"منذ أسبوع تحددت جلسة محكمة لإصدار إعلام الوراثة الخاص بوالدتي، وقف أمام القاضى اثنان من مساعدى والدى للشهادة، بعد أداء القسم، تراجع القاضي عن الأخذ بشهادة أحدهم لأنه اكتشف أنه مسيحى! وطالب المحامى الخاص بنا بالرجوع بعد أسبوع ومعه شاهدين على أن يكونا مسلمين". بهذه الشهادة نعى رئيس حزب المصريين الأحرار – جبهة ساويرس- ، محمود العلايلي، دولة المواطنة رحمها الله التي أعلن عن وفاتها قبل وفاة والدته ربما بعقود، وتسأل الرجل: "هل يمكن منع مواطن من أحد حقوقه المدنية بسبب ديانته؟، إذا كان هذا هو موقف القضاء من مواطن مسيحى، فكيف لنا أن نشكو الدواعش، ومشايخ التطرف والمغسولة أدمغتهم؟، هل هذا هو القضاء الذى سيقف أمامه مواطن مسيحى يشكو حرق كنيسته أو غلقها أو منعه من الصلاة؟، كيف نشكو من التمييز وندعو لدولة مواطنة فى وقت ينزع عن مواطن أحد حقوقه المدنية الأساسية بسبب ديانته؟". وتابع: "أرى أن الموضوع أخطر من حرق الكنائس وتفجيرها، وأهم من استهداف مواطنين مسيحيين ومنعهم من الصلاة، وأشد تأثيرا من حجب وظائف الدولة العليا عن المسيحيين، لأن الموضوع يتعلق بانتزاع حق أساسي من الحقوق المدنية لمواطن بشكل رسمى أمام هيئة قضائية لأنه مسيحي". انتهى كلام العلايلي، الذي نقله زميلنا الصحفي المخضرم سليمان شفيق المتخصص في الشأن القبطي، على صفحته بموقع فيسبوك، وعلق عليه مئات المواطنين لاعنيين دولة العنصرية والتمييز والطائفية، وناعيين إلى الأمة المادة 53 من الدستور والتي نصت على أن "المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة.. أو لأي سبب آخر". وأضاف أحدهم أن ذات المادة نصت على تجريم "التمييز والكراهية" ومعاقبة كل من يحض عليهما، وبالتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء علي كافة أشكال التمييز، بما فيها إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض. فيما روى آخرون قصصا عن رفض قضاة شهادة أقباط في قضايا مشابهة، ومنها رفض محكمة شبرا الخيمة شهادة مسيحي مع أحد المسلمين في القضية 1824 لسنة 2008، بحجة أن المسيحي لا تجوز شهادته شرعاً على المسلم، وتسأل آخر عما إذا كانت وزارة العدل أو المجلس الأعلى للقضاء اتخذا أي إجراء مع القضاة الذين تبنوا هذا الموقف المعادي للدولة المدنية والذي تجاهل نظامنا القانوني وأعدنا إلى كهوف العصور الوسطى. ما حدث لم يُغضب أقباط مصر الذين تتملكهم مشاعر الاضطهاد والتهميش فقط، لكنه هز وجدان كل من حلم يوما بالدولة المدنية وآمن بشعارات ثورة يناير من عدالة ومساواة وحرية، وانتفض ضد حكم جماعة الإخوان خوفا من تأسيس الدولة الدينية. الدولة الدينية ليست حكرا على جماعات الإسلام السياسي فقط، لكنها متجذرة في ثقافة عموم الشعب الذي يعاير "النصراني" بديانته في القرى والأحياء الشعبية، ويرفض تجمع الأقباط في أماكن للصلاة، ويحذر أولاده من مزاملاتهم في المدارس لأن "المرء على دين خليله"، ويرفض دخولهم أقسام النساء والولادة في كليات الطب حتى لا تكشف نساء المسلمين على هؤلاء الأغيار، وأخيرا تحولت ساحات قضائه إلى محاكم تفتيش. للأسف اجتاحت ثقافة المجتمعات الصحراوية التي لم تعرف على مدار تاريخها آخر، أرض المحروسة، ولم يعد الأمر مقتصرا على نظام سياسي يتعامل مع الأقباط باعتبارهم مواطنين درجة ثانية محرومين من تولي مناصب بعينها في الدولة، فالمجتمع ذاته تصحر ودفع الأقباط إلى العزلة داخل أسوار كنائسهم.