جولة جديدة من مفاوضات جنيف يفترض أن تحمل جديدًا إلى مسار لحل سياسي للأزمة السورية، في جملة من المعطيات الإيجابية في مقدمتها إرادة روسية وأمريكية في تفعيل الحل السياسي، بالتزامن مع رغبة الحكومة السورية وفصائل المعارضة بتحقيق تقدم ما يترجم السياق التفاوضي الذي بدأ في أستانة. فيما يبدو أن الإصلاح الدستوري جوهري لتحريك العملية السياسية، وهنا تكمن أجواء الحيطة والحذر في نجاح أو فشل هذه المفاوضات، حيث تبقى القضايا الإجرائية المتعلقة بإجراء الانتخابات، وتشكيل حكومة انتقالية أسسًا غير ثابتة القواعد لإحداث التوافق السياسي المنشود في الأزمة السورية، على أن تكون الأولوية في العمل المشترك بين النظام والمعارضة هي محاربة ما يوصف بالإرهاب. جنيف 7 شدد المبعوث الأممي إلى سوريا، استيفان دي ميستورا، خلال مؤتمر صحفي في جنيف على ضرورة عدم تحول مناطق خفض التصعيد إلى منطلق لتقسيم الأراضي السورية، يأتي ذلك بعد أن أجرى دي ميستورا لقاء مع وفدي الحكومة والمعارضة السوريين في إطار الجولة السابعة من المباحثات السورية في جنيف. اتفاق هامبورج وتطبيق وقف إطلاق النار في مناطق جنوب غرب سوريا شكلا دافعًا للمبعوث الأممي مع انطلاق جولة جنيف الجديدة، حيث اعتبر دي ميستورا أن اتفاق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، فرصة جيدة قد تفضي إلى مرحلة إرساء الاستقرار في سوريا. بالنسبة لدي ميستورا، فمناطق التهدئة التي اعتمدت في الاتفاقات الأخيرة لن تشكل أساسًا لتقسيم سوريا، حيث قال "عملية خفض التوتر يجب اعتبارها مرحلة انتقالية، ودعوني أشرح هذه المسألة لأنها بالغة الأهمية، يجب أن يكون هناك فهم واضح أن هذه المبادرات هي في سبيل التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار في البلاد ولن تؤثر على وحدة سوريا وسلامة أراضيها". تركيز دي ميستورا على نقطة التقسيم تقودنا إلى أن هناك احتمالًا قد لا يصل إلى حد اليائس والحتمية بأنه كلما طال أمد مناطق خفض التصعيد في سوريا، فإنها ستأخذ نوعًا من الثبات ونوعًا من الديمومة وحتى الشرعية ويمكن أن يؤدي هذا إلى نوع من الفرز السياسي والفرز الطائفي، لذلك فإن التحذير الذي أطلقه المبعوث الأممي بأن خفض مناطق التوتر ليس لتقسيم سوريا، يدق ناقوس الخطر، في ظل المطالبة الأمريكية بمناطق حظر جوي ومناطق آمنة، فإذا لم تأخذ بالاعتبار خطة مرحلية سريعة تناقش آلية الحل السياسي فإن إطالة هذه المناطق قد تأخذ شكلًا من أشكال التقسيم ويتحول إلى أمر واقع، أقله تقسيم النفوذ بين واشنطنوموسكو، خاصة أن اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري لاقى ترحيبًا من قسم كبير من أطياف المعارضة السورية التي طالبت بتعميمه ليضم مناطق أوسع، في الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أن موسكو جاهزة للتعاون مع واشنطن بهدف الوصول إلى اتفاقيات جديدة لوقف إطلاق النار في مناطق سورية أخرى، على غرار الاتفاق حول جنوب غربي البلاد. من جهتها، دعت طهران إلى توسيع الاتفاق بين الولاياتالمتحدة وروسيا على وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا ليشمل جميع أنحاء البلاد، وشكك المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، في النوايا الأمريكية من الاتفاق، مضيفًا أنه لم ينجح دون أخذ الحقائق على الأرض بعين الاعتبار. ويبدو أن طهران وهي تطلق دعوتها هذه بدت متوجسة وحذرة من الاتفاق الأمريكي الروسي إذ وصفته بالغموض مشككةً بالنوايا الأمريكية في سوريا، وتعتبر إيران الوجود الأمريكي في سوريا غير قانوني جملةً وتفصيلًا، فالقوات الروسية والإيرانية وجودها شرعي في سوريا بعد طلب الحكومة السورية منهما القدوم إليها لمحاربة الإرهاب المتمثل في داعش والنصرة، كما أن الوجود الأمريكي في جنوب غرب سوريا يثير حساسية إيران وحلفائها، حيث الحدود مع مرتفعات الجولان والكيان الصهيوني، وتشكل وفق متابعين أحد طرق الإمداد لحزب الله. عوامل النجاح والإخفاق جملة من المعطيات دفعت المراقبين إلى الاعتقاد بأن الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف قد تحقق تقدمًا على طريق التسوية في سوريا، فالخطط والأفكار الجديدة التي من المفترض أن تطرح للنقاش خرجت من رحم تطورات ميدانية وسياسية تعتبر في مجملها إيجابية، لا سيما موافقة الهيئة العليا للمفاوضات المعروفة بمنصة الرياض على المشاركة بالمشاورات الفنية التي أجراها المبعوث الأممي، بجانب منصتي موسكو والقاهرة وهو ما كانت ترفضه في السابق منصة الرياض، الأمر الذي لاقى استحسانًا من الجانب الروسي، حيث أكد لافروف أن هناك تحسنًا في مواقف المشاركين في مفاوضات جنيف، وأضاف أن موسكو تعتبر أن الاتجاهيين الرئيسيين للمفاوضات يجب أن يكونا الإصلاح الدستوري ومحاربة الإرهاب. مصادر دبلوماسية روسية في جنيف أكدت أن هذه الجولة من المحادثات ستركز على سلة الدستور السوري كأولوية قصوى، باعتباره اللبنة الأساس لباقي سلات دي ميستورا، الحوكمة والانتخابات ومحاربة الإرهاب. ويرى دي ميستورا أن الصراع الأكثر تعقيدًا في طريقه لأن يصبح أقل تعقيدًا، وأعرب المبعوث الأممي عن أمله في أن يضفي وقف إطلاق النار الصامد نسبيًا الزخم على المفاوضات، وأن يكون مرحلة على طريق التوصل إلى هدنة في شتى المناطق السورية. في المقابل يرى البعض أن من أهم الأسباب التي قد تمهد لفشل المفاوضات أو إضعاف فحواها هي الاجتماعات المشتركة لوفود المعارضة السورية والتي عقدت في الفترة الفاصلة من الجولتين السادسة والسابعة، حيث لم تترجم توحيدًا لوفد المعارضة في جولة المحادثات الحالية التي تستمر لخمسة أيام فقط، كما أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تبلور سياستها تجاه سوريا لغاية الآن، فليس هناك خطة أمريكية واضحة للحل السياسي في سوريا، والأمريكيون يربطون الأزمة السورية بما يمكن أن يحدث في العراق.