دخل قطاع غزة في الآونة الأخيرة اهتمامات الأممالمتحدة، بعد سنوات من التجاهل وغض الطرف عن المآسي والمعاناة التي يشهدها من نقص حاد في الغذاء والسلع الأساسية والكهرباء والطاقة وارتفاع معدل البطالة، لتعيد بتقريرها الذي صدر مؤخرًا عن غزة أنظار المتابعين تجاه القطاع، الذي قالت عنه إنه قد يكون بالفعل غير صالح للحياة. وقال منسق الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية روبرت بايبر في الأراضي الفلسطينية المحتلة إن «كافة المؤشرات تسير في الاتجاه الخاطئ», مضيفًا "بعد إصدار تقرير عن الأوضاع في غزة، توقعنا قبل عدة سنوات أن يصبح قطاع غزة غير صالح للحياة، استنادًا إلى مجموعة من المؤشرات، والموعد النهائي يقترب فعليًّا بشكل أسرع مما توقعنا". وتابع "عندما تقتصر الكهرباء على ساعتين يوميًّا كما حدث هذا الأسبوع، وتقارب معدلات البطالة بين الشبان 60%، ويتم الحد بشكل كبير من حصول الأشخاص الأكثر ضعفًا على الخدمات الصحية المتقدمة، أعتقد تجاوُز الحد الأدنى لمستوى حياة مقبولة بأشواط"، ولكنه أشار إلى أن "أهل غزة بطريقة ما يواصلون المضي قدمًا" رغم الصعوبات، ووفقًا لتقرير الأممالمتحدة، الذي صدر بعنوان "غزة- بعد 10 سنوات"، فإن أكثر من 95% من المياه في قطاع غزة غير صالحة للشرب، بينما انخفضت إمدادات الكهرباء بشكل خطير في الأشهر الأخيرة، واقتصرت على بضع ساعات يوميًّا. الحصار الإسرائيلي في الفترة الأخيرة اشتد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، بعد سنوات من الحرب التي نتح عنها دمار في البنية التحتية والمنازل والمناطق الزارعية، حيث عمل الاحتلال على تقييد أعمار غزة مجددًا، بالإضافة إلى إعلانه تخفيض إمدادات الكهرباء إلى القطاع بمعدل 45 دقيقة يوميًّا، حيث يحصل سكان القطاع يوميًّا على 3 أو 4 ساعات من التيار الكهربائي في أفضل الأحوال. ولم يكن الحصار الإسرائيلي بالأمر الجديد، فما يعرضه تقرير الأممالمتحدة من نتائج كارثية داخل القطاع هو نتاج تضييق أمني ظل أكثر من خمسين عامًا، حيث أصبح قطاع غزة عرضة للتضييق الأمني والحصار الاقتصادي منذ خضع للاحتلال الإسرائيلي إثر حرب 1967 بين إسرائيل ومصر وسوريا، ولكن أشد فترات حصاره قسوة وأفظعها أثرًا هي تلك التي بدأت عام 2006. وبحسب الإحصائيات والتقارير الرسمية الفلسطينية، فإن الحصار الشامل الذي فرضه الاحتلال أدى إلى تدهور كبير في مستويات المعيشة وخدمات الصحة والتعليم والوقود والكهرباء، التي تنقطع بشكل متكرر عن 70% من بيوت ومنشآت غزة، كما فاقم سوءَ الأوضاع ما تعرض له القطاع من عدوان عسكري مدمر للأخضر واليابس، ووقع في جرائم ضد الإنسانية في أعوام 2006 و2008 و2012 و2014. ويعترف الاحتلال الصهيوني ذاته بتضييق الحركة في القطاع، ففي عام 2010 صدر تقرير حقوقي عن مركز "مسلك" الإسرائيلي، أكد أن مجمل ما يسمح الاحتلال بدخوله إلى غزة لا يتجاوز 38% من احتياجات سكانه المطلوبة، والتي كانت تلبيها حوالي عشرة آلاف سلعة كانت تدخل إلى القطاع قبل صيف عام 2007. وفيما يخص الدراسة فمازال أطفال غزة من الطلاب التابعين لوكالة غوث اللاجئين (أونروا) يدرسون داخل "كارافانات" تكون ملتهبة في الصيف وباردة جدًّا في الشتاء، حيث منع الاحتلال دخول مواد بناء لأكثر من 100 مدرسة تريد الوكالة تشييدها، كما توجد أزمة كبيرة في القطاع الصحي، حيث هناك نقص خطير ومزمن في الأدوية الأساسية، يصل إلى 50%، بالإضافة إلى نقص المستهلكات الطبية والأدوات الجراحية اللازمة للعمليات الطارئة والعادية، ولوازم المختبرات الضرورية لتشخيص كثير من الأمراض، وقطع الغيار واللوحات الإلكترونية، والغازات الطبية اللازمة لغرف العمليات. وفيما يخص الحصار الاقتصادي فإن نتائجه السلبية على القطاع كبيرة، حيث تمارس إسرائيل ضغوطًا قاسية على المدنيين داخل القطاع؛ لتقليص مداخيلهم المادية ومواردهم الاقتصادية، كما تعمل على تضييق الخناق على المؤسسات التجارية، وتعرقل مشاريع التنمية والبنى التحتية، وذلك بمنع إدخال البضائع التجارية وحظر تصدير منتجات القطاع، وإغلاق المعابر أغلب الأوقات أمام المسافرين من وإلى القطاع. وحصار من السلطة الفلسطينية فيما تمارس السلطة الفلسطينية هى الأخرى حصارًا شديدًا في الآونة الأخيرة، حيث برر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إجراءاته العقابية الأخيرة ضد قطاع غزة بأنها تأتي للضغط على حركة "حماس" للتراجع عما وصفه "إجراءاتها الانقلابية". وعلى مدار الأشهر الأخيرة اتخذت السلطة الفلسطينية سلسلة قرارات بحق قطاع غزة، منها فرض ضريبة مضاعفة على الوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء، وتقليص ما تدفعه لإسرائيل مقابل ما تزود به القطاع من كهرباء بنسبة 45%. كما خصمت السلطة أكثر من 30% من رواتب موظفيها في القطاع البالغ عددهم أكثر من 50 ألف موظف، ثم قررت إحالة أكثر من 6 آلاف موظف مدني منهم إلى التقاعد المبكر. وأقر عباس لدى استقباله في رام الله رئيس الجمعية البرلمانية الأوروبية لحلف شمال الأطلسي "الناتو" بولو أيلي، بأن الأوضاع التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة "صعبة"، قائلًا إن الإجراءات «التي اتخذت مؤخرًا تهدف لممارسة الضغط على حماس، وحل اللجنة الإدارية التي شكلتها في غزة». وأضاف أنه على حماس أن تعطي الفرصة لحكومة الوفاق الوطني لممارسة مهامها بشكل كامل في قطاع غزة، وأن تحضر لإجراء الانتخابات العامة.