رغم التنافس التاريخي بينهما، فإن المصالح السياسية دفعت كلا من إيرانوتركيا لبذل الجهد لمحاولة التقارب والالتقاء حول الأولويات المشتركة؛ مثل إدارة الحرب الأهلية في سوريا، وإبطاء تقدم الأكراد نحو الحكم الذاتي. زار وفد من المسؤولين العسكريين الإيرانيين، من بينهم رئيس فيلق الحرس الثوري الجنرال محمد حسين باقري، تركيا هذا الأسبوع، لمناقشة عدد من القضايا، ويعد هذا الاجتماع هو الأول من نوعه بين البلدين منذ عام 1979، وإذا كانت المصالح المشتركة جمعت بين المتنافسين الآن، ففي تقدير بعض الخبراء أن الآراء المتباينة حول كيفية إدارة ملف عدم الاستقرار في الشرق الأوسط من شأنها أن تخلق صراعًا أكبر من الاتفاق بين أنقرةوطهران على المدى الطويل. يشكل الصراع في سوريا أهمية كبيرة لإيران وكذلك تركيا، وقد يكون من المناسب توصل الطرفان إلى إتفاق بشأن شمال سوريا، وهو ما يمكن أن يهدئ من مخاوفهما الرئيسية في هذا البلد الذي مزقته الحرب، حيث تهتم أنقرة في المقام الأول بتحجيم سيطرة الأكراد الإقليمية على طول حدودها مع سوريا، في حين أن طهران والقوى الموالية التي تدعمها تركز على هزيمة المتمردين في محافظة إدلب، وبعمل كلا الطرفين معًا يمكن لإيرانوتركيا تحقيق أهدافهما، غير أن تعاونهما يمكن أن يزيد من تدهور علاقتهما المتوترة بالفعل مع الولاياتالمتحدة، ومن ثم تأتي روسيا المنافس الرئيسي لواشنطن للتأثير في الشرق الأوسط وتشارك إيرانوتركيا في المناقشات حول سوريا، إذ من المتوقع زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لتركيا قريبًا لمتابعة العمليات في إدلب. على جانب آخر، فمهما كان رأي الولاياتالمتحدة في هذه الترتيبات، فإن التحالف المرتقب بين تركياوإيران في سوريا لن يدوم طويلا، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لا يزال يعارض حكم الرئيس السوري بشار الأسد، في حين تواصل إيران مساندته، وعلاوة على ذلك، لن تتغاضى تركيا عن نفوذ إيران المتزايد عبر حدودها في السنوات المقبلة، وفي الوقت نفسه أصبح الوضع في العراق أكثر هشاشة، فالهجوم الحالي على مدينة تلعفر، من شأنه أن يزيد التوترات وربما يسبب اشتباكات بين القوات المدعومة من تركياوإيران. وفيما يتعلق بمسألة الحكم الذاتي الكردي، يتفق الأتراك والإيرانيون على منع إقامة دولة كردية، وتريد كل منهما وقف الاستفتاء المقبل على استقلال كردستان العراق، رغم أن كل جانب يستفيد من علاقته مع الفصائل في حكومة إقليم كردستان، لكن الاستفتاء الكردي في الأساس يهدد بزعزعة الاستقرار الإقليمي الهش، وإثارة الاضطرابات بين الأكراد في إيرانوتركيا، كما أن طهران قلقة إزاء ما يعنيه استقلال كردستان العراق بالنسبة لمستقبل بغداد الاقتصادي والسياسي. مع وضع هذه المخاوف في الاعتبار، يمكن أن تحاول تركياوإيران التنسيق لوقف الاستفتاء، وفي الوقت نفسه، يعملان معًا لبناء جدار على طول حدودهما المشتركة لمنع المسلحين الأكراد من العبور بينهما، لكن في الوقت نفسه فلن يكون أي من الطرفين مستعدا للتضحية بمصالحه في كردستان العراق لمساعدة الآخر في الحفاظ على سكانه الأكراد، حيث تقدر إيران علاقتها السياسية والاقتصادية مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وتقيم تركيا علاقات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وإذا وحد الإيرانيون والأتراك قواتهما ضد الاستفتاء فسيكونان حريصين على رسم خطوط تعاونهما دون الإخلال بعلاقة حلفائهما الأكراد. تبرهن تركياوإيران على قدرتهما على التعاون بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك على مر السنين، وقد سلط اجتماعهما التاريخي هذا الأسبوع الضوء على مجالين آخرين يمكنهما التعاون فيهما سويًا، وبما أن السعودية تزيد من مشاركتها في المنطقة لحماية مصالحها، يمكن لطهرانوأنقرة أن يضيفا الرياض على قائمة المهام المشتركة بينهما، ولكن على المدى الطويل سيجدان نفسيهما متنافسين لأختلاف أولوياتهما التي لا تزال تفوق بكثير أوجه التشابه.