تتجه الأنظار نحو فرنسا اليوم الأحد، حيث يدلي الناخبون الفرنسيون بأصواتهم في مراكز التصويت في أولى جولتين للانتخابات العامة البرلمانية، وتفيد المؤشرات كافة بأن فرنسا تتجه نحو الحكم المطلق للرئيس اليساري الجديد إيمانيول ماكرون، الذي يرسخ لسياساته ولشعبيته يومًا تلو الآخر، ويأمل ماكرون أن يحصل على أغلبية كبيرة كي يستطيع تنفيذ سياساته الاقتصادية والأمنية والخارجية. استطلاعات الرأي كافة تشير إلى أن حزب الرئيس الفرنسي، الذي يبلغ عمر تأسيسه عامًا واحدًا، سيحصل على أغلبية مطلقة، ويتصدر النتائج في الجولة الأولي ، فيما أكدت الاستطلاعات ذاتها أنه سيفوز بمعظم المقاعد في جولة الإعادة التي ستجري بعد أسبوع، ظهر ذلك في التصريحات الحماسية لوزراء الحكومة وأعضاء الحزب، الذي أكد عضو منه، وهو وزير الدولة منير محجوبي، أن «الحزب يريد أغلبية كبيرة كي يستطيع العمل وتغيير فرنسا خلال السنوات الخمس المقبلة». في الوقت ذاته تواجه الأحزاب التقليدية في فرنسا من اليمين إلى أقصى اليمين وصولًا إلى اليسار، سيناريوهات عدة تهدد مستقبلها السياسي، لاسيما بعد ظهور استطلاعات الرأي التي توقعت نتائج بتخطى تحالف ماكرون حاجز أغلبية 50% بكثير في الجولة الثانية، حيث توقعت في الجولة الأولى حصول حزب ماكرون وحليفه حزب الحركة الديمقراطية، الذي يمثل يمين الوسط، على نحو 30% من إجمالي الأصوات، مع حصول حزب الجمهوريين المحافظ وحلفائه على نحو 20% وحزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف على 17%، أما «فرنسا المتمردة» «يسار راديكالي» بزعامة جان- لوك ميلانشون فستحصل على 12.5% متقدمة بذلك على الحزب الاشتراكي بزعامة الرئيس السابق فرنسوا هولاند 8% الذي تأثر بخسارته التاريخية في الدورة الأولى من الاقتراع الرئاسي، وأشارت الاستطلاعات إلى أن هذه النتيجة ستتحول إلى أغلبية ساحقة لحزب ماكرون في الجولة الثانية. وبحسب استطلاعات الرأي فإن حزب «الجمهورية إلى الأمام» مع حليفه الوسطي حركة موديم بزعامة فرنسوا بايرو سيحصدان على 385 مقعدًا من أصل 415، في زيادة كبيرة على الغالبية القصوى «286 مقعدًا من أصل 577». وتجرى الانتخابات البرلمانية الفرنسية في الدوائر الانتخابية للمجلس الأدني، والبالغ عددها 577 دائرة، مع تنافس 7 آلاف و882 مرشحًا في المجمل على هذه المقاعد، ورغم صعوبة التكهن بالنتيجة لكثرة عدد الدوائر والمنافسين، إلَّا أن منافسي حزب الجمهورية إلى الأمام يقرون بأن فوز الأخير وحصوله على أغلبية أمر متوقع. على الجانب الآخر يبدي معارضون لماكرون تخوفهم من سيطرة الحزب الواحد أو الحكم المطلق على الحياة السياسية بفرنسا في الفترة المقبلة، على اعتبار أنه سينهي دور البرلمان الذي لم يعد له دور فعلي بحسب المراقبون إذا فاز ماكرون بالأغلبية المطلقة، وقال جان بيار رافاران، رئيس الوزراء اليميني السابق: على أنه «ليس من السهل التفسير بأننا لا ننتخب إمبراطورًا بل رئيسًا شابًّا أعطى البلاد متنفسًا، لكن يجب ألَّا يحكم منفردًا الآن، وإلَّا يصبح هناك حزب واحد». كما ندد المرشح الاشتراكي بونوا آمون بموجة «الهوس بماكرون»، فيما دعا المرشح الرئاسة السابق، لوك ميلانشون، الناخبين إلى عدم منح ماكرون «السلطة المطلقة»، منددًا بالغموض المحيط بالإصلاحات التي يريد الرئيس القيام بها. ولن يكون حصول حزب الرئيس الفرنسي على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية غريبًا، إذ أن آخر ثلاثة رؤساء في البلاد «فرنسوا هولاند في 2012، ونيكولا ساركوزي في 2007 وجاك شيراك في 2002» كانوا يتمتعون أيضًا بغالبية مطلقة في الانتخابات التشريعية، حيث يميل الفرنسيون عادة إلى تأكيد خيارهم في الاقتراع الرئاسي. فيما رد المؤيدون على تلك التخوفات بتأكيدهم أن ماكرون يحتاج إلى الأغلبية البرلمانية لتحقيق برنامجه السياسي، ليكون لدى المواطن الفرنسي قدرة على الحكم بنجاح التجربة أو فشلها، وفي ضوء ذلك فإن من شأن هذه الانتخابات توجيه الوضع السياسي في فرنسا لسنوات طويلة، وما يحيط بها من حركات واتجاهات في أوروبا، حيث تحدد النتائج الفرنسية ما إذا كانت خطة ماكرون لإصلاح سوق العمل وإعادة النمو إلى الاقتصاد الفرنسي ستأخذ مجراها أم ستتحطم أمام تطلعات الناخب الفرنسي لتحسين الوضع الاقتصادي الذي يظل دائمًا أول الاهتمامات لأي مواطن بدول العالم كافة. ورغم أن الدستور الفرنسي يمنح الرئيس سلطات، بما في ذلك سلطة حل البرلمان وترشيح رئيس الوزراء فضلًا عن السيطرة الواسعة على الدفاع والسياسة الخارجية، إلَّا أن هناك مراقبين يؤكدون أن الرئيس الفرنسي يستهدف من خالال الأغلبية البرلمانية تمرير القوانين وتنفيذ أجندة حملته الانتخابية. يأتي هذا الاستحقاق بعد شهر واحد فقط من مفاجأة مدوية بنجاح ماكرون، المصرفي السابق، البالغ من العمر 39 عامًا في التحدي والفوز بمنصب الرئاسة الفرنسية، لينتزع حزبه «الجمهورية إلى الأمام» السلطة من أحزاب وحركات كانت لها ثقل سياسي في السنوات الماضية، رغم حداثة تأسيسه وعدم امتلاكه أي تاريخ سياسي يذكر، ليصبح زعيمه رئيس ثاني أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو.