كلما ظهرت مؤشرات حلحلة الأزمة الفلسطينية ورأب الصدع الوطني بين حركتي فتح وحماس تختفي سريعًا وتعود الخلافات والانشقاقات وتبادل الاتهامات مجددًا وبصورة أضخم، فبعد أيام قليلة من لقاء بين قطبي الأزمة الفلسطينية وظهور بوادر اتفاق وطني وحل سياسي للخلاف بينهما المستمر منذ أكثر من عشر سنوات، عادت الأزمة إلى نقطة الصفر بعد اتخاذ الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عددًا من الإجراءات ضد حركة حماس وقطاع غزة. خطوات جديدة لعرقلة المصالحة تطرق الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى ملف المصالحة الوطنية، خلال كلمة ألقاها أمام المئات من أبناء القدس الذين حضروا إلى مقر الرئاسة برام الله، تحت شعار «القدس تنتصر»، بحضور رئيس الوزراء، رامي الحمد الله، وأعضاء من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة فتح ومجلسها الثوري وقادة الأجهزة الأمنية، ورجال دين مسلمين ومسيحيين، حيث قال إن السلطة ستستمر في وقف تحويل المخصصات المالية لقطاع غزة البالغة مليارًا ونصف مليار دولار سنويًّا أي 50% من الميزانية، تدريجيًّا ما لم تلتزم حركة حماس باستحقاقات المصالحة، مشيرًا إلى وجود جهات تسعى لإدامة انفصال قطاع غزة حتى لا تقوم دولة فلسطينية، واتهم عباس حماس بأنها تسعى لاستمرار الانقسام السياسي المتواصل منذ عشر سنوات، وأشار إلى أن مشكلة الكهرباء بغزة مرتبطة باستمرار حماس في تشكيل الحكومة، وإذا ألغيت حكومة حماس سيلغى قطع الكهرباء. رد حركة حماس التصريحات أثارت غضب حركة حماس، التي اعتبرت أن تهديد محمود عباس باتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية ضد أهل قطاع غزة، يعتبر إصرارًا من السلطة على سياسة فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وأنه مازال يضرب بعرض الحائط كل مساعي المصالحة الوطنية، وقال الناطق باسم الحركة، حازم قاسم: ما تفعله السلطة في رام الله هو حرمان قطاع غزة من الأموال التي يدفعها سكان القطاع كضرائب، والتي يجمعها الاحتلال على المعابر ويحولها للسلطة، في سياسة تناغم واضحة بين السلطة في رام الله والاحتلال، وأضاف أن خطوات رئيس السلطة كان لها تداعيات كارثية على الحياة في قطاع غزة، وتسببت في سقوط شهداء من المرضى، وتلك الخطوات تقاطعت بشكل متزايد مع خطوات وأهداف الحصار الإسرائيلي، واختتم قائلًا: إصرار الرئيس عباس على رفض المصالحة، وتعزيزه للانقسام بخطواته العقابية ضد القطاع يساهم في إضعاف الجبهة الداخلية في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية لمقدسات شعبنا. بوادر ذوبان الجليد يأتي هذا التصعيد السياسي الجديد والمفاجئ بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية بعد أيام قليلة من اجتماع بحث خلاله وفد من حركة حماس برئاسة ناصر الدين الشاعر مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، سبل إنهاء الانقسام الفلسطيني القائم منذ عام 2007، وجرى الاجتماع في مقر الرئاسة الفلسطينية بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية، ووفق مصادر واكبت الاجتماع فقد استعراض الأوضاع العامة، وسبل تعزيز الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام السياسي، وإعادة اللحمة للأرض والشعب الفلسطيني. وفي الإطار ذاته، أعلنت حركة حماس، الخميس الماضي، عن مبادرة سياسية جديدة لإنهاء الانقسام من سبع نقاط، تركز على استعداد حماس لحل اللجنة الإدارية الحكومية التي شكلتها في مارس الماضي وأغضبت السلطة، فور استلام حكومة الوفاق الوطني مسؤولياتها كافة بقطاع غزة، وإعادة الخدمات إلى القطاع وتسكين موظفيها في كشوف السلطة، حيث قال عضو المكتب السياسي في حماس، صلاح البردويل، إن حركة حماس تمد يدها للمصالحة الفلسطينية على أسس واضحة وسليمة، مطالبًا ب«الإلغاء الفوري لكل الإجراءات التي فرضت على غزة بحجة تشكيل اللجنة الإدارية الحكومية». السجال السياسي الذي اشتد مؤخرًا بين قطبي الأزمة الفلسطينية، علق عليه القيادي عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، رباح مهنا، قائلًا: «خطأ من عباس الذي يعاقب غزة معتقدًا أنه بذلك يعاقب حماس، لكنه في حقيقة الأمر يعاقب الجمهور الفلسطيني في القطاع، ويضعف صموده ومقاومته، عوضًا عن أن جمهور فتح نفسه يبتعد عن مناصرته، ويتجه أكثر لتيار دحلان»، مضيفًا أن مشروع فصل غزة بمساعدة محمد دحلان وبمساعدة بعض الدول العربية والإقليمية هو مشروع وارد جدًّا، وهناك خطوات ستؤدي فعليًّا لذلك، داعيًا عباس إلى وقف كل الخطوات التصعيدية تجاه غزة. فتش عن الضغوط الأمريكية الإسرائيلية الخطوة التي اتخذها عباس بشكل مفاجئ جاءت بعد أيام قليلة من تصويت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، الخميس الماضي، بالأغلبية على تشريع جديد يهدف لوقف دعم الولاياتالمتحدة للسلطة الفلسطينية في حال لم توقف الأخيرة دفع رواتب للأسرى في السجون الإسرائيلية، حيث حظى التشريع الذي أطلق عليه اسم «تايلور فورس» على موافقة 17 عضوًا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فيما أعلن 4 آخرون رفضهم من أعضاء اللجنة المكونة من 21 عضوًا، ويطالب التشريع بتكليف لجنة بوزارة الخارجية الأمريكية لمتابعة الأموال التي تدفع للسلطة الفلسطينية، من خلال إعداد تقارير سنوية لضمان عدم وصل شيء من المساعدات المادية لعائلات منفذي العمليات ضد إسرائيل. ربط بعض المراقبين بين التشريع الأمريكي الجديد وخطوات عباس الأخيرة ضد قطاع غزة وحركة حماس، حيث تعتبر خطوة وقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية ورقة ضغط تلعب بها الإدارة الأمريكية لتوريط السلطة والتضييق عليها اقتصاديًّا، فتتجه بالنتيجة إلى التضييق على حركة حماس وقطاع غزة الذي يشكل الخطر الأكبر بالنسبة لإسرائيل، حيث يبلغ التمويل الأمريكي الحالي إلى السلطة الفلسطينية نحو 260 مليون دولار سنويًّا، ويتم تقسيم هذه الأموال إلى ثلاث حقائب مركزية، الأولى تتألف من حوالى 70 مليون دولار وتخصص لرسوم الكهرباء والاستشفاء في الضفة الغربية، بينما الثانية البالغة قيمتها 85 مليون دولار، فتتألف من مساعدة أمريكية بالكاد ترتبط ب«السلطة الفلسطينية»، حيث إن معظم هذه المشاريع تتعلق بالطرق وتحلية المياه والتعليم والحوكمة الجيدة، في حين تخصص الحقيبة الثالثة المؤلفة من مبلغ 106 ملايين دولار لمشاريع مستقلة، تشمل عدة مبادرات تعليمية ومشاريع تطوير في القطاع الخاص.