لم يخطر ببال القوي السياسية التي التفت حول الرئيس عندما كان مشيرا وليس رئيسا،أنها ستشرب من البحر، وأنها إذا لم ترد أن تشرب من البحر المتوسط فسوف تشرب من البحر الأحمر، لأن الرئيس يمنحنا حرية الاختيار، ولم نصل إلى هذه المرحلة بالطبع بين يوم وليلة، لكنها جاءت عبر ترتيبات داخلية وخارجية استطاع الرئيس فيها أن يستخدم كل المفاتيح وكل الإمكانيات لديه بصبر ودهاء.. جلسنا علي مائدته المستطيلة .. استمع جيدا وقرأ في أكف الجميع ممن سعوا إليه وممن انتظروا دعوته.. استمع ولم يقل شيئا..كان يكفيه بضع كلمات عاطفية لا تنم عن رؤية ولا خطة ولا برنامج ..كان الجميع مؤخذون بالخلاص من تنظيم الاخوان وصراعه المر من أجل البقاء ..البقاء في السلطة أو الشراكة فيها. كان الاستخدام واضحا ..استخدام المفاتيح واستخدام البشر .. والتمس كثيرون سياسيون وومواطنون، المبررات له.. وكانت صحيحة أو بعضها كان صحيحا علي الأقل.. ثم توالت الهزائم، هزائم السياسة وهزائم الاقتصاد .. في هزيمة السياسة سجن شباب وصحفيون وأطفال.. كسرت أنوف وقطعت ألسنة وأصبحت الحياة سجنا كبيرا .. وفي هزيمة الاقتصاد ولقمة العيش كان الانحياز ضد الفقراء وكان آداء الرئيس الانتقالي والمنتخب ضد الفقراء.. وكانت مظاهر الرداءة وغياب الكفاءة جلية وربما تحت ضغط العوز قدمت بعض الإجراءات الحمائية التي تأخذ باليسار أكثر مما تمنح باليمين، ولا تنم أبدا عن اهتمام بتنمية الثروة البشرية أو عن خطط للدولة تتجه للإنتاج والتشغيل في الصناعة والزراعة والخدمات.. وبما أن الهزيمة ازدوجت في السياسة والاقتصاد والحرية والعيش فلا عدالة اجتماعية ولا كرامة ولا ثلاثية شعارات ثورة قامت في يناير بل علي العكس أصبح الخلاص من اسمها وسيرتها وشخوصها ورائحتها فرض عين. رغم كل هذا كان يمكن – أو هكذا كنت أظن، أن نعارض وننتقد ونختلف ونرفض ونعتقد أننا جزء من المعادلة التي تستدعي بناء بلد برؤي متباينة ..ربما قال بَعضُنَا :نسير ونصلح ونحاول ..فالأمر جلل والخطر عظيم. ووصلنا إلى نقطة الفراق والخلاف علي الأرض التي ليس من المنطقي ولا العادل ولا الوطني أن نختلف عليها .. سوف نقف هذه المرة ونختار أن نكون أنفسنا وماضينا ووطننا وانحيازاتنا وحبنا وكراهيتنا ودمائنا وجلودنا ورفات شهداء ذهبوا وشهداء ينتظروا.. هذه المرة ليست الحرية ولا العيش ولا العدالة الاجتماعية ولا حتي ثورة يناير ولا يونيو لكنها شيء آخر ..اختيار يتجاوز كل هذا ..اختيار الارض والوطن والأمن والعدو الذي يحتل فلسطين العربية التي نتطلع إلي يوم تحريرها ..