بعد 37 عامًا من القطيعة، عادت العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وكوبا مرة أخرى، في صورة توضح التغييرات السياسية التي شهدتها البلدان وانفتاحهما الشديد على العالم الخارجي، رغم الخلافات الكثيرة، التي كانت موجودة بين الدولتين وعاقت تحسن العلاقات طيلة العقود الماضية. وقرر المغرب إعادة علاقاته الدبلوماسية مع كوبا؛ حيث أكدت المملكة أنها ستفتح سفارة لها قريبا بهافانا، مؤكدة عبر خارجيتها "توقيع بلاغ مشترك بين البعثات الدائمة للبلدين لدى منظمة الأممالمتحدة بنيويورك، وإعادة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء". ويأتي القرار بعدما تواردت معلومات عن انتقال العاهل المغربي إلى كوبا قبل أيام برفقة عائلته في زيارة غير رسمية، وتحديدا إلى جزيرة كايو سانت ماريا، لتكون أول زيارة من نوعها لملك مغربي إلى هذا البلد منذ إعلان القطيعة عام 1980 إبان فترة حكم الراحلين، العاهل المغربي الحسن الثاني والرئيس الكوبي فيديل كاسترو؛ بسبب الدعم الكبير الذي تقدمه كوبا لجبهة البوليساريو، ولا تزال كوبا إحدى الدول التي تعترف بها ولا تعترف بها الأممالمتحدة. تاريخ العلاقة بين البلدين يوضح أنه بالإضافة إلى قطع العلاقات بسبب دعم كوبا لجبهة بوليساريو، فإن هافانا أعطت الانطلاقة لتكوين الآلاف من شباب الجبهة في مختلف المجالات الإدارية والطبية والحربية، ناهيك عن المساعدات اللوجيستية المقدمة لها، بجانب العلاقة المتميزة التي ربطت الجزائربكوبا في عهد كاسترو، ما انعكس مؤخرًا في قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بإعلانه حدادًا لمدة 8 أيام على وفاة الزعيم الكوبي فيديل كاسترو، حتى قررت المغرب قطع جميع العلاقات مع كوبا وإغلاق أبواب التعامل معها. مؤخرا، اتخذت هافانا والرباط مسارات جديدة تختلف عن توجههم السابق، وكان تطبيع العلاقات مع واشنطن ذا تأثير واسع على سياسات كوبا القديمة، الأمر الذي مثل صداعا لما يعرف بالتحالف البوليفاري، الذي كان يضم بجانب هافانا الإكوادور وفنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا، لكن نفوذه تراجع بشكل كبير خلال الأعوام الماضية، وكان يدعم هذا التحالف حركات التحرر في العالم أجمع، من بينها البوليساريو، ما كان يؤثر دائمًا في علاقات هذه الدول مع المغرب. كما أن تحركات كوبا مؤخرا بتهدئة صراعاتها الخارجية والإسهام في تسوية نزاع كولومبيا والقوات المسلحة الثورية الكولومبية، وتوقيع كوبا على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية٬ كانت أبرز المؤشرات التي تؤكد أن هافانا مقبلة على سياسات مختلفة عن سابقتها. ومن ناحية أخرى، فإن الرباط استثمر التغيرات التي أقدمت عليها هافانا؛ حيث بدت سياسة الملك المغربي أيضا متغيرة عن السابق، بعدما أطلق توجهًا جديدًا يعتمد على عودة العلاقات مع جميع الدول، التي قطعت على خلفية أزمة الصحراء، وبدأ بالقارة الإفريقية، في محاولة لحصار جبهة البوليساريو وتضيق الخناق على حليفها الإقليمي الأكبر الجزائر. ونقلت وكالة المغرب العربي للأنباء عن الرئيس السابق لمجلس المستشارين، محمد الشيخ بيد الله، قوله إن المغرب قام بالعديد من المبادرات المهمة لتقريب وجهات نظره مع قارات منطقة بحر الكاريبي وأوروبا وإفريقيا، ومؤخرًا مع أمريكا اللاتينية، في إشارة إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وكوبا، الأمر الذي ينسجم مع السياسة الجديدة للمغرب المعتمدة على خطة توسيع شبكة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية. ويرى المراقبون أن تحركات الملك المغربي الأخيرة تعتمد على تنويع الشركاء والانفتاح على القوى الدولية للحفاظ على وحدة البلاد من خلال اختراق المعاقل التقليدية للبوليساريو.