حل ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أمس، ضيفًا على موسكو، تلبيةً لدعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسب ما أعلنت الرياض، في أول زيارة خارجية للمسؤول السعودي منذ زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى الرياض. الزيارة تحمل عدة ملفات في طياتها، أبرزها ملف الأزمة السورية والعلاقات مع طهران، بالإضافة إلى ملف الطاقة. الرئيس الروسي أكد أن موسكووالرياض تجريان اتصالات على المستويين السياسي والعسكري، وتتعاونان في مسائل تسوية الأزمات بما في ذلك سوريا، وقال بوتين "ينبغي الإشارة إلى أن العلاقات بين روسيا والسعودية تتطور بنجاح كبير، والتبادل التجاري سجل نموًا منذ بداية العام الحالي، لدينا علاقات على المستوى السياسي، وكذلك بين الدوائر العسكرية للبلدين". وأكد بوتين أن موسكو تنتظر قيام الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، لأول زيارة له إلى روسيا، كما شكر بوتين الرياض على موقفها في سوق النفط، مؤكدًا أن الجهود المشتركة للبلدين تسمح بتحقيق الاستقرار في السوق العالمية للوقود. من جانبه قال بن سلمان، إن هناك الكثير من النقاط المشتركة بين البلدين، مشيرًا إلى أن هناك آليه واضحة لتجاوز كل الخلافات الموجودة. ورغم التأكيد على أن الملف السوري ضمن أبرز الملفات التي يبحثها بوتين وبن سلمان، إلا أن المتابعين للشأن السعودي يؤكدون أن العلاقات مع إيران تتصدر الأهداف من الزيارة، لا سيما بعد قمة الرياض "الإسلامية-الأمريكية"، التي أفرزت توافقًا ولو في العلن بين واشنطنوالرياض حول إجراءات التصدي لما أسموه بالتمدد الإيراني في الساحة الإقليمية. العلاقات الروسية السعودية مرت بمراحل عدة اتسمت أحيانًا بالاتفاق وأخرى باختلاف المواقف حول بعض القضايا السياسية، إلا أن العلاقات الاقتصادية والتجارية شكلت أولوية لدى الجانبين لا سيما فيما يتعلق بالقطاع النفطي. العلاقات التي ربطت بين البلدين كانت دومًا ذات طابعٍ خاص، فالاتحاد السوفيتي السابق كان أول الدول التي اعترفت بالمملكة إبان تأسيسها في فبراير عام 1926، ومنذ ذلك الحين تغير العالم كثيرًا، فالخلافات بين موسكووالرياض اتسعت هوتها وألقت العديد من الملفات بظلالها على العلاقة بين البلدين كالسوري واليمني والإيراني، ومع تلك الخلافات أصبحت العلاقات الاقتصادية هي من أهم النقاط المشتركة التي تسير العلاقة بين البلدين للبناء عليها، وهنا نجد للجانبين التجاري والاقتصادي أولوية خاصة، إذ ارتفع حجم التبادلات التجارية بين البلدين من 235 مليون دولار أمريكي عام 2005 إلى نحو مليار دولار أمريكي عام 2015، وتشمل الصادرات الروسية إلى السعودية الحديد والنحاس المصقول والشعير والأنابيب ومعدات الحفر، وتستورد روسيا من المملكة منتجات بتروكيماوية وتمور. الجانبان أبرما عام 2015 عددًا من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي يعول على دورها في دفع عجلة التعاون في شتى المجالات أبرزها، الاتفاق على استثمار 10 مليارات دولار في إطار شراكة بين صندوق الاستثمارات العامة في المملكة والصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة. مؤخرًا لعب البلدان دورًا فعالًا في الوصول إلى اتفاق عالمي بين منتجي النفط شهر ديسمبر الماضي، أدى إلى خفض إنتاج النفط بمعدل مليون و800 ألف برميل يوميًا في إطار جهود لتعزيز أسعار الذهب الأسود، وقد توصلت منظمة أوبك مع منتجين عالميين كبار آخرين تقودهم روسيا إلى تمديد العمل به 9 شهور أخرى. وفي المجال السياسي وهو الأخطر في العلاقة بين موسكووالرياض، لا يتوافق البلدان حول أعقد الملفات في المنطقة وهو الملف السوري، فالرياض تسعى للتعجيل بإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد من المشهد السياسي في سوريا، بينما يهدف التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا إلى تعزيز بقاء الأسد في السلطة، رغم العرض السعودي الذي رفضه بوتين العام الماضي بإعطاء "حصة" أكبر لروسيا في الشرق الأوسط، مقابل تخليها عن الرئيس السوري بشار الأسد، طبقا لتصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، فى ذلك الوقت. قد لا تجد روسيا عناءً كبيرًا في الكشف عن التمييز الذي تقوم به الرياض في تعاطيها مع موسكووواشنطن، فبن سلمان قدم إلى بوتين بعد أن وقع صفقات مع ترامب تناهز 500 مليار دولار، بينما صفقاته مع روسيا لن تتعدى بضع مليارات، وهنا تكمن المفارقة، فولي ولي العهد يسعى لإضعاف العلاقة بين موسكووطهران بأقل الصفقات الممكنة، فالميزان التجاري السعودي الروسي لن يتعدى المليار، بينما الميزان التجاري بين إيرانوروسيا بلغ في عام 2016 ما يقارب 2.18 مليار دولار، ولم يستبعد سفير إيران لدى روسيا مهدي الصنائع، سابقا، أن يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنتين أو الثلاث سنوات القادمة إلى 10 مليارات دولار. لا يبدو أن التوافقات الاقتصادية بين موسكووالرياض تستند على أرضية سياسية صلبة، فروسيا والسعودية خصمان في مجلس الأمن، فكل قرار تدعمه الرياض في أروقة المجلس ضد الحكومة السورية يجابه بالفيتو الروسي، كما أن موسكو لعبت الدور الأكبر في الوصول إلى الاتفاق النووي مع إيران وهو الاتفاق الذي مازال يشكل عقدة لدى صناع القرار السعوديين.