضيح التاريخ القديم لغزة، وتطور العلاقات المصرية والكنعانية التي مرت بمراحل متعددة مثل: العلاقات التجارية، والعسكرية والإدارة، خلال الألفية الثالثة والرابعة قبل الميلاد. وساعدت الحفريات الأثرية في التل، التي بدأت عام 1999م بالتعاون بين وزارة السياحة والآثار والمركز الوطني للبحوث العلمية الفرنسية على تحديد الملامح الرئيسة له والتأكد من تسلسل المراحل التاريخية التي مرت على المكان، إضافة إلى الحفاظ على التل المُهدد بالتدمير من خلال أعمال البناء في أرضه والمنطقة المحيطة به.