عندما تتحدث لغة المصالح تذهب كل الاعتبارات والمباديء إلى الجحيم، هذه السياسة التي تتبعها الإدارة الأمريكية، فالفلبينوأمريكا الذي طالما ربطتهم علاقات متوترة بل ومتدهورة بسبب حقوق الإنسان تارة وتصريحات الرئيس الفلبيني التي يسب فيها المسئولين والزعماء الأمريكيين تارة أخرى، عادت لتربطهم اليوم علاقات عميقة وتنسيق عسكري واستخباري، فواشنطن تعتبر الفلبين حليفًا مهمًا في مواجهة أعداءه اللدودين، الصينوروسيا، الأمر الذي يدفعها إلى التمسح في ذلك الحليف الفلبيني. أمريكا تبحث عن موطيء قدم لها يبحث البنتاجون إمكانية إجراء عملية عسكرية في الأراضي الفلبينية؛ لمساعدة حكومة الرئيس «رودريجو دوتيرتي» في حربها ضد مسلحي داعش، حيث قال مسؤولون عسكريون، قد يتم الإعلان عن قرار تنفيذ العملية اليوم الثلاثاء، ومن المرجح أن تركز خطة العملية على توجيه ضربات جوية على مواقع الإرهابيين بواسطة طائرات بدون طيار، وستتيح الخطة، في حال التصديق عليها، للقوات الأمريكية مهاجمة الأهداف التي تمثل تهديدًا لحلفاء أمريكا في المنطقة، ومن بينها الجيش الفلبيني، فيما ذكر الناطق الصحفي للبنتاجون، جيف ديفيس، أن واشنطن تتبادل المعلومات الاستخباراتية مع مانيلا منذ 15 عامًا، ويوجد في الفلبين حاليًا عدد محدود من أفراد الجيش الأمريكي، يساعدون القوات الفلبينية في محاربة مسلحي داعش في محافظة مينداناو الجنوبية، حيث سيطر الإرهابيون على مدينة ماراوي في مايو الماضي. تأتي تلك الأنباء بعد ساعات من لقاء جمع الرئيس الفلبيني، رودريجو دوتيرتي، مع وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، على هامش المشاركة في منتدى «آسيان»، حيث تباحث الطرفان حول مكافحة الإرهاب والعلاقات بين البلدين، وخلال اللقاء أكد تيلرسون أن أمريكا زودت الحكومة الفلبينية بمعدات وطائرات؛ من أجل مساعدتها على فك الحصار الذي يفرضه مسلحون تابعون لتنظيم داعش على مدينة ماراوي جنوبي البلاد، وأوضح أن تلك المعدات تشمل بضع طائرات من طراز سيسنا، وعددًا قليلًا من الطائرات بدون طيار، وأضاف تيلرسون أن تلك المعدات ستساعد مانيلا في إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، الذي يقاتل بطريقة لم يسبق لمعظم الناس التعامل معها، فيما كان ملفتًا عدم تطرق الطرفين إلى الاتهامات التي توجهها واشنطن بشكل دائم إلى مانيلا بانتهاك حقوق الإنسان خلال الحرب على المخدرات. العلاقات الأمريكيةالفلبينية المثير للدهشة أن العلاقات الأمريكيةالفلبينية واجهت العديد من التوترات خلال الأشهر الأخيرة، خاصة مع تولي الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي الحكم في يونيو 2016، وشن حملة واسعة على المخدرات نتج عنها مقتل الآلاف، مما أثار غضب جماعات حقوقية وسياسيين أمريكيين، حيث شهد عهد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، أزمة طاحنة بين الطرفين، خاصة بعد أن كال دوتيرتي الكثير من الشتائم للقادة الأمريكيين، بما فيهم الرئيس أوباما، وأعلن عن نيته طرد القوات الأمريكية الخاصة من الفلبين، وتجميد التدريبات البحرية معها، ولم يكتف دوتيرتي بهذا الكم من الحرب الكلامية والسباب، بل انتقد سياسة أمريكا في الشرق الأوسط، حيث أكد أن أمريكا هي من تصدر الإرهاب وليس الشرق الأوسط، وأن سياسة التدخل التى تنتهجها واشنطن هي التي أدت إلى وقوع هجمات على الأراضي الأمريكية. ووصلت الأزمة بين الطرفين في عهد أوباما إلى حد قطع العلاقات بينهما، خاصة بعد أن سب الرئيس الفلبيني الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ووصفه