ما كان حتى وقت قريب في حكم المؤشرات بات الآن واقعا تم تشكيل أغلب ملامحه، خاصة فيما يتعلق بدور محمد دحلان في قطاع غزة، حيث أنه خلال استقبال الإدارة السياسية المصرية لرئيس حركة فتح محمود عباس تم التصريح من جانبها، ردا على "المخاوف" التي طرحها، بأن المعادلة التي جرى تشكيلها بين حركة حماس والمخابرات المصرية ومحمد دحلان (ومن خلفه الإمارات) لا تهدف إلا لتولّي دحلان مهمة "الإشراف الأمني" على معبر رفح بعد الانتهاء من ترميمه في سبتمبر المقبل، إضافة إلى توليه مهمة الخدمات المتعلقة بختم جوازات السفر والتحقق من هويات المسافرين في كلا الاتجاهين، فيما يتولى 500 عسكري من حماس مهمة الحفاظ على الأمن وترتيب سير السفر ويكون للحركة مسؤولون للتنسيق الدائم مع مصر و"رجال دحلان". واليوم، وفي إطار ما يعرف باسم "صفقة القرن"، تتجه الإدارة المصرية إلى تطويع حماس من أكثر من ناحية أولها وأبرزها تطويق النفوذ القطري، وتعويض القطيعة المصرية الطويلة مع الحركة والتنافر مع نشاطها العسكري ولو كان سلبيا (أي غير مبادر لقتال الكيان الصهيوني) ليعود الطرفان إلى أرضية توافقية مشتركة جرى صياغتها منذ سنوات طويلة، ولكن هذا المرة بسقف أكثر انخفاضا من ناحية حماس التي حوصرت أكثر فأكثر بحصار عائلها القطري مؤخرا وبانكماش نشاطها العسكري المقاوِم للاحتلال، وبالتراجع العام الذي يشهده مشروع الإخوان المسلمين في المنطقة منذ عام 2013 رغم احتفاظ تركيا بأوراق لعب فاعلة لها في سوريا حتى الآن، يمكن القول أيضا إن تورط حماس في الحرب السورية بطعنها للدولة هناك في الظَهر، مع كل ما تلقته من دعم سوري كامل لمنظومتها العسكرية المقاوِمة، ساهم مع الانتصارات السورية المتوالية في انكماش عام للحجم الإقليمي لحماس، بعد انتقالها إلى الدوحة التي كانت أول المبادرين على الإطلاق بتمويل وتسليح محاولة إسقاط الدولة السورية التي بدأت عام 2011، فإذا بها تصل إلى الإفلاس في دورها السياسي الإقليمي بعد الفشل الذريع لتلك المحاولة وسقوط الإخوان في مصر وتراجعهم في تونس واليمن، وتكبيل الدور الإقليمي لحكمهم في تركيا بقيود روسية مصنوعة بدقة بالغة لتعطيهم حجما محددا بخصوص سوريا دون إمكانية منهم لتطويره، ومن ثم لم يتبقَ لتركيا والإخوان سوى تدعيم الموقف القطري أمام مشيخات الخليج بعدد من الجنود وقاعدة عسكرية صغيرة. وكامل السياق الإقليمي منذ بداية العام الحالي – على الأقل – وتحرير حلب السورية من القبضة العسكرية للإخوان والاستراتيجية لتركيا، يفضي إلى انحسار حمساوي جاء طبيعيا ومتزامنا مع رحيل إدارة أوباما المتعاطية مع الإخوان ومجيء إدارة جديدة، من هنا أيضا كان إعلان حماس عن وثيقة مبادئها الأساسية في مايو الماضي وقبولها بدولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 كتتويج لهذا الإنحسار وتعبير عن استعدادها لمعادلة جديدة تشكلت في الشرق الأوسط، وجاء وضع حماس فيها "مضغوطا" ومفتقدا لداعم سياسي إقليمي قوي ومستقر. علاوة على ذلك تتولى