لم تعلن أي جهة حتى هذه اللحظة مسؤوليتها عن العملية الإرهابية الأخيرة في حق حرية الصحافة، والتي أسفرت عن حجب نحو 6 مواقع مصرية حاصلة على تراخيص من الهيئات والمؤسسات اللازمة وتعمل وفقا للقانون والدستور منذ عدة سنوات. بعد أن تصاعد دخان العملية وصنع دويا كبيرا داخل البيت الصحفي، توجه رؤساء تحرير المواقع المحجوبة إلى نقابتهم –الصحفيين- ليستجيروا بها من الظلم الذي حل عليهم، وهو ما حدث. قدم الزملاء مذكرات إلى النقابة يشرحون فيها موقفهم القانوني وكيف تم السطو على مجهودهم وشقى السنين بضغطة زر من مسؤول مجهول في جهة غير مسؤولة، وأسهبوا في شرح كيف أن هذا القرار سيدخل الخراب على المئات من الصحفيين العاملين في تلك المواقع، مطالبين النقابة بأن تهب دفعا عن المهنة وعن أعضائها باعتبار أن ذلك هو أولى وظائفها، بحسب قانونها الأساسي. جمعت نقابة الصحفيين، والتي للعلم أشرف بعضويتي في مجلس إدارتها المنتخب، مذكرات الزملاء وبدلا من مناقشتها والتحرك ببلاغات إلى النائب العام ضد هذا المجهول ومخاطبة الرئاسة ومجلس الوزراء ووزارة الاتصالات والهيئة القومية لتنظيم الاتصالات لمعرفة من المسؤول عن جريمة الحجب غير القانونية، أحالت النقابة مذكرات رؤساء تحرير المواقع المحجوبة إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الذي يترأسه الأستاذ مكرم محمد أحمد. والأستاذ مكرم أو الكبير كما يجب أن يطلق عليه بعض تلاميذه كان قد رحب بالقرار اللقيط بحجب المواقع فور صدوره من الجهة المجهولة مساء الأربعاء الماضي، آخذا العاطل بالباطل ومعتبرا أن كل المواقع التي تم حجبها تابعة ل"جماعة الإخوان الإرهابية"، مؤكدا أنه قرار صائب. وأضاف مكرم محمد أحمد: "ينبغي أن تغلق كل المواقع التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، مواقع متسربة ويسبون قواتنا المسلحة ليل نهار وينبغي التخلص منها"، معلنا عن تشكيل المرصد القومي بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لرصد المواقع التي تحرض على الإرهاب والعنف واتخاذ قرار بشأنها. لم يصدر عن الأستاذ مكرم محمد أحمد تصريح عن المواقع المصرية المرخصة التي تمارس عملا مهنيا ولها مكاتب ومقرات في قاهرة المعز ويعمل بها المئات من الصحفيين المقيدين في جداول نقابة الصحفيين المصريين، ولم يستثنها من تصريحه المبكر، لكنه وتحت ضغط رؤساء التحرير وعدد من أعضاء مجلس النقابة وبعض الكتاب الذين تناولوا الموضع في مقالاتهم، عاد وأعلن عن تشكيل لجنة تضم أعضاء هيئة مكتب مجلسه الموقر، للنظر فى الشكاوى المقدمة من أصحاب بعض المواقع الإخبارية التي تشتكي من قرار وضعها على قائمة الممنوعين والحجب. وأضاف مكرم محمد أحمد فى تصريحات للزميلة "اليوم السابع" أمس الثلاثاء، أن اللجنة ستكون على مستوى عالى، وستضم أيضا رئيس المجلس والوكيلين وعضو مجلس الدولة، مع احتمالية مشاركة نقيب الصحفيين، مؤكدا أن اللجنة ستجتمع فى غضون يومين. أكاد أجزم أن مهمة الأستاذ مكرم ومجلسه ولجنته ستكون تسويف القضية وترحيلها شهرا بعد شهر حتى ييأس أصحاب الحقوق أو يكشف الله الغمة التي حلت على مصر، وذلك لعدة أسباب أبرزها أن مجلس "الكبير" تم اختياره بعناية حتى يكون يد السلطة المسلطة على الإعلام وليس صوت الإعلام عند السلطة، ثانيها أن الكبار في هذا المجلس هم كبار فعلا استمروا عقودا في أقبية الصحافة الحكومية لا يعرفون الكثير عن الصحافة الحرة، بمعنى آخر عاشوا معظم سنوات حياتهم وهم يحسبون نجاحهم بمدى قربهم أو بعدهم عن مصدرهم الحكومي، ثالثها إن هؤلاء الكبار لا يعترفون بالمواقع الإلكترونية كوسيلة من وسائل الإعلام، فمازلوا يتعاطون الصحافة التقليدية وينظرون بأنفة إلى من يعمل في الميديا الجديدة ويودون أن تنشق الأرض وتبلع هؤلاء الذين بدعوا صحافة التمرد والرفض، فهم من وجهة نظرهم أس البلاء الذي حل على البلاد والعباد، فضلا عن أنهم سحبوا البساط من تحت أرجلهم وصاروا نجوما في سماء المحروسة، فيما ظل كبارنا يحرثون رمال الصحف الحكومية معظم سنوات عمرهم ولم يصلوا إلى ماوصل له أحفادهم. لتلك الأسباب لا أتوقع أن يكون هناك حلا لأزمة حجب المواقع ففاقد الشيء لا يعطيه.