ترسل هيئة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلى معظم البلدان التي مزقتها الحرب على وجه الأرض قواتها، لمساعدتها على الانتقال إلى السلام، ولكن يبدو أن ذلك ظاهريًّا فقط، لأن الحقيقة أنهم متهمون بارتكاب جرائم ضد الشعوب التي يفترض أن يحموهم. قال موقع أوول أفريكا: وفقًا للتحقيق الذي أجرته وكالة أنباء أسوشيتد برس، بين عامي 2004و2016، تلقت الأممالمتحدة حوالي 2000 ادعاء بالاستغلال والانتهاك الجنسي ضد قوات حفظ السلام التابعة لها. وتابع الموقع أن الأممالمتحدة تقول إن لديها سياسة عدم التسامح مطلقًا مع الاستغلال والانتهاك الجنسيين، لكن الناجين والناشطين والمحامين ومنظمات حقوق الإنسان يقولون إن هذه الجرائم سمح لها بالاستمرار والإفلات من العقاب. وأضاف الموقع: من خلال المحادثات مع قوات حفظ السلام والمسؤولين في الأممالمتحدة وخبراء الشؤون الإنسانية والأكاديميين والباحثين والناشطين، وكذلك من خلال التحقيق في بيانات الأممالمتحدة، تتبين الإجابة عن السؤال الهام: كيف أصبحت بعض قوات حفظ السلام كالحيوانات المفترسة؟ ويتبين أيضًا ما إذا كان مفهوم حفظ السلام كله معيبًا، أو أن الأممالمتحدة ترسل الناس الخطأ للحفاظ على السلام. مقاتلون من أجل السلام! ذكر الموقع أن الخبراء يقولون إن حفظ السلام مفهوم غامض ومتناقض، فالعسكريون، بحكم عملهم، يطالبون بنوع عنيف من السلوك حتى يتحقق الانضباط العسكري ولو بالعدوان، غير أن الباحثين بول هيغات، المحاضر في مدرسة علم الاجتماع والسياسة والدراسات الدولية في جامعة بريستول في المملكة المتحدة، ومارشا هنري، أستاذة مشاركة في معهد النوع الاجتماعي في كلية لندن للاقتصاد في المملكة المتحدة، يقولان إن عمليات حفظ السلام تتطلب مجموعة مختلفة من القيم والعواطف، مثل الحياد والتعاطف، تلك الصفات التي ربما لم يثبطها التدريب العسكري التقليدي". وفي عام 2000 أقر قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1325 بأن النزاع المسلح يؤثر على النساء والرجال بطرق مختلفة، ولكن ما يعنيه هذا القرار عمليًّا غير واضح. وتقول نينا ويلن، نائبة رئيس تحرير مجلة "حفظ السلام الدولية" وزميلة ما بعد الدكتوراه ومقرها بلجيكا، إن القرار يوجه الانتباه إلى "دور المرأة ومشاركتها في عمليات الصراع والسلام"، كما أنه "يرسم صورة أساسية للنساء في الصراع، وعمليات السلام بأنها سلمية بطبيعتها وهشة". ويعتقد كيلي- جو بلون، وهو قائد مشروع سابق للعدالة الدولية في معهد العدالة والمصالحة في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، أن التركيز على الاغتصاب كسلاح من أسلحة الحرب يعقد النهج الذي يتبعه أولئك الذين يعملون في المجال العسكري. وتقول بلوين إن أطر عمل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لشؤون المرأة والسلام والأمن تنظر إلى حفظة السلام كجزء من حل العنف الجنسي، بدلاً من التواطؤ فيه، ويجب أن نتوقف عن النظر إلى العنف الجنسي الذي يرتكبه حفظ السلام باعتباره متميزًا من الناحية المثالية عن الأشكال الأخرى للعنف الجنسي. أحد أعراض العنصرية أشار الموقع إلى أن العنف الجنسي الذي قامت به العديد من العناصر داخل قوات حفظ السلام هو أيضًا أحد أعراض العنصرية ومشاعر التفوق تجاه المجتمعات النامية، التي غالبًا ما تكون في صلب صناعة حفظ السلام، وزاد عدد حالات الاستغلال والانتهاك الجنسيين من جانب قوات حفظ السلام في البعثات بجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى وهايتي وليبريا وجنوب السودان وساحل العاج، مقارنة بجميع بعثات الأممالمتحدة الأخرى مجتمعة، والعديد من الأماكن الأكثر تضررًا هو المستعمرات الفرنسية السابقة، التي ما زال الاستعمار الماضي مؤثرًا فيها، والتي ما زالت تعاني من الاستعمار الحديث تحت وطأة قوات الأممالمتحدة وبعثات حفظ السلام التي لا تتعامل بحياد. هل ينبغي أن يكون هناك عدد أكبر من قوات حفظ السلام النسائية؟ من بين القضايا المتكررة التي أثارها الخبراء وموظفو الأممالمتحدة انخفاض عدد النساء المشاركات في عمليات حفظ السلام، حيث تنتشر النساء كرجال شرطة وعسكريين ومدنيين، وكان لهن أثر إيجابي على بيئات حفظ السلام، سواء في دعم دور المرأة في حماية حقوقها أو في بناء السلام، وهناك حوالي 3700 من أفراد حفظ السلام في إفريقيا، منهم 1200 من أفراد الشرطة من النساء. ورغم زيادة عدد النساء في الدوريات العسكرية التابعة لقوات حفظ السلام، إلا أن هذا العدد لن يغير التسلسل الهرمي التشغيلي الذي يسيطر عليه الرجال. هذه القوات تعمل ببربرية تحتاج إلى التحضر، خاصة عندما نعلم أن جميع البلدان الإفريقية بلا استثناء من التي عملت بها قوات حفظ السلام ارتكبت بها جرائم، بل في عام 1999 تم الكشف عن عصابة للاتجار بالجنس من قوات الأممالمتحدة التي تعمل في البوسنة، وتبرر الأممالمتحدة جرائم قواتها بأنها ليس لها أي علاقة بسياسة منظمة الأممالمتحدة، بل بالذكورة العسكرية، بدليل أن النساء في قوات حفظ السلام لم يسبق لهن ارتكاب أي جرائم في الدول التي خدموا بها. وتعتبر تصريحات الأممالمتحدة تلك إدانة أكبر لها، ولا تعفيها من المسؤولية؛ لأن تلك التصريحات تفجر تساؤلاً هامًّا: هل هؤلاء الجنود مدربون على القتل أم على الإنسانية؟ وكيف ترسل الأممالمتحدة هذه القوات لحفظ السلام وهي على علم بأنها غير مؤهلة لذلك؟ خاصة وأن هناك جرائم ستظل وصمة عار في جبين قوات حفظ السلام، كتلك الجريمة البشعة التي حدثت في عام 2008 بساحل العاج، عندما قامت قوات حفظ السلام باغتصاب الطفلة إليزابيث البالغة من العمر 13 عامًا، وألقت بها في حقل قريب من منزلها، هذا بالإضافة الى العديد من الجرائم التي ارتكبت في إفريقيا الوسطى ومساعدة قوات الآنتي بالاكا المسيحية على حساب قوات سيليكا المسلمة، ولم تتعامل بحيادية لحفظ السلام، بل قامت بتأجيج الموقف، ومنذ عام 2010 كان هناك 30 ادعاء بالاستغلال والانتهاك الجنسيين في إفريقيا الوسطى وحدها، وأكثر من ألف ادعاء في القارة.