بعد شهر من عودة العلاقات الكوبية المغربية التي كانت قد شهدت قطيعة ل37 عامًا، وأثارت العديد من علامات الاستفهام حول جدوى عودتها في الوقت الحالي، تتحرك جبهة البوليساريو المدعومة من كوبا لتنشيط علاقاتها مع داعمتها الاستراتيجية، من خلال زيارة رسمية تخفي بين طياتها الكثير من الرسائل السياسية للرباط. وصل زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، إلى العاصمة الكوبية هافانا، أمس الخميس، في زيارة رسمية لهذا البلد الذي يُعد من أكبر مساندي هذه الجبهة، خاصة على مستوى التكوين والدعم السياسي، ويلتقي غالي خلال الزيارة، التي تستمر ثلاثة أيام، الرئيس الكوبي، راوول كاسترو، وحرصت الحكومة الكوبية في بيان لها على تعريف زعيم الجبهة التي تسعى للحصول على حكم ذاتي ب«رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية». استئناف العلاقات المغربية الكوبية تأتي تلك الزيارة بعد شهر من استئناف المغرب علاقاتها الدبلوماسية مع كوبا، بعد اعتراف هافانا ب«الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية» التي أعلنتها في 1976 جبهة بوليساريو، وسط نزاع مع السلطات المغربية حول السيادة على الصحراء الغربية، حيث قطعت المغرب علاقاتها الدبلوماسية بكوبا في 22 أبريل 1980، بعدما اعترف نظام فيدل كاسترو حينها بجبهة البوليساريو كدولة مستقلة تمتلك حكمًا ذاتيًّا ولها حق تقرير المصير. وفي نهاية إبريل الماضي، وخلال زيارة الملك المغربي، محمد السادس، إلى هافانا، وفي إطار حملة دبلوماسية مكثفة شنها الملك المغربي لاستقطاب دعم بعض الدول من إفريقيا وأمريكا اللاتينية، لقضيته في النزاع مع جبهة البوليساريو على السيادة في الصحراء الغربية، أعلنت الرباط وهافانا عودة العلاقات بين البلدين، وجاء تطبيع العلاقات بين البلدين بعد أن أدركت المغرب جيدًا أن سياسة الكرسي الفارغ لم تعد تجدي، وأن دبلوماسيتها ينبغي أن تكون هادئة وتتوفر فيها وسائل إقناع قوية ومحاولات استقطاب سياسية، الأمر الذي دفع الملك المغربي إلى القيام بجولات دولية واسعة، شملت تنزانيا وإثيوبيا والسنغال ونيجيريا والغابون ورواندا وكينيا، وصولًا إلى كوبا التي قرر التوقف عن مقاطعة نظامها، والانخراط في محاولة إقناعها بحجج تاريخية وقانونية بمغربية الصحراء، على أمل قلب المعادلة السياسية في نزاع الصحراء. يبدو أن عودة العلاقات لم تكن بالقوة الكافية التي تمنع كوبا من الاستمرار في دعم البوليساريو، ففي الوقت الذي تم الإعلان فيه عن عودة العلاقات بين المغرب وهافانا إلى طبيعتها، خرجت الأخيرة لتؤكد للبوليساريو على موقفها الثابت والداعم لحق الصحراء الغربية بتقرير المصير، مشددة على أن الرباط هي التي قررت بشكل أحادي الجانب، وغير مشروط إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الجزيرة الشيوعية. ورجح الكثير من المراقبين أن زيارة زعيم البوليساريو إلى كوبا جاءت بغرض تأكيد دعم الأخيرة لجبهته وإرسال رسالة سياسية للمغرب مفادها أن كوبا لاتزال الداعم الأقوى للجبهة، خاصة أن التطبيع الكوبي المغربي الأخير أثار قلق الجبهة التي تعتبر هافانا من أبرز داعميها، حيث وصفه البعض ب«النكبة الكوبية»، معتبرين أن قواعد اللعبة في الكاريبي وأمريكاالجنوبية قد تغيرت. العلاقات الكوبية البوليسارية.. تاريخ من الدعم تاريخيًّا، تعتبر كوبا البلد الثاني الأكثر أهمية بالنسبة للبوليساريو، حيث تلقت الأخيرة في عهد الرئيس الكوبي الراحل، فيدل كاسترو، أكبر دعم في تاريخها، ففي الوقت الذي توفر فيه الجزائر للجبهة الدعم المالي والسياسي، ساهمت كوبا في تكوين أطر الجبهة في شتى المجالات العسكرية والطبية والإدارية، حيث استقبلت مدارس وجامعات العاصمة الكوبية هافانا مئات الطلبة من مخيمات تندوف جنوبالجزائر، الذين أصحبوا عماد البوليساريو فيما بعد، الأمر الذي مكّن البوليساريو من الاستمرار في مخيمات تندوف، فما كانت لتستمر لولا الدعم اللوجيستي الذي قدمته كوبا. في الإطار ذاته، فإن كوبا هي الدولة الوحيدة التي ساهمت في نشر هذا النزاع بين المغرب والبوليساريو في أمريكا اللاتينية، حيث عمل كاسترو حينها على إقناع الكثير من دول المنطقة الاعتراف بها، وتمكن من استقطاب الدعم السياسي والدبلوماسي وسلسلة الاعترافات التي حظيت بها الجبهة للاعتراف بما يسمى «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية». على جانب آخر، أعلنت أعلنت كوبا، منذ بداية الستينيات من القرن الماضي، عداءها الواضح للمغرب، وظهر ذلك خلال حرب الرمال التي اندلعت عام 1963 بين المغرب والجزائر، في عهد أحمد بن بلة، حيث دعمت حينها كوبا النظام الجزائري بالسلاح وحاولت حشد المواقف الإقليمية والدولية ضد الرباط. وجاءت وفاة الرئيس الكوبي، فيدل كاسترو، لتخسر الجبهة أحد الداعمين الرئيسيين لها في أمريكا اللاتينية، حيث كان يوصف قيد حياته ب«العراب السياسي» للجبهة المدعومة من الجزائر، واتضحت تلك العلاقة في إعلان رئيس الجبهة إبراهيم غالي الحداد 8 أيام على وفاة زعيم الثورة الكوبية.