خطوات متسارعة ومتلاحقة تتخذها الإدارة الأمريكية تجاه العديد من دول العالم، وكأنها تتسابق لعزلة دولية وعداوة غير مبررة مع دول كانت قد فتحت معها منذ سنوات صفحة جديدة في العلاقات الدبلوماسية، وتأتي كوبا على رأس هذه الدول، حيث كان الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، قد أغلق صفحة طويلة من العداء الأمريكي الكوبي استمر لحوالي 50 عامًا، عندما قام بزيارة تاريخية لكوبا في عام 2016، لتصبح أول زيارة لرئيس أمريكي لهذه الدولة منذ 90 عامًا تقريبًا، لكن يبدو أن الرئيس، دونالد ترامب، يحاول العودة إلى المربع صفر من جديد. أكد مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن استدعت، أمس الجمعة، أكثر من نصف دبلوماسييها من هافانا، بعد تعرّضهم لهجمات صوتية غريبة أثّرت على وضعهم الصحي، وقال المسؤول إنه تقرر أيضًا تجميد منح التأشيرات الاعتيادية في كوبا لأجل غير مسمى، ودعوة المواطنين الأمريكيين إلى تجنب السفر إلى الجزيرة لأسباب متعلقة بتلك الهجمات التي أثرت على صحة نحو 21 من موظفي السفارة، وأضاف أنه "لحين تمكن حكومة كوبا من ضمان سلامة الموظفين الحكوميين الأمريكيين في كوبا، ستبقى سفارتنا تعمل فقط بالموظفين الذين لا غنى عنهم، وذلك للحدّ من مخاطر التعرض لهذه الهجمات"، وأشار المسؤول الأمريكي إلى أن هؤلاء الموظفين تعرضوا لفقدان السمع ومشاكل في التوازن ومشكلات في النوم وآلام في الرأس. من جانبها جاء رد كوبا على القرار الأمريكي سريعًا، حيث وصفت قرار وزارة الخارجية الأمريكية ب"المتسرع"، وقالت مديرة قسم الولاياتالمتحدةالأمريكية في وزارة الخارجية الكوبية، جوزيفينا فيدال فيريرو: إننا نعتبر القرار الذي أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية متسرعًا، وسيكون للقرار تأثير كبير على العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في مجال القضايا ذات الاهتمام المشترك، فيما ذكر بيان لوزارة الخارجية الكوبية أنه "سيكون من المؤسف تسييس مسألة بهذه الطبيعة واتخاذ قرارات متعجلة غير مدعومة بأدلة دامغة ونتائج التحقيق". تأتي الخطوة الأمريكية الأخيرة المعادية لهافانا بعد أيام من مفاوضات أجراها كل من وزير الخارجية الكوبي، برونو رودريغيز، ونظيره الأمريكي، ريكس تليرسون، حيث قال الأول إنه لم يتمكن خلال مباحثاته مع تيلرسون من إقناع الجانب الأمريكي بأن السلطات الكوبية تفعل كل ما بوسعها من أجل حماية الدبلوماسيين الأمريكيين، فيما أكد تيلرسون أن "المحادثات كانت صعبة وصريحة، وهو ما عكس قلق الولاياتالمتحدة العميق إزاء سلامة موظفينا الدبلوماسيين"، وأضاف أن السلطات الكوبية ملزمة بحماية موظفي السفارة وأسرهم وفقًا لاتفاقية فيينا. هذا الإجراء الأمريكي لم يكن مفاجأة للعديد من المتابعين لسياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه السلطات الكوبية، فطالما انتقد مسؤولون في الإدارة الأمريكية، وعلى رأسهم الرئيس نفسه "دونالد ترامب"، سياسة الدولة الكوبية التي وصفها مرارًا ب"الدولة الفاسدة والمزعزعة للاستقرار"، حيث أكد ترامب منذ انطلاق حملته الانتخابية على اتباع نهج أكثر شدة تجاه كوبا، مشددًا على أنه يعتزم الإبقاء على القيود المفروضة على هافانا، وضم ترامب كوبا إلى الدول التي خصها بالانتقادات اللاذعة من أعلى منبر الأممالمتحدة خلال الدورة ال72 لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما اتخذ الرئيس الأمريكي العديد من الخطوات تجاه تعميق الحظر الاقتصادي على هافانا، حيث أعلن البيت الأبيض، مطلع سبتمبر الجاري، عن تمديد الحظر التجاري المفروض على كوبا منذ عام 1961 ولمدة عام واحد إضافي، والذي كان من المفترض أن ينتهي في 14 من الشهر الجاري، بموجب قانون "التجارة مع العدو". في إطار تصريحات الرئيس الأمريكي وسياساته المعادية لكوبا، ومحاولاته المستمرة لهدم إرث سلفه الرئيس باراك أوباما، أطلق وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تليرسون، قبل أيام، تصريحات مهدت لاحتمال انهيار العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد عامين فقط من فتح صفحة جديدة بينهما، حيث قال تليرسون حينها: إن الولاياتالمتحدة تنظر في إمكانية إغلاق سفارتها في هافانا إذا لم تتوقف هذه الحوادث الغامضة. الجدير بالذكر أن الأزمة الكوبية الأمريكية استعرت في أغسطس الماضي، بعد إصابة عدد من الدبلوماسيين بينهم أمريكيون وكنديون بحوادث فقدان للسمع مجهولة المصدر، حيث تم الكشف عن بعض الأحداث التي أثرت على قدرة موظفي وزارة الخارجية وأقاربهم في كوبا على السمع، وفي نهاية أغسطس أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن 16 موظفًا في سفارتها لدى كوبا أصيبوا جراء "تأثير خارجي" لم يحدد مصدره حتى الآن، فيما نفت وزارة الخارجية الكوبية أكثر من مرة تورط سلطات البلاد في هذه الحوادث، وأعرب رئيس كوبا، راؤول كاسترو، عن "قلقه الشديد" بشأن هذه الحوادث المذكورة، فيما فتحت السلطات الكوبية تحقيقًا موسعًا حول هذه الهجمات، لكن التحقيق لم يحدّد حتى الآن سبب هذه الهجمات أو منفذيها. الخطوات الأمريكية الأخيرة التي تتجه نحو تقليص عدد الدبلوماسيين الأمريكيين في كوبا إلى أكثر من النصف، وتصريحات وزير الخارجية الأمريكي حول إمكانية غلق السفارة الأمريكية في هافانا، كلها مؤشرات توحي بعودة العلاقات الكوبية الأمريكية إلى الخلف 50 عامًا، الأمر الذي يؤثر بالسلب على الإدارة الأمريكية التي فتحت سياساتها الكثير من الأبواب العدائية تجاهها.