هذا هو جدّ الطاهرة العقيلة السيدة زينب سيد الكونين (ص)، فمن جدّتها؟ إنها أمّ المؤمنين "السيدة خديجة".. القرشية أبًا وأمّا، عُرفت في مكة المكرّمة بالطاهرة أو بسيدة نساء قريش، وازدادت فخرًا ومجدًا وعزًّا حين صارت أولى زوجات النبيّ (ص).. ومن يقول ويكتب عن السيدة خديجة.. ولكن انظر إلى السماء في أي بقعة على الأرض.. نعم هذه السموات التي تراها بعينيك.. سد الأفق سيدنا جبريل بجناحيه فيها.. و.. وهبط منها إلى النبيّ هاشّا باشّا ليبلغه رسالة ووصيّة لا توصف، ولم يسبق لأحد اختصاصها.. السّلام من الله تعالي تعالوا نقرأ النص بالكتب والمراجع – في فضل السيدة خديجة – جدّة العقيلة " زينب "- قال (ص) : "أتاني جبرئيل، فقال: يا رسول الله هذه خديجة قدأتتكَ ومعها إناء فيه أدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السّلام من ربّها و – منّي .. لاحظ هنا طلب البركة من أم الزهراء بإبلاغ النبي سلام جبريل ذاته منه إلي حضرتها الشريفة.. الله علي نورك يا "أم المؤمنين" وما قدر إخلاصك, وإيمانك بالنبيّ.. تعالوا نكمل الحديث.. واستكمل جبرئيل: .. و- وبشّرها – ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب".. وروي من وجوه: أنّ النبيّ ( ص) قال: "يا خديجة جبريل يُقرئك السّلام"، وفي بعضها: "يا محمّد اقرأ على خديجة من ربّها السّلام" وأنه (ص) قال: " إنّ جبريل قال: يا محمّد اقرأ على خديجة من ربّها السلام".. فقال النبيّ (ص): "يا خديجة هذا جبريل يقرئك السّلام من ربّك"، فقالت خديجة: "الله هو السّلام، ومنه السّلام، وعلى جبريل السّلام" .. لاحظ هنا الأدب والجلال في الرد علي بارئها مرسل "سلامه وتحيته.. عظمت قدره تعالى ووصفته بأنه هو "السلام.. وهو تعالي – منبع وواهب السلام، وردت بذات الاسم تحية سيدنا جبرئيل – : وقال (ص) "خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة".. وفي رواية قال جبريل عليه السلام: "يا محمد ما نزلت من عند سدرة المنتهى إلا ويقول الله تعالى يا جبريل سلّم على خديجة".. الله جلّ جلاله العليم.. يا إلهي.. أيّ اختصاص هذا.. يا "جدّة زينب". ذكرت بعض كتب السيرة – أن النبي (ص) لما تزوج السيدة خديجة كثر كلام الحساد فيها، فقالوا إن محمدًا فقير وقد تزوج بأغنى النساء، فكيف رضيت خديجة بفقره؟.. فلما بلغها ذلك، أخذتها الغيرة على رسول الله (ص) أن يعيّر بفقره، فدعت رؤساء الحرم، وأشهدتهم أن جميع ما تملكه لمحمد (ص)، فإن رضي بفقري، فذلك من كرم أصله، فتعجب الناس منها، وانقلب القول فقالوا إن محمدًا أمسى من أغنى أهل مكة وخديجة أمست من أفقر أهل مكة، فأعجبها ذلك.. فقال: بمَ أكافئ خديجة؟.. فجاءه جبريل وقال: "إن الله يقرئك السلام ويقول لك مكافأتها علينا" -لاحظ هنا -العناية الإلهية تحيط بحبيبه- .. فانتظر النبي (ص) المكافأة فلما كان ليلة المعراج ودخل الجنة وجد فيها قصرًا مد البصر فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فقال يا جبريل لمن هذا قال لخديجة فقال (ص): "هنيئًا لها لقد أحسن الله مكافأتها".. وعن أبي جعفر.. قال: "لمّا توفّي طاهر ابن رسول الله (ص) نهى رسول الله (ص) خديجة عن البكاء.. فقالت: بلى يا رسول الله، ولكن درّت عليه الدريرة فبكيت.. فقال لها: أما ترضين أن تجديه قائمًا على باب الجنّة فإذا رآك أخذ بيدك فأدخلك أطهرها مكانًا وأطيبها؟.. قالت: وإنّ ذلك كذلك؟.. قال: فإنّ الله أعزّ وأكرم من أن يسلب