بعد مماطلة وتعنت صهيوني استمر لأسابيع، سقطت عنترية الاحتلال الإسرائيلي أمام صمود المقدسيين، وعمت الأفراح في القدسالمحتلة، وانطلقت التكبيرات وسط مشاعر فياضة، عبر خلالها المقدسيون عن فرحتهم بانتصارهم على مخططات الاحتلال وفتح المسجد الأقصى وإزالة البوابات الإلكترونية، ووسط هذه الأجواء يبحث كل طرف عن نسب هذا الإنجاز لنفسه، فالزعماء العرب وخاصة الخليجيين الذين لم يسمع أصواتهم خلال أسابيع الأزمة خرجوا لينسبوا الفضل لاتصالاتهم المزعومة مع الاحتلال، والسلطة الفلسطينية خرجت لتنسب النصر لما أسمته الضغوط التي مارستها على الاحتلال، لتبقى الحقيقة واضحة على الرغم من كل هذا اللغط، وهي أن تضحيات المقدسيين، الشهداء منهم والمصابين، هي التي صنعت النصر. احتفالات برضوخ الاحتلال بعد أكثر من أسبوعين من الشد والجذب والمواجهات والتهديدات والمماطلات، رضخ الاحتلال الصهيوني لإرادة وصمود المقدسيين، وأعاد فتح باب حطة أمس الخميس، وذلك بعد احتشاد عشرات الآلاف على الباب ليدخلوا المسجد الأقصى، وسط تأكيدات بعدم دخول المسجد، والعودة للاعتصام إذا لم تُفتح جميع الأبواب التي أغلقها الاحتلال، حيث أطلق المعتصمون هتافات رافضة لإغلاق الاحتلال للباب، مشددين على استعدادهم للاعتصام والتضحية حتى عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 14 يوليو بشكل كامل. كان مدير المسجد الأقصى المبارك، الشيخ عمر الكسواني، قد أكد أمام حشد مع المصلين عند باب الأسباط، العودة للاعتصام إذا لم يفتح الاحتلال باب حطة المغلق حتى الآن، وقال الكسواني: إذا لم يفتح باب حطة سنعود إلى المربع الأول، أي العودة للاعتصام على أبواب المسجد الأقصى. أمام هذا الصمود الفلسطيني وهذه الهتافات التي هزت قلوب الاحتلال رعبًا، رضخ المحتل لمطالب المقدسيين وفتح باب الحطة، ليدخل الفلسطينيون مرددين تكبيرات النصر، حاملين بعض العلماء والشيوخ الذين كانوا في طليعة الاعتصام طوال الأيام الماضية على الأكتاف، فيما اعتلى بعض الشباب أبنية الأقصى ليرفعوا الأعلام الفلسطينية، وذلك بعد النصر على الاحتلال الذي رفع الممرات الحديدية والكاميرات التي كان قد نصبها على مداخل الأقصى، وإعلان عودة الأوضاع لما قبل 14 من الشهر الجاري. محاولات سرقة انتصار المقدسيين وسط أجواء النصر خرج العديد من الأطراف للتمسح في الأقصى والإنجاز المقدسي وإظهار أنفسهم الوصايا على الأزمة ووسطاءها، حيث ادعت السلطات السعودية أن اتصالات الملك هي ما أفضت إلى ما أسمته "إلغاء القيود" على الدخول للمسجد الأقصى، وقال الديوان الملكي السعودي إن اتصالات الملك السعودي بزعماء الدول وبالولايات المتحدةالأمريكية هي التي أثمرت إلغاء إجراءات الاحتلال في المسجد الأقصى، وجاء في البيان أن المملكة تؤكد على أهمية تحقيق السلام العادل والشامل للقضية الفلسطينية وفقًا لمضامين مبادرة السلام العربية ورؤية حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. المثير للدهشة أن بيان الديوان الملكي السعودي لم يذكر أيًّا من تضحيات ونضال المقدسيين خصوصًا والفلسطينيين عمومًا لفك الحصار، كما وصف ما قام به الاحتلال في الأيام الماضية ب"القيود المفروضة" على الدخول للمسجد، وليس