يبدو السؤال مشروعا بعد أن أطلقت حماس وثيقتها السياسية الجديدة، التي تحدثت عن فك الارتباط التنظيمي مع جماعة الإخوان، التي لفها هي الأخرى زلزال مصري وإقليمي ودولي خصوصا بعد فشل إخوان مصر وخروجهم من دائرة التأثير أو الفعل. تضمنت الوثيقة قدرا لافتا من المخاتلة اللفظية بالحديث عن فلسطين من البحر إلى النهر، وفى ذات الوقت الحديث عن القبول بدولة على حدود يونيو 1967 واستعداد حماس لدخول نفق السلطة الوطنية الفلسطينية المسدود والعبثي. عودنا الإخوان وكذا فروعهم حول العالم، خصوصا الفروع المشرقية على الاستجابة الناقصة والمتأخرة في مواجهة كل تحدٍ يواجهها، وعلى فروق التوقيت في إدراك الحقائق وتجربة المجرب، لذا فاجأتنا حماس بعد ثلاث عقود من تأسيسها كحركة مقاومة مسلحة للاحتلال الصهيوني، حفرت في الوجدان العربي والمسلم مكانا مميزا، واحتضنت مشروعها كل القوى الحية في عالمنا العربي والإسلامي، بتعديل الوثيقة السياسية التي تصور معها الرعاة الإقليميون، وتحديدا تركيا وقطر أن بإمكانهم تعويم حركة حماس في مسار التفاوض من خلالها، لتكون بديلا عن السلطة الفلسطينية لتضعف الخطوة وتربك المسار الوطني الفلسطيني، بترك المجال أمام إسرائيل لتواصل تلاعبها بالسلطة الفلسطينية بالحديث عن وجود طرف فلسطيني جديد على استعداد للتفاوض ومن ثم مزيد من الابتزاز. ماذا تعني الوثيقة في مستقبل حركة حماس كفصيل مقاوم؟ يجمع كل العقلاء داخل فتح أنه تم استدراجهم إلى مسار تفاوض عبثي لم يؤد إلى شيء، وأن السياق الصحيح لانتزاع الحق الفلسطيني كان في الفصل الكامل بين مسار التفاوض ومسار المقاومة من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثل كل الشعب الفلسطيني بينما تنسق كل أجنحة المقاومة من كل الفصائل مع بعضها وتضرب العدو بقوة، بما يقوى ظهر المفاوض الفلسطيني. شخصيا أعتقد أن تفرد حماس والجهاد وغيرهما من الفصائل المقاومة أنها كانت تعرف مسبقا أن مسار التفاوض هو مسار لإجهاد الشعب الفلسطيني ودفعه لليأس من نيل حقوقه، والرضا بفتات يمثل أقل من 20% من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، حماس تسلم ببساطة بما رفضته عبر عقود ثلاثة، ثم تدّعي أنها ستقبل بدولة على حدود 67 كأن إسرائيل ستوافق على ذلك بالمجان، وستبتهج بالخطوة دون أن تطلب المقابل، أي سذاجة تلك! أم أن وراء الأكمة ما وراءها وأن صفقة القرن قد وقعت بالحروف الأولى، ونعيش الآن ربما إسدال الستار على قضية الشعب الفلسطيني. ماذا تريد حماس من الوثيقة؟ هل اللحاق بقطار المفاوضات الذاهب إلى الجحيم وتصفية القضية فى ظل إدارة ترامب الكارثية، وتشظي كل أعداء إسرائيل السابقين سوريا أو العراق، فضلا عن تعبئة واضحة ضد إيران واستبدالها في الوعي الجمعي للعرب والمسلمين كعدو بدلا من الكيان الصهيوني. الحركة فشلت في كل خياراتها، فشلت في إدارة القطاع، وحكمت بالحديد والنار وضيقت على الحقوق والحريات، ولم يسلم حتى بعض أبنائها من بطشها، تذكروا أكثر من 300 عنصر قسامي يرفضون الهدنة مع إسرائيل أو أي شيء يمضي باتجاه مسار التفاوض معتقلون في سجون حماس منذ 2007. من يصنع خيارات حماس السياسية، ومن ينظر لها؟ هل هو القرضاوي أو ولد الددو أم خالد مشعل الذي سيبقى تأثيره على هنية حاضرا لاشك، بالنظر إلى أن تواضع مواهب هنية ومحدودية اتصالاته عربيا ودوليا. هل ستبقى الحركة متماسكة أم قد تتعرض لانقسامات تشبه ما جرى في الحركة الأم، حول مسائل تنظيمية أو الأفكار حتى؟ صحيح أن كل تمرد على سلطة حماس من داخلها كان يواجه بأقصى درجات القمع، باعتبارها تتحرك بعقلية جيش نظامي لا يعرف التمرد، ولعل ما جرى مع مجموعة جلجلت والتي عكست تمرد 300 عسكري لازالوا معتقلين كما أسلفت. هل تعجلت حماس إعلان تلك الوثيقة التي سبق وسربتها منذ عامين فقط لمجرد إفساد زيارة أبومازن لواشنطن؟ وهل إفشال الزيارة يقوي القضية في ظل سعي حماس لإعادة استنساخ مسار أبوعمار الذي يستكمله أبو مازن؟ هل تواضع طموح حماس من دولة من البحر إلى النهر، إلى مجرد الإبقاء على سلطتها في غزة إمارة تعيش في أسوار سجن كبير؟ هل ستعترف حماس بإسرائيل؟ وهى لاشك تعترف الآن ضمنيا بها بمجرد قبولها بدولة على حدود 1967. لا أعتقد أن حماس نجحت عبر تلك الخطوة إلا في صب مزيد من الزيت على نار الخلاف الداخلي وإضعاف موقف المفاوض الفلسطيني، حتى أن إسرائيل التي مزق رئيس وزرائها نتنياهو الوثيقة وألقى بها في سلة القمامة، سمتها الصحافة الصهيونية وثيقة خداع وعملية شد وجه صغيرة لن تفلح في إعادة تعويم حماس كلاعب في مسار التفاوض العبثي واللانهائي. حماس بدأت أول درجة على سلم النزول إلى الهاوية، وإن لم تنتبه وتعيد النظر فيما أقدمت عليه وتثق في شعبها وفي أمتها، بديلا عن وكلاء وسماسرة أمريكا الذين يبيعون حماس وفتح والقضية وحتى شرفهم بلا خجل. أنا غير متفائل أبدا بتلك الخطوة التي لا تعني في حال مرورها للنهاية إلا مزيد من الإضعاف لقضية العرب والمسلمين، وأخشى أن حماس التي امتلكت في غزة 30 ألف مقاتل قد يقاتلون بعضهم بعضا ما داموا لن يقاتلوا إسرائيل ولا عزاء للقضية.