تمر علينا اليوم الذكرى 34 على رحيل الفنان محمود المليجي، الذي برع في تقديم أدوار الشر على عكس حقيقته تمامًا وإنسانيته وطيبته التي عرفت عنه من أصدقائه والمحيطين به. توفى المليجي داخل لوكيشن التصوير في السادس من شهر يونيو عام 1983 إثر أزمة قلبية حادة، بعد رحلة عطاء مع الفن استمرت لأكثر من نصف قرن، ما بين سينما ومسرح وتليفزيون وإذاعة، قدم خلالها أكثر من 700 عملاً فنيًا، فقد مات في مكان التصوير أثناء استعداده لتصوير آخر لقطات فيلم "أيوب" فجأة، وأثناء تناوله القهوة مع صديقه عمر الشريف، سقط المليجي وسط دهشة الجميع. ولد المليجي في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة (المغربلين)، وسط بيئة فقيرة وعائلة بسيطة، وداخل مدرسة الخديوية الثانوية ازداد تعلقه بالفن والتمثيل، وكانت المدرسة أحد الأسباب التي شجعته أن يكون الفنان المرموق محمد مليجي، فكان مدير مدرسته لبيب الكرواني، يشجعه على التمثيل بعد التحاقه بالفريق المدرسي، ليتعلم على يد كبار الفنانين من بينهم أحمد علام، جورج أبيض، فتوح نشاطي، عزيز عيد، والذين استعان بهم مدير المدرسة من أجل تدريب الفريق. وقال المليجي عن المدرسة "في السنة الرابعة جاء عزيز عيد ليدربنا، جذبتني شخصيته الفذة وروعة إخراجه وتطور أفكاره، وكنت أقف بجانبه كالطفل الذي يحب دائماً أن يقلد أباه، وقد أُعجب بي عزيز عيد وأنا أمثل، ومع ذلك لم يُعطنِ دوراً أمثله، وكان يقول لي دائماً (إنت مش ممثل.. روح دور على شغلانة ثانية غير التمثيل)، وكنت أُحس وكأن خنجراً غرس في صدري، وكثيراً ما كنت أتوارى بجوار شجرة عجوز بفناء المدرسة وأترك لعيني عنان الدموع، إلى أن جاء لي ذات يوم صديق قال لي: إن عزيز عيد يحترمك ويتنبأ لك بمستقبل مرموق في التمثيل، فصرخت فيه مَنْ قال لك ذلك؟ أجاب إنه عزيز عيد نفسه، وعرفت فيما بعد أن هذا الفنان الكبير كان يقول لي هذه الكلمات من فمه فقط وليس من قلبه، وإنه تعمَّد أن يقولها حتى لا يصيبني الغرور، وكان درساً لاينسى من العملاق عزيز عيد". ترك المدرسة من أجل المسرح فى إحدى العروض كان من بين الحاضرين الفنانة فاطمة رشدي، التي أشادت بموهبة المليجي وعرضت عليه العمل معها مقابل راتب شهري أربعة جنيهات، فترك المليجي المدرسة من أجل المسرح وقدم معها عدد من المسرحيات، من بينها "مسرحية 667 زيتون، مجنون ليلى"، ليلتحق بعدها بعدد من الفرقة، مثل فرقة إسماعيل ياسين، وفرقة تحية كاريوكا وفرقة المسرح الجديد، ليترك بصمة واضحة في المسرح. من أعمال المليجي المسرحية، يوليوس قيصر، حدث ذات يوم، الولادة، أحمد شوقي، وعرف في الوسط الفني بلقب "أنتوني كوين الشرق"؛ لأنه كان يؤدي نفس الدور الذي أداه أنتوني كوين في النسخة الأجنبية من فيلم القادسية بنفس الاتقان بل وأفضل. دخل المليجي السينما من خلال فاطمة رشدي، التي أعطت له فرصة الظهور لأول مرة بفيلم "الزواج" من إنتاج وإخراج فاطمة رشدي عام 1932، ليعمل بعدها كملقن في فرقة يوسف وهبي المسرحية، وكانت بداية أدوار الشر في فيلم "قيس وليلى"؛ حيث قدم مع فريد شوقي ثنائياً فنياً ناجحاً، كانت حصيلته أربعمائة فيلماً. فيلم الأرض.. والتحول الفني يعد فيلم الأرض بصمة بارزة في تاريخ محمود المليجي، عندما وقع عليه الاختيار من قبل يوسف شاهين للقيام بدور محمد أبو سويلم في فيلم الأرض عام 1970، فكان من أعظم أدواره خاصة في المشهد الختامي وتمسكه بالأرض، فلم يستعين بدوبلير لأداء المشهد؛ وكبلت يديه بالحبال، ويجره الخيل على الأرض محاولاً هو التشبث بجذورها. وتحدث يوسف شاهين عن المليجي، فقال: "كان محمود المليجي أبرع من يؤدي دوره بتلقائية لم أجدها لدى أي ممثل آخر، كما أنني شخصياً أخاف من نظرات عينيه أمام الكاميرا"، وتستمر رحلة مع شاهين في عدد من الأفلام وهي: الاختيار، العصفور، عودة الابن الضال، إسكندرية ليه، حدوته مصرية، فقدم المليجي مدرسة فنية خاصة به، بعيدًا عن الافتعال كانت به تلقائية مكنته من حفر أسمه في تاريخ السينما.