بالاعتداءات أو الجرائم أو محاولات التهويد أو الانتهاكات. في ذات الإطار انتشر هاشتاج "الأقصى في قلب سلمان" على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، حيث حصد الهاشتاج موقعًا متقدمًا في كل من فلسطين والأردن والسعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين، وحسب نشطاء في عالم الشبكات الاجتماعية، فإن نشطاء سعوديين قاموا بإطلاقه في دول الخليج تأييدًا للملك السعودي، لكن في الوقت نفسه لاقى الهاشتاج سخرية كبيرة من بعض الدول العربية، وخاصة فلسطين، خاصة بعدما كشفت الصحافة العبرية عن أن الملك سلمان أبدى تفهمه لتركيب البوابات الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى، حيث أطلق أحد النشطاء تغريدة لخصت الوضع، قال فيها: اليمن في قلب سلمان يساوي كوليرا، قطر في قلب سلمان تساوي طرد المُعتمرين والحصار، الأقصى في قلب سلمان يساوي مُصيبة الله يستر منها. على جانب آخر خرج الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ليظهر نفسه قائد وزعيم المعركة النضالية، فزعم أن التهديد الذي أطلقه بوقف التنسيق الأمني هو ما دفع الاحتلال إلى إلغاء إجراءاته وانتهاكاته في الأقصى، حيث زعم أبو مازن أن اتصالات مكثفة أجريت مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، ومع ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، والعاهل المغربي، الملك محمد السادس، والرئيس عبد الفتاح السيسي، ومُباشرة الأمور معهم بالتفصيل، فضلًا عن متابعة الأوضاع مع الجامعة العربية والقمة الإسلامية والأمم المتحدة، وتكللت كل هذه الجهود بإزالة إسرائيل لأجهزتها في المسجد الأقصى. وأشاد أبو مازن في مستهل اجتماع للقيادة عقد في مقر الرئاسة الفلسطينية بمدينة رام الله، بجهود الملك السعودي في إعادة الأمور إلى نصابها في المسجد الأقصى، كما أشاد بصمود المقدسيين مسلمين ومسيحيين في وجه إجراءات الاحتلال بحق المسجد الأقصى، وأن وقفتهم كانت من أجل أن يحق الحق ويزهق الباطل، وأضاف: الجميع كانوا على موقف رجل واحد، لم يرجف لهم جفن، ولم تفت لهم عزيمة، وكلهم أعلنوا أن الصلاة بالأقصى تتم إذا ما عادت الأمور إلى ما قبل 14 يوليو، وتابع: القرارات كلها التي اتخذتها الحكومة سيتم تنفيذها كما كانت، وما يهمنا استمرار دعم أهلنا وصمودهم في أرضهم وفي بيتهم وفي وطنهم، في القدس الشريف. الحقيقة واضحة.. النصر للمقدسيين تبقى حقيقة أن من قدّم الأرواح والدماء دفاعًا عن المقدسات الفلسطينية الإسلامية، ووقف أمام الغطرسة الصهيونية، وأجبر الاحتلال على التراجع عن مواقفه الإرهابية في القدسالمحتلة، هم المقدسيون رجالًا ونساءً وأطفالًا وشبابًا، وليس الزعماء العرب الذين لم يخرجوا بتهديد واحد للاحتلال ولو حتى إنشائيًّا، ولم يُسمع حتى أصوات إدانتهم، ولم يبادروا بقطع العلاقات مع الاحتلال مثلما يفعلون مع أشقائهم بسهولة، ولم يذهب أحدهم للأراضي المحتلة لمؤازرة المرابطين هناك، أو يرسل قواته وطائرته مثلما يرسلها للدول العربية الأخرى للفتك بأهلها، لكن ربما يكونون قد اكتفوا باتصالات هاتفيه أو مساومات رخيصة مع الاحتلال لحل الأزمة أو بالأحرى لاستغلالها كذريعه للتقرب من إسرائيل والتعاون معها.