بعد أن حسم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، كلًا من الانتخابات الرئاسية والتشريعية لصالحه، ووضع حزبه "الجمهورية إلى الأمام" في مقدمة المسيرة السياسية الفرنسية، وأحكم الحزب الوسطي قبضته على البلاد، دخل "ماكرون" استحقاق وطني جديد تمثل في تشكيل الحكومة الفرنسية، في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس الفرنسي وحزبه اتهامات بالسيطرة على الحياة السياسية بشكل كامل في فرنسا، الأمر الذي يجعله يتحمل مسؤولية أي فشل قد تمنى به الحكومة أو البرلمان. أعلنت الرئاسة الفرنسية مساء الأربعاء الماضي، عن تشكيلة الحكومة الجديدة التي تعتبر الثانية في ولاية الرئيس "ماكرون" بعد استقالة الحكومة الأولى برئاسة "إدوار فيليب"، والذي سبق أن قدم استقالته إلى ماكرون في إجراء روتيني قبل الانتخابات ليعود الأخير ويكلفه بتشكيلها مجددًا بعد الانتخابات، وقد شمل التعديل الوزاري عددًا من الوزارات على رأسها الدفاع والعدل والشؤون الأوروبية، وهي الوزارات التي أثارت جدلًا سياسيًا على خلفية تحقيق بشأن تعيين مساعدين في البرلمان الأوروبي بشكل وهمي، مما دفع الوزراء في هذه الحقائب إلى الاستقالة، حيث استقال كلًا من وزير العدل، فرانسوا بايرو، ووزير الشؤون الأوروبية، مارييل دو سارني، ووزيرة القوات المسلحة، سيلفي غولار، والثلاث وزراء من حزب الوسط "الحركة الديموقراطية"، كما اضطر وزير الترابط بين الأقاليم، ريشار فيران، المقرب من الرئيس "ماكرون" إلى الاستقالة من الوزارة على خلفية اتهامات المحسوبية التي طالته في صفقة عقارية تعود لعام 2011. في الوقت نفسه احتفظ عدد كبير من الوزراء في الحكومة السابقة بحقائبهم، من بينهم وزير الاقتصاد، نبرونو لو مير، ووزير تكنولوجيا المعلومات، منير محجوبي، من أصل مغربي، والذي قاد الفريق التقني لحملة ماكرون وكوفئ بالوزارة، ووزير الخارجية، جان ايف لودريان، ووزير الداخلية، جيرار كولومب، ووزيرة الانتقال البيئي والتضامن، نيكولا هولو، كما تميزت الحكومة الفرنسية بدخول شخصيتين من اليسار هما عضوة المجلس الدستوري، نيكول بيلوبي، التي حلت محل "فرانسوا بايرو" على رأس وزارة العدل، و"فلورانس بارلي" التي تولت وزارة القوات المسلحة بدلًا عن سليفي غولار، كما تسلمت مديرة المدرسة الوطنية للإدارة "ناتالي لوازو" وزارة الشؤون الأوروبية بدلًا من ماريال دو سارني. رأى بعض المراقبين أن التعديلات الوزارية الجديدة التي أدخلها "ماكرون" إلى حكومته الثانية تلقي بالمزيد من المسؤولية والثقل السياسي على عاتقه، حيث باتت معظم الحقائب في يد حزب الوسط الذي يقوده ناهيك عن حصوله على الأغلبية البرلمانية، الأمر الذي يضع مسؤولية أي أزمة أو فساد جديد في الحياة السياسية عامة يتحملها الرئيس الفرنسي وحزبه المهيمنيين على فرنسا حاليًا، وهو ما يضعه أمام المزيد من التحديات والانتقادات التي وجهتها له الأحزاب اليمينية بالسيطرة على البلاد ومحاولة إخضاعها إلى سياسة الحزب الواحد. من جانبها علقت صحيفة "لو فيجارو" الفرنسية على التشكيلة الجديدة للحكومة الفرنسية، قائلة إن هذا النصر الساحق الذي حققه رجل لم يتجاوز التاسعة والثلاثين من عمره، ولم يكن قبل عامين معروفًا لدى القاعدة العريضة من الناس في فرنسا، يجب أن يكون بمثابة إشارة إلى وجود تجديد كبير للناس وفي الأساليب، وأضافت الصحيفة: لكن كل الأمور تسير وكأن العالم القديم يعشق استدعاء إيمانويل ماكرون إلى الذاكرة، يجب أن نرى في تشكيلة الحكومة ردًا من الرئيس على هذا الواقع الممل، وذهبت الصحيفة إلى أن ايمانويل قد أعاد ترتيب الساحة السياسية في فرنسا تمامًا، وأن حكومته ليس بها وزن سياسي واحد ثقيل، وبها القليل جدًا من الأوزان المتوسطة، مضيفة: أي أنه أفسح المكان للفنيين. في ذات الإطار، ذكرت الصحيفة الفرنسية إنه "إذا أخذنا تشكك الرأي العام في الطاقم السياسي في الاعتبار فسنرى أن استراتيجية الرئيس ماهرة، وأضافت: ولكن ليس لهذه الاستراتيجية وجه آخر لأنه إذا تعامل التكنوقراط في الوقت الذي يتردد فيه السياسيون فإنهم أيضًا يعانون من أوجه قصور، خاصة قصور البعد عن الواقع على الأرض، ورأت الصحيفة أن التجديد يحتاج رؤية بالتأكيد، ولكنه يحتاج أيضًا لقطعة الروح الشهيرة.