حاول الملك المغربي، محمد السادس، من خلال خطاب الأمس، احتواء الغضب المتصاعد في الشارع المغربي تجاه حكومته، ففي خطابٍ ألقاه بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لاعتلائه العرش وجه محمد السادس انتقادات لاذعة للنخب والقوى السياسية في بلاده، وقال إن بعض السياسيين انحرفوا بالسياسية، كما أن المواطن لم يعد يثق بهم. وسبق الخطاب الملكي محاولة أخرى لاحتواء الأزمة المغربية، حيث أصدر العاهل المغربي السبت الماضي عفوًا شمل عددًا من معتقلي "الحراك" في منطقة الريف بشمال البلاد، وفقما أعلنت وزارة العدل المغربية، فقبيل إلقائه الخطاب المتلفز، أوضحت وزارة العدل في بيان لها أنّ الملك أصدر عفوًا عن 1178 شخصًا، بينهم عدد من معتقلي "الحراك" الذي قام على خلفيّة مطالب تنموية تندّد ب"تهميش" الحسيمة في منطقة الريف، وبحسب وزراة العدل فقد تم العفو عن المعتقلين الذين لم يرتكبوا جرائم أو أفعالاً جسيمة في الأحداث التي شهدتها منطقة الحسيمة شمال المغرب، إضافة إلى شباب منتميين لحزب العدالة والتنمية المغربي، والمعتقلين بتهمة الإشادة بالإرهاب، وذلك اعتبارًا لظروفهم العائلية والإنسانية، كما جاء في البيان. وتشهد الحسيمة اضطرابات منذ أكتوبر من العام الماضي، بعد مقتل بائع سمك داخل شاحنة نفايات، ما أدى إلى سلسلة تظاهرات واشتباكات مع قوات الأمن؛ احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية الصعبة والفساد في المنطقة، وأسفرت الأحداث عن إصابة العشرات من رجال الشرطة وعدد من المتظاهرين. في خطاب العاهل المغربي وجه انتقادات للمؤسسات الإدارية والنخبة السياسية قائلًا إن تخاذل الأحزاب السياسية وممثليها عن القيام بدورها زاد من تأزم الأوضاع، ووضع القوات الأمنية في مواجهة مع المواطنين، في إشارة إلى الأحداث الأخيرة في الحسيمة. في الوقت ذاته دعا الملك إلى تطبيق الدستور وآليات المحاسبة على كافة المسؤولين بلا استثناء وفي جميع أنحاء البلاد، وقال الملك المغربي "ممارسات بعض المسؤولين المنتخبين تدفع عددًا من المواطنين وخاصة الشباب للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات، لأنهم بكل بساطة لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل، فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يطبق أولًا على كل المسؤولين بدون استثناء وتمييز وبكافة مناطق المملكة". وأشار الملك المغربي إلى أن المغرب مقبل على مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوقه وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها من التهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب. وشدد الملك كذلك في خطابه على أنه لا نقاش في قضية الصحراء حسب قوله، مشيرًا إلى أن الأولولية في المملكة في الوقت الراهن هي التنمية والمساواة. ويرى مؤيدو النظام في المغرب أن الرسالة الرئيسية التي أراد الملك أن يبعث بها من خلال هذا الخطاب بأنه ستتم محاسبة كثيرين على ما يعتبر تقصيرًا في مجال إنجاز المشاريع التنموية، كما أن هناك جانبًا آخر من هذه الرسالة وهو الأداء الإداري في القطاع العام في مؤسسات الدولة، خاصة في الوزارات والإدارات الحكومية، وربما تبدأ عملية إصلاح إداري وسياسي قد تصل حتى إلى حد التعديل الوزاري. في المقابل رأى المعارضون المغاربة، ومنهم سعيد السكني، عضو الكتابة الجهوية للنهج الديمقراطي في أوروبا، أن في خطاب الملك أشياء قالها الشعب من قبل، وهذا يعني أن الفساد كان مرتبطًا بالنظام السياسي ولا يمكن حله إلا بإجراءات واضحة تستجيب أولًا لمطالب الشعب، مشيرين إلى أن الخطاب لم يتطرق لمطالب حراك الريف، ولم يتطرق لإطلاق سراح قادة الحراك، فالمصدر الحكومي المغربي قال إنّ عدد معتقلي "الحراك" الذين شملهم العفو بلغ 40 شخصًا، غير أنّ المصدر نفسه أوضح أنّ زعيم "الحراك" ناصر الزفزافي غير مشمول بالعفو. وأكد المعارضون أنه في النظام الديمقراطي الشعب ينتظر أن تتحمل المسؤولية دولة العدالة والقانون، فهي التي تتابع المشاريع وتسهر على إنجازها، وبالتالي لا محل من الإعراب لامتعاض الملك المغربي من تأخر المشاريع التي أمر بها قبل عامين ولم تنفذ حتى الآن في منطقة الحسيمية. وفيما يتعلق بالمفسدين في المغرب، يقول السكني إن هناك فاسدين واضحين يمكن أن يتم محاسبتهم من قبل الملك كواقعة قتل بائع السمك، وبالتالي المؤسسات الحكومية لا تقوم بعملها، وهي مؤسسات انتخبها فقط 20 في المائة من الشعب المغربي، وليس لها أي تمثيل حقيقي، والمطلوب هو إعادة النظر في الاستراتيجية العامة التي تسير عليها البلاد، والتي تتميز بالقمع وبمزيد من الخصخصة والنهب والفساد. ومنذ مقتل بائع سمك سحقًا داخل شاحنة لجمع النفايات في الحسيمة، نُظّمت على مدى أشهر تظاهرات سلمية شبه يومية في مدينة الحسيمة وبلدة أمزورين المجاورة، للمطالبة بالتنمية في منطقة الريف، التي يعتبرون أنها مهمشة ومهملة من السلطات. ولم يسهم إعلان السلطات عن خطة استثمارات واسعة ومشاريع للبنى التحتيّة في نزع فتيل الأزمة. وعمدت السلطات في الأشهر الأخيرة إلى التشدد في التصدي للتحركات الاحتجاجية، وتضاعفت الصدامات مع الشرطة التي كانت تسعى لمنع التظاهرات، ومنذ مايو 2017 تم اعتقال أكثر من مائة شخص من قادة الحراك، أبرزهم الزفزافي.