يبدو أن العلاقات الأمريكية الروسية وصلت إلى طريق مسدود يصعب الخروج منه لفتح صفحة جديدة، فعلى الرغم من المحادثات الهاتفية واللقاءات والقمم بين مسؤولي الطرفين، والأزمات الإقليمية والدولية التي تدفع كلا البلدين إلى التنسيق حتى وإن كان ذلك رغمًا عن توجهاتهما، إلا أن الخلافات بينهما لا تزال تحكم العلاقات وتؤثر على القضايا والأزمات السياسية الضالع فيها البلدان، وعلى الأوضاع العالمية بشكل عام، وهو ما يعترف به كل من موسكووواشنطن. اعتبر وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، أن العلاقات بين الولاياتالمتحدةوروسيا هي الأسوأ منذ الحرب الباردة، مستبعدًا أن تشهد انطلاقة جديدة، وقال تيلرسون في حديث له أمس الأحد: إن العلاقات تراجعت إلى أدنى مستوى على الإطلاق منذ نهاية الحرب الباردة مع مستوى ثقة مُتدنٍّ جدًّا، وأضاف "ثمة انطباع عام أن هذا الأمر ليس صحيًّا للعالم، وهذا ليس صحيًّا بالتأكيد بالنسبة إلينا، بالنسبة للشعب الأمريكي ومصالحنا المتصلة بالأمن القومي"، وتابع تيلرسون "ينبغي الفهم أننا لا نحاول البدء مجددًا من الصفر". ورأى أنه "تم تجاوز كلمات مثل الانطلاق مجددًا، حيث لا يمكننا أن ننطلق مجددًا، ولا يمكننا أن نمحو الماضي، ولا يمكننا أن نقوم ببداية جديدة"، مؤكدًا أنه "علينا أن ننظر إلى هذه العلاقة بأفق أوسع؛ بهدف إرسائها مجددًا إذا كان ذلك ممكنًا". تصريحات "تيلرسون" تزامنت مع تصريحات أمريكية أخرى على نفس الوتيرة، أطلقها وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، روبرت جيتس، حيث قال إن العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة تدهورت بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب، وأضاف "جيتس" في مقابلة مع قناة "CBS News": أعتقد أن أحد الأشياء التي أدهشت الناس أن العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة بعد الانتخابات تدهورت في الواقع. واعتبر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق أن ترامب لا يقدم أية تنازلات لروسيا، لافتًا إلى وجود تناقض صارخ بين كيفية تعامل البيت الأبيض مع الصينوروسيا. هذه التصريحات الأمريكية تحبط اندفاعة التفاؤل التي سادت الأجواء بعد أيام من زيارة قام بها وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إلى واشنطن الأربعاء الماضي، واستمرت لمدة 3 أيام، في أول زيارة لمسؤول روسي رفيع المستوى إلى واشنطن منذ وصول "ترامب" إلى السلطة، وأجرى "لافروف" خلال الزيارة مباحثات مع نظيره الأمريكي، ريكس تيلرسون، وفيما بعد استقبل لافروف في البيت الأبيض من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأمر الذي دفع بعض المحللين إلى القول بأن مسؤولي البلدين على الرغم من كل هذه اللقاءات فشلوا في فتح صفحة جديدة من العلاقات بينهما، وأن زيارة "لافروف" لأمريكا لم تأتِ بجديد، بل كانت روتينية أو مجرد تمهيد للقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بنظيره الأمريكي، أو رد على الزيارة التي قام بها "تيلرسون" لموسكو قبل فترة، وهو ما أكده وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، روبرت جيتس، حيث علق على لقاء "ترامب" ب"لافروف"، بأن وزراء الخارجية السوفييت أتوا دائمًا بشكل روتيني، ولذلك أرى أن هذا اللقاء "ليس بالشأن الكبير". هذه المؤشرات تتناقض تمامًا مع تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي أطلقها عقب لقائه مع لافروف في البيت الأبيض، حيث أعرب ترامب حينها عن رضاه عن اللقاء مع وزير الخارجية الروسي، ووصفه ب"الجيد جدًّا"، وشدد على أن إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي، لم يكن لها أي تأثير على سير المباحثات مع "لافروف"، كما أكد على "ضرورة وقف العنف المروع في سوريا، وأن الجميع يعملون على تحقيق ذلك". الطرفان الروسي والأمريكي يعترفان جيدًا بتدهور العلاقات بينهما، وهذه ليست المرة الأولى التي يطلق فيها مسؤولو البلدين تصريحات بشأن تحسين العلاقات بين البلدين وفتح قنوات الحوار، فمنذ أن كان "ترامب" مرشحًا للرئاسة أبدى إعجابه بشخصية "بوتين" والسياسة الروسية، وأكد أن العلاقات بين البلدين ستشهد طفرة جديدة بعد فوزه وتنصيبه رئيسًا، لكن ما حدث عكس ذلك تمامًا، حيث توترت العلاقات أكثر بعد تنصيب "ترامب" واتخاذه مواقف عدائية تجاه كل من سورياوإيران الحليفتين لروسيا، ليعود "تيلرسون"، ويؤكد خلال زيارته الأخيرة لموسكو، على تشكيل لجان عمل مشتركة لإزالة العقبات على طريق تحسين العلاقات الثنائية، لكن تظل هذه اللجان مجرد تصريحات إعلامية وحبر على الورق السياسي دون تحويلها إلى واقع. الخلافات بين روسيا وأمريكا لم تتوقف عند سوريا فقط التي تمثل أكبر وأول نقاط الخلاف بين الطرفين، لكنها تمتد أيضًا إلى مسائل أخرى بين البلدين، بعضها متعلق بالعقوبات المفروضة على روسيا من جانب، والتعاون الاقتصادي بين البلدين من جانب آخر، ورؤى البلدين للعلاقات مع الدول الخليجية، وكذلك مع إيران العدو اللدود لأمريكا والحليف المقرب لروسيا.