عبدًا ثمرة فؤاده فيصبر ويحتسب ويحمد الله عزّوجلّ ثم يعذّبه".. عن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله (ص) قال: إنّ جبرئيل – عليه السلام – قال لي ليلة اُسري بي حين رجعت وقلت: يا جبرئيل هل لك من حاجة؟.. قال: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومنّي السلام.. وفي كتب السيرة يحلو السرد.. تعاهدت السيّدة خديجة – عليها السلام- مع أعمام النبي (ص) على أن تخوّله أموالها وتضع كل ما لديها تحت اختياره، عمدت – سلام الله عليها – إلى غلمانها وجعلت توصيهم به وتحثّهم على طاعته وخدمته طيلة سفرهم وحضرهم، الأمر الذي يدلّ على عظم معرفتها بقدر النبي (ص). ونقل المؤرخون أنه: لمّا خرج أولاد عبد المطّلب وأخذوا في أهبّة السفر التفتت السيّدة خديجة -عليها السلام – إلى النبي (ص) وقالت: ألا تملك غير هذه الثياب؟ فليست هذه تليق للسفر.. فقال: لست أملك غيرها.. فبكت خديجة وقالت: عندي ما يصلح للسفر غير أنّهنّ طوال فانتظر حتى أقصرها لك.. فقبل (ص) بذلك، وكان إذا لبس القصير يطول، وإذا لبس الطويل يقصر كأنه مفصّل عليه.. فأخرجت له ثوبين من قباطي مصر، وجبّة عدنية، وبُردة يمنية، وعمامة عراقية، وخفّين من الأديم، وقضيب خيزران، فلبس النبي (ص) الثياب وخرج كأنه البدر في تمامه. ثمّ إنّ السيدة خديجة (عليها السلام) قالت للنبي (ص): أعندك ما تركب عليه؟ قال: إذا تعبت ركبت أي بعير أردت.. فقالت: لا، كانت الأموال دونك.. ثم قالت لعبدها ميسرة: ايتني بناقتي الصهباء حتى يركبها، فأتى بها ميسرة وقد كانت لا يلحقها في سيرها تعب ولا يصيبها نصب..ثم إنّها التفتت إلى غلاميها ميسرة وناصح وقالت لهما: اعلما أنّني قد أرسلت إليكما أمينًا على أموالي وأنه سيد قريش فلا تخالفا أمره، فإن باع لا يمنع، وإن ترك لا يؤم، وليكن كلامكما له بلطف وأدب، ولا يعلو كلامكما على كلامه.. فقال ميسرة: والله يا سيدتي إنّ لمحمد عندي محبّة عظيمة قديمة.. ثم إنّ النبي (ص) ودّع السيّدة خديجة وركب راحلته وخرج وميسرة وناصح بين يديه.. عندما خرج رسول الله (ص) إلى الشام للتجارة شاهد مرافقوه معجزات كثيرة أرشدتهم إلى عظمة شخصه الكريم (ص) ومدى قداسته عند الله تعالى.. هناك الكثير من المؤيّدات التي تدل على أنّ السيدة خديجة (عليها السلام) لم تكن على دين أهل مكة من الشرك، بل كانت مؤمنة على دين إبراهيم الخليل (عليه السلام)، منها: حرصها الشديد على أن تكون هي صاحبة الشرف العظيم في أن تكون زوجة للنبي (ص).. وهذا إنما يدلّ على عمق معرفتها وتقديسها للرسول (ص) الذي يحمل في جبينه نور الرسالة الخاتمة.. قيل: كان عمر النبي (ص) حين تزوّج بالسيّدة خديجة (عليها السلام) إحدى وعشرين سنة..وقيل: كان خمسًا وعشرين سنة.. وقد أقامت معه أربعًا وعشرين سنة وشهرًا. ولم يتزوّج عليها غيرها، إلاّ بعد أن توفيت (عليها السلام).. والظاهر أن السيدة خديجة لم تتزوج بغير رسول الله (ص)، حيث إنها قد بشرت بزواجها من الرسول فلم تقبل أي واحد كزوج لها.. وإنه لم يبقَ من أشراف قريش ومن ساداتهم وذوي الجدة منهم إلاّ وخطب السيّدة خديجة ورام تزويجها، فامتنعت على جميعهم من ذلك. كساء المدّثر كانت السيّدة خديجة عليها السلام طيلة ربع قرن نجمًا ساطعًا يشعّ بنوره على بيت النبوة والرسالة، تجلي بنظراتها الحانية الهمّ والشجن عن نبي الرحمة (ص)، حتى حان موعدها مع القدر في العاشر من رمضان في السنة العاشرة من البعثة