حركة حماس مسؤولية نحو 2 مليون مواطن فلسطيني في القطاع المحاصَر، من غذاء ومياه شرب وكهرباء وغاز واحتياجات أساسية أخرى كلوازم القطاع الصحي الطبي على تنوعها ومواد البناء ولوازمه، فضلا عن الحاجة لخلق وظائف وفرص عمل مع انعدام بِنية اقتصادية حقيقية أساسا، من هنا كان التحالف الحمساوي القطري منطقيا مع توفير الجانب القطري لدعم مالي وعيني للحركة يعينها على استيعاب الأزمة المعيشية والسكانية الداخلية الناتجة عن الحصار الطويل للقطاع، وبصرف النظر عن بقاء الأوضاع المعيشية على ذات السوء بل وازديادها سوءا تحت إدارة الحركة وبرغم الدعم القطري، يُعَد التنسيق الحمساوي مع دحلان الذي يمثل الطرف الإماراتي في الصفقة قفزا واقعيا لحماس من القارب القطري المهتز، مع إبداء الإمارات استعدادها العملي للإنفاق بهذا الخصوص ورعايتها للنشاط السياسي والأمني والمالي التجاري لدحلان خلال السنوات الماضية، فضلا عن علاقة دحلان المتميزة والقديمة بالطرف الصهيوني، وشروع مصر مؤخرا في التقارب مع حماس وهو الأمر الذي سبب القلق لمحمود عباس، وإدخال الوقود إلى غزة من مصر بشكل طبيعي مع تهيئة حماس لمنطقة عازلة على الحدود مع مصر، ومن الجدير بالذكر أيضا تصاعد الخلاف حول الرواتب التي تُحوَل للقطاع من سلطة فتح والضرائب التي تؤخذ منه لها وما نتج عنه من تقليص لتلك الرواتب من جهة فتح. بصفة عامة يحتوي الجانب المصري من الصفقة حماس في غزة حتى تتوافق مع محددين على نفس القدر من الأهمية، الأول هو حسم وتعميق موقفها فيما يتعلق بالعناصر والخلايا الإرهابية والسلفية الجهادية في القطاع، والتي تقمعها حماس بالفعل منذ انفجار الوضع بين الطرفين عام 2009 وما تلاه من إجراءات قمع كانت على قدر عال من الجذرية بالفعل، وإن لم يساعد هذا – كما يبدو – على انحسار تواجد تلك العناصر والخلايا في القطاع. إجمالا وكما سبق القول هنا، سيتسلم محمد دحلان جانبا من الملف الأمني للقطاع إذ يستحيل على حماس – وفقا لمحدداتها – تسليمه كامل الملف، وسيكون وجوده ورجاله ضامنا للطرف المصري فيما يتعلق بالأمن والحدود وعمل المعبر، مع علاقته الوثيقة بمخابرات الكيان الصهيوني والمخابرات المصرية التي قامت بتنسيق ملامح المعادلة الثلاثية تلك بين الإدارة المصرية وحماس ودحلان. المحدد الثاني هو طي صفحة المقاومة المسلحة للاحتلال الصهيوني توافقا مع المشروع الأمريكي الجديد للشرق الأوسط، وهو ما يظل قيد التساؤل طالما ظلت القوة المسلحة لحماس قائمة داخل القطاع، إلا أن كل ما تقوم به حماس من خطوات مؤخرا يفضي إلى أنها تقوم بالفعل بالتحول إلى ما هو مرسوم في "فكرة" صفقة القرن، وهو تحولها إلى حزب سياسي محض يشارك في حكم الفلسطينيين مع فتح في مقابل إخراجه من الإتهام الأمريكي السعودي بالإرهاب، متوافقا مع إجماع معسكر التبعية العربي الذي تقوم أمريكا بتطويره حاليا على "سلام" طويل الأمد يفضي إلى تطبيع واسع وكامل، بموازاة توجيه نفس المعسكر نحو معاداة إيران وحزب الله والدولة السورية.