لعبة المصالح هي التي تحكم العلاقات بين أنقرةوواشنطن ووحدات الحماية الكردية في سوريا، الدعم الأمريكي للوحدات يزعج تركيا التي تعلن ذلك بوضوح وتعتبره تصرفًا خطرًا، ومع ذلك تحاول واشنطن أن تمسك بالعصا من وسطها في التعاطي مع حليفين، رغم أنها تبدو غير مستعدة للأخذ بالشكوى التركية، ذلك أن تمدد القوات الكردية على الأرض يمنح الأمريكيين دورًا متزايدًا في سوريا، ويحجز لهم موقعًا في القرار السياسي للحل النهائي في الحرب، وهنا أصبحت تركيا في موقف لا تحسد عليه، فقد أصبح عليها تجرع الدعم الأمريكي للوحدات التركية ولو على مضض، فهي لا تستطيع وقف القاطرة الأمريكية باتجاه الأكراد، وفي نفس الوقت تعتبر القوات الكردية قوى إرهابية. وبالنسبة لموسكو فقد باتت أكثر حذرًا في تعاطيها مع المكونات الكردية، وخاصةً تلك التي تحوم في الرقة السورية، فالمعركة مع داعش لم تحسم بعد، وتداعياتها ستؤثر على وضع موسكو في الملف السوري. أنقرة والدعم الأمريكي للأكراد لأربع ساعات ونصف اجتمع مجلس الأمن القومي التركي يوم الثلاثاء الماضي، وترأس الاجتماع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وعلى الطاولة الأمنية حضر الملف الحساس وهو السلاح بيد الكرد، لم يبتلع الأكراد القرار الأمريكي بتسليح وحدات حماية الشعب الكردية، ووجدوا أنه لا يليق بصديقٍ وحليف تجاهل توقعات تركيا في هذا الشأن. وتشعر أنقرة بقلق من أن التقدم الذي تحرزه الوحدات الكردية شمال سوريا قد يؤجج نشاط حزب العمال في تركيا، وأعربت أيضًا عن قلقها من أن الأسلحة التي ستقدم للوحدات قد ينتهي بها الأمر في أيدي الحزب، وللالتفاف على هذه النقطة حاولت واشنطن تقديم تعهدات إلى أنقرة بأن كل الأسلحة المقدمة للأكراد يتم تسجيلها وحصرها، بحيث يعيد الأكراد هذه الأسلحة لواشنطن. ويرى المستشار السياسي لمجموعة ميرديان الاستراتيجية، خالد صفوري، أن التعهدات الأمريكيةلتركيا فيها الكثير من السذاجة، فالجميع يعرف أنه خلال حرب أمريكا ضد روسيا في أفغانستان، سلمت واشنطن المجاهدين في ذلك الوقت أسلحة ضد الطائرات، وانتهت هذه الأسلحة في يد قوى إرهابية، لأن الولاياتالمتحدة لم تستطع أن تستعيد هذه الأسلحة. القلق التركي عبر عنه وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو أيضًا، إذ حذر من تسليم واشنطن أسلحةً إلى المقاتلين الكرد في سوريا، وقال "هذه الخطوات خطيرة للغاية بالنسبة لوحدة سوريا وسلامة أراضيها، إن هذه الأسلحة الموجهة إلى منظمة إرهابية يمكن أن تستخدم ليس فقط ضد تركيا، بل أيضًا ضد الإنسانية جمعاء، نحن نشدد على خطورة دعم وحدات حماية الشعب على مستقبل سوريا". وهنا نجد أن موقف أنقرة ليس نابعًا من الحرص على وحدة وسيادة أراضي سوريا، بل هو القلق على تركيا من سلاح بيد القوة الكردية المعادية لأنقرة، فوحدات حماية الشعب الكردية هي بالمفهوم التركي امتداد لحزب العمال الكردستاني التنظيم الإرهابي لدى تركيا، ورمي أنقرة الكرة في الملعب السوري ما هو إلا للتغطية على خيبة أملها من واشنطن وعدم حرص الأخيرة على أمن ومستقبل تركيا الحليفة في الناتو، التطورات الأخيرة تكرس المزيد من الشحنات الإضافية على خط التوتر التركي الأمريكي الذي يمر أيضًا بأوروبا، فأنقرة في الوقت الراهن غير مرتاحة في محيطها إن كان أوروبيًّا أو أطلسيًّا أو بكل تأكيد في جنوبها السوري. ويبدو أن أنقرة في طريقها لدفع فاتورتها في الأزمة السورية، فتركيا كانت أحد المنافذ المهمة لتدفق السلاح الأمريكي وغيره إلى سوريا، وهي لم تكن تمانع في وصول السلاح إلى أي طرف يقاتل الحكومة في سوريا، ولكن عندما بدأ السلاح يتدفق لصالح الأكراد بدأت بالشجب والندب. الأكراد وخدمة المصالح الأمريكية دور الوحدات الكردية قد لا يقتصر على خدمة المصالح الأمريكية في سوريا، بل قد يتعداه للجانب العراقي، فقد حذرت "قوات سوريا الديمقراطية" التي تُشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية عمادها، قوات "الحشد الشعبي" العراقية من دخول الأراضي التي تسيطر عليها القوات في محافظة الحسكة في سوريا، وقالت قسد بأنها ستتصدى لأي محاولة من قبل "الحشد الشعبي" للدخول لمناطق سيطرة قواتها، ولن تسمح لأي قوات بالدخول ضمن مناطق سيطرتها، وهو الأمر الذي يتماشى مع الرغبة الأمريكية في تحجيم الحشد الشعبي ومنع تلاقيه مع الجيش السوري، فبالأمس استقبل رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني قائد قوات التحالف الجنرال ستيفن تاونسند والوفد المرافق الذي ضم القنصل الأمريكي العام في أربيل كين غروس، وعدد من الضباط والمستشارين. وحذر الطرفان «الحشد» – دون تسميته – من «الإخلال بالاتفاق الثلاثي بين بغداد وأربيل وواشنطن» الخاص بالحرب على الإرهاب، وبالتالي التحركات الكردية الموظفة لخدمة الأجندة الأمريكية لا تقتصر على وحدات الحماية الكردية ولا حتى على قسد، بل تتعداه إلى البيشمركة. روسيا والتحركات الكردية إذا كانت أنقرة قلقة من الأكراد، فروسيا قد رفعت مستويات الحذر من التحركات الكردية في الرقة، فمن المنتظر أن تشهد المدينة معارك قريبة ضد تنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية، التي باتت الأقرب لمعاقل التنظيم في سوريا، فهي تحاصر الرقة من جميع الجهات باستثناء الجهة الجنوبية، وبحسب تنسيقيات المسلحين فإن قوات سوريا الديمقراطية دخلت في مفاوضات مع داعش تقضي بانسحاب التنظيم الإرهابي من المناطق المحاصرة باتجاه البادية، وذلك عن طريق تأمين ممر آمن للخروج من الرقة باتجاه تدمر، الاتفاق الكردي الداعشي رفضته موسكو بشده، وهذا ما يؤكده تدمير الطيران الروسي لرتل كبير لداعش انسحب من الرقة باتجاه تدمر، حيث قتل أكثر من 80 عنصرًا لداعش.