عندما أسلمت الروح لبارئها وألقت برحيلها المفجع ظلالاً من الكروب والأحزان على قلب النبي، وكان ذلك في السنة الثالثة قبل الهجرة ودفنت في الحجون، حيث دخل النبي (ص) قبرها ووضعها في لحدها بيديه الشريفتين، في ذلك الوقت لم تكن صلاة الميّت قد شرّعت بعد، وكانت وفاتها بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أشهر، وقيل بأنّ الفترة بين الوفاتين هي من ثلاثة أيام إلى ثلاثة أشهر، وعلى أيّ حال، كان وقع ذلك شديدًا على النبي الكريم الذي فقد نصيرين له، وقد سمّي ذلك العام بعام الحزن، وأعلن الحداد فيه، وما فتئ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله يقول: لم يسيطر عليّ الحزن والهمّ طيلة حياة أبي طالب وخديجة. لقد ظلّت ذكرى خديجة والسنوات المشتركة خالدة وماثلة في ذاكرة النبي لم يمحها الزمان. لم يكن يخرج من البيت إلا ويذكر خديجة بخير.. و.. أوصت السيّدة خديجة عليها السلام النبي الكريم عدّة وصايا وهي على فراش الموت، هي أن يدعو لها بالخير، أن يلحدها بيده، أن يدخل قبرها قبل دفنها.. وأن يضع مرطهُ – كساءٌ من خزٍّ أَو صوف أو كَتَّان يُؤتَزر به – الذي ادّثر به عند نزول الوحي، على كفنها. إنّ السيّدة خديجة عليها السلام التي وهبت كل ثروتها وأموالها إلى الحبيب المصطفى لم تطلب في مقابل ذلك سوى مرط، ومع ذلك فهي لم تطلبه منه مباشرة، بل بواسطة ابنتهما الزهراء عليها السلام . حينذاك نزل الوحي من عند الله العلي القدير بكفن من الجنّة.. و.. قامت أمّ أيمن وأم الفضل (زوجة العباس) بغسل جسد السيّدة خديجة عليها السلام، ثم ألقتا عليها نظرة الوداع الأخيرة. .في البداية قام الرسول الأكرم بوضع مرطهُ على الكفن، ثمّ وضع كفن الجنة عليها. كانت السيّدة خديجة عليها السلام في الرمق الأخير من عمرها تنظر بقلق إلى ابنتها الزهراء عليها السلام، فما كان من أسماء بنت عميس إلا أن تعهّدت لها بأن تكون أمًّا لها ليلة زفافها.. عن أبي جعفر قال: لما توفيت خديجة رضي الله عنها جعلت فاطمة تلوذ برسول الله صلى الله عليه وآله وتدور حوله، وتقول: يا أبه، أين أمي؟ قال: فنزل جبرئيل عليه السلام فقال له: ربك يأمرك أن تقرئ فاطمة السلام، وتقول لها: إن أمكِ في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران، فقالت فاطمة عليها السلام: إن الله هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام. – أيّ فضل هذا.. من علي الأرض أرسل الله إليه السلام غير جدّتك يا "زينب"؟ وماذا بعدُ من تخصيص البارئ لها بالسلام، فقد بلغ من قداسة السيدة خديجة عند الله تعالى أنّه عزّ وجلّ كان يخصّها بالسلام.. ففي الحديث أنّ جبرئيل أتى النبي (ص) فسأل عن خديجة فلم يجدها، فقال: إذا جاءت فأخبرها أنّ ربّها يقرئها السلام.. السلام على الجليلة النبيلة الأصيلة العقيلة الكاملة العاقلة الباذلة العالمة الفاضلة العابدة الزاهدة المجاهدة الحازمة، والحبيبة لله ولرسوله ولوليه، المختارة من النساء والصفية البيضاء، حليلة الرسول وأم البتول، صفوة النسوة الطاهرات، وسيدة العفائف المطهرات، أفضل أمهات المؤمنين وأشرف زوجات الرسول الأمين، وأول من آمنت من النساء وأسبقهن إلى عبادة رب الأرض والسماء، وخاصة الرسول وخلاصة الإيمان، أصل العزّ والمجد وشجرة الفخر والنجد، السابقة إلى الإسلام والدين في العاجلة والأخرى، مولاتنا وسيدتنا أم المؤمنين خديجة الكبرى عليها السلام يا وجيهة عند الله..