بين تغريدة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والتي ألمح فيها لرعاية قطر للفكر المتطرف والتي تم على أثرها إشعال الحرب الخليجية المصرية ضد قطر، وبين اتصاله أمس من خلال طائرته الرئاسية المتجهة إلى بولندا بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والتي عقبتها تهدئة في السقف المرتفع للدول المقاطعة لقطر، العديد من علامات الاستفهام، فبيان الأمس لا يتناسب مع وعود الدول المقاطعة باتخاذ إجراءات حاسمة في حال رفض قطر شروطها، وأنه لا تفاوض مع قطر على هذه المطالب، حيث عقدت مصر والسعودية والإمارات والبحرين اجتماعات على مستوى الاستخبارات والخارجية في القاهرة. بيان الدول المقاطعة يوم الخامس من يونيو أعلنت ثلاث دول خليجية مقاطعتها لقطر، عقبها انضمام دول أخرى لهذه المقاطعة بأشكال مختلفة، بعدها بشهر وتحديدًا أمس الأربعاء اجتمع وزراء خارجية الدول المقاطعة في القاهرة، وتمخض اجتماعهم عن بيان، استبقت هذا البيان تكهنات وتهديدات بمزيد من العقوبات والمقاطعات والعزل وتلويحات وصلت لحد التدخل العسكري، وهذا ما لم يحدث في البيان الأخير، حيث اقتصر البيان على اتهامات مكررة لقطر، وقد تمهد الأجواء المبهمة التي سبقت قراءة بيان دول المقاطعة للإجابة عن النبرة المنخفضة له، فبالأمس كانت هناك توقعات ومؤشرات تقول بأن الإجراءات التصعيدية ضد قطر آتية لا ريب، وإأن الاجتماع في القاهرة سوف يحدد هذه الإجراءات، وتم تسريب بعض هذه الإجراءات رغم عدم وجود تصريحات رسمية، ولكن هذه الإجراءات تم تداولها في وسائل إعلام الدول المقاطعة، كتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي. ولكن قبل أن يخرج وزراء خارجية الدول المقاطعة في المجتمعين بالقاهرة للإدلاء ببيانهم، أعلن البيت الأبيض أن ترامب أجرى اتصالاً هاتفيًّا بالرئيس المصري، طلب فيه حل الأزمة الخليجية بالتفاوض البناء، في وقت كان فيه وزير الخارجية القطري يدعو هو أيضًا للحوار من لندن، بعد ذلك تأخر الوزراء الأربعة في اجتماعهم، وانتظر الصحفيون لساعات، بعدها خرجوا ليدلوا ببيان مغاير لسقوفهم التصعيدية التي توعدوا بها في حال رفض الدوحة لمطالبهم ال 13. حيث قال بيان وزراء خارجية إن الرد القطري يعكس عدم استيعاب الدوحة خطورة الموقف، وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أكد عدم إمكانية التسامح مع الدور التخريبي لقطر، وأشار إلى اتفاق الوزراء الأربعة على عقد الاجتماع المقبل في العاصمة البحرينية المنامة، كما أكد البيان الالتزام ببيان قمة الرياض ووقف دعم الجماعات الخارجة عن القانون، معتبرًا أن دعم الإرهاب والتدخل في شؤون الغير ليسا من المطالب التي تحتمل التأجيل. وجدد البيان تأكيده على الشروط السابقة المفروضة على قطر، وتم اختزالها في خمس نقاط، وهي الالتزام بمكافحة التطرف والإرهاب بكافة صورهما ومنع تمويلهما أو توفير الملاذات الآمنة لهما، إيقاف كافة أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف، الالتزام الكامل باتفاق الرياض لعام 2013 والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية لعام 2014 في إطار مجلس التعاون لدول الخليج، الالتزام بكافة مخرجات القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عقدت في الرياض شهر مايو الماضي، الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول ودعم الكيانات الخارجة على القانون. بدوره قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إن قطر تتعامى عن الإرهابيين، وأضاف إن التدابير المتخذة هي لمساعدة الدوحة والمنطقة كلها، وأن المقاطعة السياسية والاقتصادية ستستمر لحين أن تعدل قطر سياساتها إلى الأفضل، ولم يتطرق الجبير إلى عقوبات جديدة، وقال إنها خاضعة للتشاور. في المقابل اتهم وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أمس من لندن، السعودية والإمارات بالوقوف وراء الحملة على بلاده، وأضاف أن الدول المقاطعة تطلب من الدوحة التخلي عن سيادتها، كما لفت إلى أن قطر تنظر إلى إيران كدولة جارة تتقاسم معها مصالح مشتركة. وليس من المعروف ما إذا كانت اتصال ترامب المتجه لبولندا بالسيسي وحصر المسارات التصعيدية في المسالك الدبلوماسية والتفاوضية له علاقة بالغاز القطري، خاصة أن زيارة ترامب الحالية لبولندا تهدف إلى إنهاء اعتماد أوروبا الشرقية على الغاز الروسي، واستبدال الغاز الأمريكي مكانه، وهو ملف يمكن لقطر المساهمة فيه؛ كونها دولة رائدة في إنتاج الغاز المسال، كما أن الدوحة أعلنت الثلاثاء الماضي عن نيتها رفع إنتاج الغاز المسال إلى 100 مليون طن سنويًّا، وبالتالي فإن الحفاظ على بقاء قطر في المحور الأمريكي مهم في إطار المخططات الأمريكية. ويرى مراقبون أن الخطأ الذي وقعت فيه الدول المقاطعة هو البدء في إجراء العقوبات قبل أن تسلم مطالبها إلى قطر، وبالتالي تم استخدام السقف الأعلى من العقوبات، كقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وإغلاق حدود الرياض البرية مع قطر، ومنع الدوحة من استخدام المجال الجوي للدول الخليجية المقاطعة، الأمر الذي يبقي الخيارات التصعيدية للدول المقاطعة محدودة أو حتى معدومة، فإخراج قطر من مجلس التعاون أمر مستبعد وفقًا للآليات التنظيمة لهذا المجلس، كما أنه قد يساهم في تفتيت هذا المجلس إذا انحازت الكويت أو سلطنة عمان للموقف القطري، إضافة إلى أن التلويح بخيار عسكري ضد قطر أمر مستبعد؛ نظرًا لوجود القواعد الأمريكية على أراضيها، خاصة أن واشنطن تعلم أن الضغط على قطر قد يدفعها للتحالف مع روسيا وتركيا أو حتى إيران وهو أمر لا تحبذه أمريكا.