تحت أية حسابات ديمقراطية حقيقية، سيكون فوز الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل، ضربا من المستحيلات، بل إن سقوطه فى هذه الانتخابات إذا أجريت بحرية ونزاهة سيكون أمرا مفروغا منه، فخلال ثلاث سنوات من حكمه أصبحنا باعترافه هو شخصيا "فقراء أوي"، على النقيض من كل وعوده التى أطلقها فى حملته الانتخابية السابقة، حيث ارتفعت أسعار كل السلع والخدمات أضعاف ثمنها، وبقيت المرتبات على حالها، وفقد الجنيه أكثر من 60% من قيمته أمام الدولار، وتضاعفت ديوننا الخارجية لأرقام فلكية دون أن يعرف أحد كيف سنسددها، وأصبح شبح الإفلاس يهدد اقتصادنا القومي، فى نفس الوقت الذى زادت فيه العمليات الإرهابية بمعدلات غير مسبوقة، تزامن معها فرض قيود صارمة على العمل السياسى، وعلى حرية التعبير، فى حين تؤكد منظمات حقوقية محلية ودولية اعتقال ما يتراوح ما بين 40 ألف إلى 60 ألف مواطنا فى سجون النظام ، فى ظل هزائم مدوية على مستوى السياسات الخارجية منها ما يتعلق بسد النهضة، أو بالعلاقات الغامضة بإسرائيل وصفقة القرن، أوجزيرتى تيران وصنافير، أو "بالكيمياء" التى تربط بين السيسى وترامب والتى تبخرت فى الهواء بعد أسابيع قليلة من لقائهما، بالإفراج عن آية حجازى، وعدم وضع واشنطن الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب كما كانت ترغب الرئاسة، وأخيرا خفض إدارة ترامب للمعونات الإقتصادية لمصر! ومع ذلك ، ورغم هذه المؤشرات التى تكشف الانهيار المتتالى فى شعبية الرئيس، فإنه سوف يفوز فى الانتخابات المقبلة، إذا استمرت أوضاعنا السياسية الراهنة بطموحاتها الانتخابية المتواضعة على حالها، فحتى الآن لم يتقدم أحد من السياسيين بإعلانه ترشحه ضد السيسى، ولم يقدم حزب ما برنامجا بديلا للسياسات المتبعة حاليا، ولم يتواصل أيا منهما – المرشح أو الحزب – مع جمهور الناخبين بالشكل المطلوب للوقوف ضد عمليات تأميم السياسة الذي أعقب الإطاحة بالإخوان، والتي أسفرت عن اتخاذ السلطة سياسات تتعارض كليا مع كل ما قامت من أجله ثورة يناير، وكل ما رفعته من مطالب وشعارات. الفريق أحمد شفيق نفى أكثر من مرة شائعات ترددت حول ترشحه، أما خالد على فقد ألمح باقتضاب شديد عقب حصوله على حكم الإدارية العليا بمصرية تيران وصنافير لإمكانية ترشحه للرئاسة، ثم اختفى تماما من المشهد الإنتخابى، وهو نفس ما فعله عصام حجى الذى قال منذ حوالى سنتين إنه سيخوض الانتخابات ببرنامج سياسى يقوم على التعليم والمصالحة، ثم لم نسمع له صوتا ولا حسا بعدها، فى حين نفى أيمن نورالأسبوع الماضى وبشكل قاطع عزمه خوض الإنتخابات، وحتى حمدين صباحى الذى شن فى مؤتمر سياسى منذ عدة أيام هجوما لاذعا على الرئيس السيسى ، أكد أيضا عدم رغبته فى الترشح، ثم نفى هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزى للمحاسبات الشائعات التى ترددت حول نيته فى الترشح، مؤكدا دعمه لأى مرشح مدنى لتصحيح مسار الثورة، أما عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية فقد كان واضحا فى رفضه مجرد التفكير فى الترشح للرئاسة، قائلا فى حوار مع صحيفة "القدس العربى" إنه يتوقع "أن يتحول الاغتيال المعنوي له إذا أعلن ترشه للانتخابات الرئاسية، إلى اغتيال جسدي برصاصة" ، مؤكدًا عدم خوضه سباق الانتخابات إذا جرت بطريقة السباق الرئاسي في 2014. طوال السنوات الثلاث الماضية لم نسمع صوتا معارضا للرئيس أولحكوماته المتتالية استطاع فرملة جموح السياسات الحكومية نحو الشمولية السياسية، أو توظيف الأجهزة الأمنية كما لوكانت هى حزب الرئيس الذى يهندس البرلمان، ويختار وزراء الحكومة، ورؤساء أجهزة الدولة، ويحاول السيطرة على أحزاب المعارضة والنقابات والجامعات ومنظمات المجتمع المدنى، ومذيعى التليفزيون والإذاعة، لتعزف معا لحنا واحدا يمجد الرئيس وكأنه نصف إله، وهو ما جعل كل المرشحين المحتملين يرفضون خوض الانتخابات أمامه، لعدم توافر أية ضمانات لإجرائها فى مناخ ديمقراطي! تغيير هذه الظروف السياسية البائسة التى نعيشها حاليا، هى المهمة التى لا تزال غائبة حتى الآن عن فصائل المعارضة التى يمكن أن تتفق فيما بينها على سبل انتزاع حقوقها فى توفير المناخ الديمقراطى المواتى لإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة، ووقف هيمنة السلطة على أجهزة الدولة، وسيطرة السلطة التنفيذية على بقية السلطات، وتفعيل مواد الدستور التى تؤكد على حق الإضراب والتظاهر السلمي، وعلى تبادل السلطة، أو التي تلجم صلاحيات رئيس الجمهورية وتمنعه من الهيمنة على كافة أجهزة الدولة، أو الانفراد بالقرارات المصيرية بالشكل الذى يجرى حاليا، وصولا للتراضى حول اسم مرشح واحد ببرنامج انتخابى للإنقاذ تحتشد جميعها حوله. الشهور القليلة المقبلة هى الأمل الأخير لحشد جماهير الناخبين لانتزاع حقوقها الديمقراطية المهدرة، ولإيقاف توجهات السلطة فى مصر لإجراء إنتخابات على مقاس الرئيس السيسى وحده، وكأنها استفتاء نتائجه محسومة سلفا!