بأنه «مثلي وابن عاهرة»، وذلك قبل أيام قليلة من لقاء كان مقررًا بين أوباما ودوتيرتي، الأمر الذي دفع الأول إلى إلغاء اللقاء الذي كان مخططًا إقامته على هامش قمة مجموعة دول جنوب شرق آسيا «آسيان» في لاوس. ومع تنصيب الرئيس دونالد ترامب لم يختلف الأمر كثيرًا من جانب الفلبين، حيث سعى ترامب مرارًا إلى التقارب مع سلطات مانيلا، إلَّا أن الأخيرة كانت تبدي دائمًا تمنعها ومماطلتها، مستندة على دعم الحليفين القويين الصيني والروسي، الذي رأى فيهم دوتيرتي خيارًا بديلًا لأمريكا، حتى إنه صرح بذلك علانية في إحدى المناسبات قائلًا: «قد أقطع الصلة في نهاية المطاف وفي الوقت الذي أختاره مع أمريكا، وقد أذهب حينها إلى روسياوالصين». ترامب يعرف جيدًا أهمية الفلبين بالنسبة لنفوذ بلاده، لذلك اختار أن يتغاضى عن كلمات دوتيرتي النابية ولسانه السليط مقابل الحفاظ على النفوذ الأمريكي هناك، حيث أثنى ترامب في بداية تنصيبه على الجهود التي يبذلها نظيره الفلبيني في مكافحة تجار المخدرات، قائلًا، إنه يمارس عملًا رائعًا وتمنى له نجاحًا في ذلك، كما دعا ترامب الرئيس الفلبيني إلى زيارة أمريكا مرارًا، لكن دوتيرتي أكد في المرة الأولى خلال أبريل الماضي عدم حضوره بحجة أن جدول أعماله مثقل بالمواعيد، قائلًا: «أنا الآن مشغول، وليس بوسعي أن أعد بالزيارة، عليّ أولًا زيارة روسيا، وبعدها إسرائيل»، ليذهب دوتيرتي عقب هذا التصريح مباشرة إلى روسيا، في رسالة مناكفة إلى واشنطن، لكن ترامب أعاد الدعوة من جديد قبل أسابيع ليعرب دوتيرتي هذه المرة عن عدم رغبته في زيارة الولاياتالمتحدة، واصفًا إياها بالمقيتة، ومتوعدًا بفتح تحقيق في الجرائم التي ارتكبتها في الشرق الأوسط. ترامب يختار.. النفوذ أولًا تغاضي الإدارة الأمريكية عن سباب الرئيس الفلبيني لبلاده وزعمائها مرارًا، وانتهاكات حقوق الإنسان التي طالما وجهتها واشنطن إلى الفلبين، لا يمكن تفسيره إلى بطريقة واحدة، وهي أنه عندما تتحدث لغة المصالح فإن الاعتبارات الأخرى كافة تذهب إلى الجحيم، فواشنطن تخشى من إغضاب حليفتها الفلبينية؛ حتى لا يدفعها ذلك إلى الارتماء في أحضان خصومها في المنطقة، وعلى رأسها الصين، الأمر الذي يجعل اليابان هي الحليفة الوحيدة لأمريكا في المنطقة أمام التنين الصيني، وهو ما لا ترغبه اليابان بالطبع، خاصة في ظل التوتر القديم بين البلدين، كما أن بقية حلفاء أمريكا لن يخاطروا باستعداء الصين في ظل الموقف غير الثابت لأمريكا في المنطقة. وفي الوقت ذاته تخشى الولاياتالمتحدة من نتائج جهود الصين في محاولاتها للسيطرة على الأراضي والموارد البحرية فيما يتعلق ببحر الصينالجنوبي، وما يقلق الولاياتالمتحدة أيضًا سيطرة الصين الكاملة على بحر الصينالجنوبي وتصبح قوة ذات سيادة في المنطقة، وبذلك إضعاف الوجود الأمريكي في غرب المحيط الهادئ وفي نظام تحالف المحيط الآسيوي، الأمر الذي يدفعها إلى محاولة إقامة علاقات ودية مع دول الجوار الصيني لتصبح ذراع أمريكا هناك الذي يهدد النفوذ والأمن القومي الصيني. في الإطار ذاته فإن العلاقات بين الصينوالفلبين أصبحت متقاربة للغاية، خاصة بعد تولي الرئيس دوتيرتي الحكم، حيث أعرب الرئيس الفلبيني مرارًا عن نيته إقامة علاقات جيدة مع الصين، وفي المقابل أصبح هناك توترًا في العلاقات بين الفلبينوالولاياتالمتحدة؛ بسبب انتقادات حقوق الإنسان التي وجهتها المنظمات والجمعيات والحكومات الأمريكية السابقة، الأمر الذي يربك حسابات أمريكا ويجعلها تبحث عن أي ثغرة عسكرية أو اقتصادية لتثبيت أقدامها داخل الفلبين.